ما الدور الذي تلعبه الاستدامة البيئية في شركات النفط العربية لحماية البيئة من حولنا؟

تزداد المخاوف من حدة الانبعاثات الكربونية، خاصةً مع ارتفاعها بفعل الوقود الأحفوري، واحتراق الطاقة والعمليات الصناعية بنحو 321 مليون طن في العام الماضي، بزيادة تبلغ 21 مليون طن على توقعات الوكالة الدولية للطاقة في أكتوبر تشرين الأول 2022، بوصول نسبة الانبعاثات إلى ما يقرب 300 مليون طن.

على الرغم من ارتفاع نسبة الانبعاثات فإنها انخفضت كثيراً عن القفزة المخيفة التي حققتها في 2021، إذ بلغت ملياري طن نتجت عن التعافي العالمي السريع من الأزمة الاقتصادية التي أحدثتها الجائحة، وجاءت هذه الزيادة مدفوعة بتوليد الطاقة وقطاع الطيران، بعدما انتعش السفر الجوي من أدنى مستوياته بعد الجائحة.

الاستدامة البيئية في شركات النفط العربية

تلك المخاوف إلى جانب اهتمام الأمم المتحدة بتعزيز الطاقة المستدامة في المستقبل، أسهمت في نمو اهتمام أكبر شركات النفط بالاستدامة عامة و الاستدامة البيئية خاصة، حتى تحافظ على وجودها بين شركات الطاقة الأقل كثافة من ناحية الانبعاثات الكربونية المصاحبة لإنتاج المواد الهيدروكربونية، مع الإيفاء بالطلب العالمي على الطاقة، ولنأخذ «أرامكو» السعودية، و«أدنوك» الإماراتية -وهما أكبر شركتي طاقة في المنطقة العربية- مثالاً.

من جهتها، وضعت شركة « أرامكو» السعودية خططاً من أجل الوصول إلى الحياد الصفري لانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بحلول عام 2050، وبالتالي فإنها تسعى إلى توفير إمدادات موثوقة من الطاقة، بينما تعتمد شركة « أدنوك» الإماراتية استراتيجية للاستدامة لعام 2030 في إطار الالتزام بالمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة.

نهج «أرامكو» السعودية لدعم الاستدامة البيئية

في الوقت الذي وُضعت فيه الاستدامة ضمن أهم جهود رؤية السعودية 2030 منذ إطلاقها، لأنها تستهدف الوصول إلى الحياد الصفري بحلول 2060، فإن «أرامكو» تسعى للمحافظة على الموارد الطبيعية، وتطبيق مبادئ الاقتصاد الدائري، فضلاً عن الاستعانة بالموارد اللازمة للاستثمار في حماية البيئة والحلول الطبيعية، واعتماد مبادئ الاقتصاد الدائري في أعمالها، وفق ما يراه الباحثون في الكيمياء البيئية أنه خطوة لبناء مستقبل صناعي وزراعي وتجاري مستدام.

صندوق الاستدامة

في إطار هذه الاستراتيجية، أسست الشركة السعودية صندوق الاستدامة بنحو 1.5 مليار دولار بهدف خفض كثافة انبعاثات الكربون، وكثافة استهلاك الطاقة.

وعن الصندوق، قالت الشركة إنه يستثمر في تقنيات تمكّنها من الوصول إلى الحياد الصفري للانبعاثات في أعمالها التشغيلية عام 2050، بالإضافة إلى تطوير أنواع وقود جديدة منخفضة الكربون.

وأوضحت أن مجالات تركيز الصندوق ستتضمن احتجاز الكربون وتخزينه، وحلول انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، والتقدم في كفاءة الطاقة، والحلول المناخية القائمة على الطبيعة، وحلول الاستدامة الرقمية، والهيدروجين، والأمونيا قليلة الكربون، والوقود الاصطناعي.

