في عام 1913، قامت خطوط التجميع المتحركة التي ابتكرها هنري فورد بتحول كبير في صناعة السيارات، فقد قلَّصت الابتكارات الرائدة لفورد بشكل كبير في الوقت الذي يستغرقه تجميع السيارة، ما سمح بالإنتاج الضخم وتخفيض أسعار السيارات بشكل كبير.

وخلال أكثر من قرن من الزمن، خضعت صناعة السيارات لتحول كبير مماثل، لكن هذه المرة تعمل شركة فورد موتور بجد لمواكبة تلك التحولات، بدلاً من قيادة التحول.

وتمثل السيارات الكهربائية تحولاً أساسياً في التقنيات وعمليات التصنيع التي حوّلت فورد ومنافسيها مثل تويوتا وفولكس فاغن إلى أكبر شركات السيارات على وجه الكوكب.

الشركات التقليدية تسابق الزمن للتكيف بتكلفة مالية هائلة، لكنها ما زالت تبتعد كثيراً عن تسلا ومجموعة من المنافسين الصينيين الجدد، بما في ذلك «بي واي دي» و«أكس بانغ».

العالم يحتاج إلى سيارات كهربائية متاحة ورخيصة أكثر من أي وقت مضى، فستلعب السيارات الكهربائية دوراً كبيراً في مساعدة الدول على الحد من تلوث الكوكب الناجم عن انبعاثات الغازات الحرارية، لكن هل يمكن لشركات صناعة السيارات في أوروبا والولايات المتحدة -حيث تخطط الحكومات بالفعل لحظر أو تقييد بيع السيارات الجديدة التي تعمل بالغاز والديزل- تقديمها؟

شاحنات كهربائية قيد الإنتاج في مصنع فورد في ديربورن، ميشيغان، في سبتمبر أيلول 2022/ غيتي إيماجز

«في النهاية، ستكون بعض هذه الشركات المصنعة للسيارات، التي كانت الأساس لكيفية تفكيرنا في السيارات على مر السنين، جزءاً صغيراً من حجمها في المستقبل»، قال جين مونستر، شريك إداري في ديبووتر أسيت ماناجمنت.

فجوة السيارات الكهربائية بين شركات صناعة السيارات التقليدية والمنافسين الجدد كبيرة، في عام 2022، قامت تسلا بتسليم 1.31 مليون سيارة كهربائية ببطارية، وزادت «بي واي دي» مبيعاتها لثلاث مرات على العام السابق لتصل إلى أكثر من 900,000 (وتصل هذه الأرقام إلى ما يقرب من 1.86 مليون عندما تشمل سيارات الهجين القابلة للشحن).

بالمقارنة، باعت مجموعة فولكس فاغن، بما في ذلك أودي وبورش، 572,100 سيارة كهربائية ببطارية، في حين بلغت مبيعات ستيلانتس التي تصنع كرايسلر وجيب، 288,000، وتتخلف تويوتا وفورد وجنرال موتورز عنهما بكثير.

المنافسون الجدد لديهم السبق في التكنولوجيا، والعلامات التجارية الصينية الصاعدة تتمتع بتكاليف إنتاج أقل، ما يسمح لها بتقديم أسعار أقل، وهي ميزة هائلة نظراً لأن التواجد الاقتصادي هو عائق كبير أمام انتشار السيارات الكهربائية بشكل واسع، وفقاً لاستطلاع أجرته الوكالة الدولية للطاقة (IEA) في عام 2021.

صناعة السيارات التقليدية تتراجع

في سباق السيارات الكهربائية الذي يعيد تشكيل صناعة السيارات العالمية، تسرع الصين إلى الأمام، واليابان وكوريا الجنوبية وأوروبا والولايات المتحدة -اللاعبون الرئيسيون لعقود من الزمن- يتخلفون.

بين عامَي 2015 و2022، شهدت أكبر شركات صناعة السيارات في العالم -فولكس فاغن وجنرال موتورز وتويوتا وستيلانتس وهوندا وتحالف رينو-نيسان-ميتسوبيشي وفورد وهيونداي-كيا وجيلي ومرسيدس-بنز وبي إم دبليو- تراجع حصتها في مبيعات السيارات الكهربائية في العالم من أكثر من 55 في المئة إلى 40 في المئة، وفقاً للوكالة الدولية للطاقة.

في الفترة نفسها، ارتفعت حصة سوق اثنتين فقط من الشركات؛ تسلا وبي واي دي، من 20 في المئة إلى أكثر من 30 في المئة.

وتوقع البنك الاستثماري «يو بي إس» أنه بحلول عام 2030، قد تشهد شركات صناعة السيارات الصينية زيادة حصتها في السوق العالمية للسيارات الكهربائية من 17 في المئة إلى 33 في المئة، مع زيادة الخسائر لدى الشركات الأوروبية.

«يعاني بالفعل هؤلاء اللاعبون العالميون الذين لديهم تعرُّض عالٍ للسوق الصينية من صعود منافسين محليين، خاصةً فولكس فاغن وجنرال موتورز»، وفقاً لمحللي البنك في مذكرة حديثة.

الشركات الصانعة التقليدية تنفق الآن مئات المليارات من الدولارات، وتحدد أهدافاً طموحة لمبيعات السيارات الكهربائية للتقليل من التقدم السريع الذي تحتله تسلا والمنافسون الصينيون.

حتى نهاية سبتمبر من العام الماضي، أعلنت شركات تصنيع السيارات وشركات تصنيع البطاريات في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا، باستثناء الصين، استثمارات تزيد على 650 مليار دولار حتى عام 2030 في انتقال نحو السيارات الكهربائية، بما في ذلك مرافق التصنيع وإنتاج البطاريات، وفقاً لشركة «أطلس بابليك بوليسي»، وهي شركة أميركية متخصصة في جمع البيانات والتحليل.

من غير الواضح ما إذا كانت هذه الاستثمارات ستكون مجدية، «عندما يتحدث صانعو السيارات التقليديون عن محاولة اللحاق بتسلا أو محاولة مجاراة الشركات الصينية الرائدة، فإنه أمر صعب، ببساطة ليس لديهم الخبرة في الداخل»، قال باتريك هوميل، المحلل في «يو بي إس»، في اتصال صحفي مؤخراً.

وتأتي خطط إنفاق مليارات الدولارات أيضاً في وقت صعب للصناعة التي كانت مضطرة للتعامل مع نقص الرقائق الإلكترونية والمشكلات في سلسلة التوريد لسنوات عدة، مبيعات السيارات بشكل عام لا تزال دون مستويات ما قبل الجائحة، وهوامش الربح على السيارات الكهربائية بين اللاعبين المُنشئين التقليديين ضئيلة أو غير موجودة.

سيارة جي تي كونسيبت الكهربائية من شركة فولكس فاغن في معرض ميونيخ للسيارات في ألمانيا، في 4 سبتمبر أيلول 2023/ غيتي إيماجز

هناك أيضاً شكوك حول ما إذا كان طلب المستهلك سيرتفع بالتوازي مع الإمدادات الجديدة، إذ تخطط فولكس فاغن لتعليق إنتاج بعض موديلات السيارات الكهربائية في ألمانيا في الشهر المقبل بسبب الطلب الضعيف، وفقاً لمتحدث باسم الشركة في تصريحات لرويترز هذا الأسبوع.

«صناعة السيارات التقليدية تتخلف في مجال السيارات الكهربائية، وستستمر في التخلف لمدة عامين على الأقل»، قال مونستر من ديبواتر أسيت ماناجمنت مؤخراً على منصة «إكس»، التي كانت معروفة سابقاً باسم «تويتر».

فورد هي واحدة من هذه الشركات الصانعة للسيارات، في يوليو تموز رفعت تقديراتها للخسائر في أعمالها الخاصة بالسيارات الكهربائية للسنة المالية الجارية إلى 4.5 مليار دولار من تقديرات سابقة بقيمة 3 مليارات دولار، وقد أجلت هدفها لإنتاج 600,000 سيارة كهربائية سنوياً.

ميزة الصين

قد تصبح شركات صناعة السيارات التقليدية أقل تنافسية حتى إذا نجح العمال الذين يضربون عن العمل في فورد وجنرال موتورز وستيلانتس في الحصول على اتفاقات أجور أفضل في الولايات المتحدة.

«ستزداد الأمور سوءاً بالنسبة للثلاثة الكبار مقارنة بتسلا من حيث تكلفة الساعة للعمالة التصنيعية»، كما قال مونستر.

إذا انخرطت شركات صناعة السيارات الأميركية في مطالب الاتحاد -التي تتضمن زيادات كبيرة في الأجور وضمانات حماية الوظائف- «فستكون استراتيجية السيارات الكهربائية ميتة بمعنى الكلمة»، قال دان إيفز، كبير المحللين في «وودبوش سيكيورتيز» في مذكرة بحثية.

وأضاف «هذا لأن ذلك سيرفع تكلفة متوسط السيارة الكهربائية بمقدار 3,000-5,000 دولار، وإعادة تحويل هذه الزيادات في التكلفة إلى المستهلكين ستجعل نماذج الأعمال المستقبلية للثلاثة الكبار غير جديرة بالتنفيذ»، وفقاً لما أضافه في مذكرة بحثية.

أعضاء نقابة عمال السيارات المتحدة يضربون خارج منشأة جنرال موتورز في لانسينغ، ميشيغان، في 23 سبتمبر أيلول 2023/غيتي إيماجز

بينما تحتاج السيارات الكهربائية إلى أقل عدد من العمال، فإن تكلفة بنائها تزيد على تكلفة بناء السيارات التي تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي؛ نظراً لأن المواد الخام المستخدمة في البطاريات مكلفة وصعبة الحصول عليها، وتصفية عمليات التصنيع وتوسيع الإنتاج يستغرقان أيضاً وقتاً.