النفايات الصناعية المعاد تدويرها

بلغت نفايات «أرامكو» الصناعية المعاد تدويرها في 2021، نحو 39.9 في المئة، وخلال 2022 حصلت 98 في المئة من المرافق التي تشغلها الشركة على شهادة الآيزو 14001، وهو المعيار الدولي لنظام الإدارة البيئية وهي ما تعزز الأداء البيئي، وتساعد الشركات من مختلف الفئات على استدامة عملياتها اليومية.

قواعد الحوكمة

كما تعتمد الشركة أربع قواعد للحوكمة تتمثل في تجنب العمل في الموائل عالية الجودة؛ لهذا فإنها تتجنب العمل في المواقع المدرجة ضمن التراث العالمي، والحد من آثار أعمالها، إضافة إلى الموائل المتضررة، وتعويض ما لا يمكن الحد من تبعاته، وتدعم أيضاً التنوع الحيوي من منطلق أن السعودية تملك أكثر من 2400 نوع من النباتات، وفي نهاية العام الماضي تجاوزت محميات التنوع الحيوي أكثر من 985 كيلومتراً مربعاً، علماً أن الشركة أسهمت في تعزيز حماية التنوع الحيوي بنسبة 20 في المئة خلال الفترة ذاتها.

أشجار المانغروف

تمتصُّ أشجار المانغروف الكربون من الجو، لذلك فإنها تعتبر طوق نجاة للعالم بأكمله، من هنا، أدرجتها «أرامكو» ضمن اهتماماتها، إذ تتطلع إلى زراعة 300 شجرة داخل السعودية، و350 خارجها بحلول 2035.

وتقترب من تحقيق هدفها بزراعة 31 مليون شجرة بطول ساحل الخليج والبحر الأحمر بحلول 2025، إذ وصل عدد الأشجار المزروعة إلى 24 شجرة وفقاً لأحدث تقاريرها للاستدامة في 2022.

إدارة المياه

بحكم وقوع مقر شركة «أرامكو» في أكثر الأراضي القاحلة -كما تصفها في تقريرها عن الاستدامة- فإنها أولت المياه اهتماماً خاصاً لإدارته بشكلٍ فعّال، وتطبيق تقنيات جديدة للمحافظة على المياه الجوفية، ومعالجة مياه الصرف الصحي، وتصريف المواد الهيدروكربونية في المياه.

وفي عام 2022 سجّلت الشركة انخفاضاً بنسبة 47 في المئة من نسبة تصريف المواد الهيدروكربونية في المياه، وفي العام ذاته أجرت الشركة اختباراً لاستخدام تقنيات إزالة الملح من النفط الخام في العديد من منشآت الشركة لتحسين العملية، ورفع جودة النفط الخام، إضافة إلى تقنيات معالجة المياه المنتجة، والتي تعالج المياه عالية الملوحة مسبقاً، ثم تحليتها، لتستغني عن استخدام المياه الجوفية كمياه تنقية تماماً.

وبلغ استهلاك الشركة من المياه العذبة خلال 2022، نحو 93.6 مليون متر مكعب، محققة انخفاضاً طفيفاً عن 2021، إذ بلغ الاستهلاك وقتها نحو 94.6 مليون متر مكعب، بينما سجّلت كميات المياه المسحوبة 136.6 مليون متر مكعب أي انخفضت بنسبة 3.5 في المئة في 2022، عن العام الذي سبقه، إذ وصلت إلى 137.3 مليون متر مكعب.

الطاقة الشمسية وطاقة الرياح

تسعى الشركة إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، لذلك فإنها تستهدف الاستثمار في مشاريع توليد أكثر من 12 غيغاوات من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بحلول عام 2030، وزيادة طاقة تخزين ثاني أكسيد الكربون.

نهج «أدنوك» الإماراتية لدعم الاستدامة البيئية

مع التحديات التي يواجهها العالم بسبب التغيرات المناخية، وضعت شركة «أدنوك» الإماراتية استراتيجيتها للاستدامة، سعياً للالتزام بخفض الانبعاثات المسبّبة للاحتباس الحراري بنسبة 25 في المئة بحلول 2030، ودعم المبادرة الاستراتيجية للإمارات لتحقيق الحياد المناخي بحلول 2050.