هنا أيضاً، الصين لديها ميزة؛ إنها بلا منازع أكبر منتج للبطاريات الكهربائية في العالم ومهيمنة في إمداد ومعالجة العديد من المكونات الحرجة المطلوبة لصنع البطاريات.

«الغالبية العُظمى من سلسلة التوريد للبطاريات الكهربائية في أيدي الصين»، قال دانيال روسكا، رئيس أبحاث السيارات الأوروبية في برنستين، وهي شركة وساطة، «الصين وضعت تركيزاً أكبر على هذا من غيرها منذ فترة طويلة، ولهذا فإن مركز الجاذبية الآن هو هناك»؛ يقصد الصين، خلال تصريحاته لشبكة «سي إن إن».

لم تكن لدى شركات صناعة السيارات العالمية سوى خيار ضئيل للدخول في شراكات مشتركة مع شركات صناعة السيارات والبطاريات الصينية، لكن التعاون أصبح أمراً أكثر تعقيداً مع ارتفاع التوترات التجارية بين الصين والغرب، ومع دعوات الحكومات الغربية للحد من اعتماد بلدانها على الصين.

في يوم الاثنين، أعلنت فورد أنها ستعلّق العمل على مصنع بتكلفة 3.5 مليار دولار في ميشيغان، إذ كانت تخطط لصنع بطاريات سيارات كهربائية باستخدام تكنولوجيا من شركة «كاتل» الصينية، التي تزود أيضاً تسلا بالبطاريات، فعندما تم الإعلان عن الخطة في فبراير شباط، انتقد السيناتور الجمهوري ماركو روبيو الصلة الصينية بالمشروع.

فورد ليست مستعدة للسيارات الكهربائية الصينية

تعمل الصين فقط على تعزيز مكانتها الرائدة من خلال فرض ضوابط حمائية على المواد الخام ذات الأهمية الحيوية للمركبات الكهربائية والتحول إلى الطاقة الخضراء، وانخفضت صادراتها من اثنين من المعادن النادرة الضرورية لتصنيع أشباه الموصلات -المتوفرة بكثرة في المركبات الكهربائية- إلى الصفر في أغسطس آب، بعد أن فرضت بكين قيوداً على المبيعات الخارجية، بدعوى الأمن القومي.

كما أن التحقيق الذي أعلنه الاتحاد الأوروبي مؤخراً في دعم الدولة للمركبات الكهربائية القادمة من الصين يمكن أن يزيد الأمور سوءاً، وأعرب أعضاء البرلمان الأوروبي عن مخاوفهم من أن الدعم الحكومي يسمح لمصنّعي السيارات الكهربائية الصينيين بإبقاء الأسعار منخفضة بشكل مصطنع، ما يخلق منافسة غير عادلة للمنافسين الأوروبيين.

إذا فرض الاتحاد الأوروبي رسوماً جمركية أعلى من معدلها القياسي البالغ 10 في المئة على السيارات المستوردة، فقد يثير ذلك رد فعل انتقامياً من الصين، ما قد يؤثر سلباً على شركات صناعة السيارات الأوروبية، والعديد منها تحقق جزءاً كبيراً من أرباحها في الصين.

«إضافة التدابير الحمائية تجاه الصين هو على الأرجح مثل إطلاق النار على قدميك»، قال روسكا.

وإذا كانت أوروبا تريد تقليل انبعاثات الكربون، فستحتاج إلى سيارات كهربائية رخيصة، ووفقاً لتقرير لعام 2022 من شركة أبحاث «جاتو دايناميكس»، فإن السيارات الكهربائية التي تُباع في الصين أرخص بنحو 40 في المئة من تلك المبيعة في أوروبا، وأرخص بنسبة 50 في المئة مما هي عليه في الولايات المتحدة.

بالفعل، يقوم مصنّعو السيارات الصينيون بإنشاء مرافق تصنيع في أوروبا مع ارتفاع حواجز التجارة، ومن المرجّح أن يحدث الأمر نفسه في الولايات المتحدة، إذ تبلغ الرسوم الجمركية للسيارات 27.5 في المئة.

«إنهم ليسوا هنا، لكنهم سيأتون هنا، نعتقد في وقتٍ ما»، قال رئيس فورد، بيل فورد، لـفريد زكريا في شبكة «سي إن إن» في يونيو حزيران.

وأضاف أيضاً أن فورد ليست مستعدة بعدُ للتنافس مع السيارات الكهربائية الصينية في أميركا «نحتاج إلى الاستعداد، ونحن نستعد».

(حنا زيادي – CNN)