كما أخذت بعين الاعتبار الحدّ من تأثير عملياتها على البيئة من خلال العمل على المحافظة على التنوع البيولوجي، وإدارة المياه والنفايات، إضافة إلى الحفاظ على معدل استهلاك للمياه العذبة بهدف تقليلها عن نحو 0.5 في المئة من إجمالي استخدام المياه.

استراتيجية أدنوك للاستدامة البيئية

أشجار المانغروف

مع إطلاق استراتيجيتها للاستدامة، أعلنت «أدنوك» عن خططها لزرع 10 ملايين شتلة من أشجار المانغروف في منطقة الظفرة في إمارة أبوظبي بنهاية عام 2030؛ نظراً لقدرتها على امتصاص ثاني أكسيد الكربون وغيره من الغازات المسببة للاحتباس الحراري.

وفي يناير كانون الثاني، أعلنت الشركة خلال أسبوع أبوظبي للاستدامة عن توقيع عقد مع «دستنز ايمجري»، لزراعة 2.5 مليون شتلة من أشجار المانغروف في جميع أنحاء أبوظبي بالاعتماد على تقنية الطائرات بدون طيار المبتكرة لنثر أكثر من ألفي بذرة مانغروف خلال ثماني دقائق تقريباً، علماً أن الشركة زرعت مليوني شتلة قرم في مواقع العمل التابعة لها وعبر أبوظبي.

الحفاظ على التنوع البيولوجي

سعت الشركة إلى الحفاظ على التنوع البيولوجي عن طريق بناء 293 مجموعة من الشعاب المرجانية الاصطناعية لحماية الحياة البحرية والحفاظ على الحياة الفطرية في مياه البحر.

استكشاف الفرص في مجال الهيدروجين

تنتج «أدنوك» بالفعل أكثر من 300 ألف طن من الهيدروجين سنوياً، وفقاً للشركة، وفي مايو أيار 2021، كشفت عن منشأة لإنتاج الأمونيا الزرقاء على نطاق عالمي بمعدل مليون طن سنوياً، على أن تبدأ العمل في 2025.

وفي أغسطس آب 2021، باعت الشركة أول شحنة تجريبيّة من الأمونيا الزرقاء.

الاستثمار في الطاقة المتجددة

تستهدف الشركة تسريع استثماراتها في مشاريع الطاقة المتجددة، لذلك أبرمت شراكة استراتيجية مع شركتي «أبوظبي الوطنية للطاقة»، و«مبادلة» في ديسمبر كانون الأول 2021؛ بهدف امتلاك حصة في شركة «مصدر»، بهدف تطوير محفظة عالمية رائدة للطاقة النظيفة، وتعزيز الجهود في مجال الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر.

ووفقاً للشركة، فإن سعة إنتاج هذه الشركات تبلغ أكثر من 23 غيغاوات من الطاقة المتجددة، بينما تتوقع ارتفاع هذه النسبة إلى أكثر من 100 غيغاوات بحلول 2030.

تقنية التقاط الكربون وتخزينه

في سبيل العمل على مضاعفة قدرتها على التقاط ثاني أكسيد الكربون، أطلقت «أدنوك» مشروع «الريادة» في 2016، بهدف التقاط نحو 500 في المئة لتصل إلى ما يقرب 5 ملايين طن سنوياً بحلول عام 2030.

ومنذ أواخر عام 2016، تستخدم الشركة غاز ثاني أكسيد الكربون الذي يُلتقط وينقل من قبل «الريادة» في حقن حقول النفط البرية التابعة لها بهدف زيادة إنتاجها من النفط الخام بما يتماشى مع استراتيجيتها الهادفة إلى التوسع في استخدام هذه التكنولوجيا لتعزيز استخلاص النفط.