دخلت أيسلندا في عصر جديد من النشاط البركاني، حيث استيقظ النظام البركاني بعد 800 عام من السكون، هذا الاستيقاظ كان مدفوعاً بارتفاع الحمم البركانية من تحت الأرض، ما أدى إلى ابتلاع المنازل وإجبار الآلاف من السكان على الفرار، لكن في الوقت نفسه، يسعى العلماء والمهندسون في جزء آخر من أيسلندا إلى تسخير الطاقة الهائلة للماغما لحل واحدة من أكبر مشكلات الطاقة التي يواجهها كوكب الأرض.

الماغما هي صخور منصهرة موجودة تحت سطح الأرض، تتكون من مزيج من المعادن المنصهرة والغازات الذائبة والبلورات. وتتواجد هذه المواد تحت ضغط وحرارة عالية جداً داخل القشرة والوشاح الأرضي. وعندما تندفع الماغما إلى السطح، تتعرض لضغط أقل وتبدأ في التبريد، ما يؤدي إلى تبلورها وتشكيل الصخور البركانية.

وفي المناطق النشطة بركانياً، مثل أيسلندا، تعد الماغما مصدراً محتملاً للطاقة الجيوحرارية، حيث يمكن استخدام حرارتها العالية لتوليد الكهرباء والتدفئة بشكل صديق للبيئة ومستدام.

تهديدات على الأرض

بالنسبة لكلارا هالدورسدوتير، تعكس التجربة البركانية التي هبت على جنوب غرب أيسلندا في العام الماضي تناقضاً كبيراً، لقد كانت تشهد على الانفجارات النارية ونهر الحمم البركانية الذي يقترب من مدينة جريندافيك؛ المدينة التي عاشت فيها طوال حياتها، ومع ذلك، أجبرها هذا البركان على ترك منزلها، فخلال سلسلة من الزلازل في نوفمبر الماضي، شعرت بتحركات الأرض، وهو ما كان بمثابة إنذار لثوران وشيك، تجمع السكان سريعاً على الطرق، وكان المشهد كما لو كان في فيلم رعب، وذلك وفقا لتقرير CNN.

حالياً، أصبحت جريندافيك مدينة أشباح، حيث لم يتبقَ من سكانها البالغ عددهم 3600 نسمة إلا القليل بعد سلسلة من الانفجارات البركانية التي دمرت المنازل وهددت محطة الطاقة الحيوية.

ورغم أن أيسلندا معروفة بنشاطها البركاني، فإن هذه الانفجارات الجديدة تتميز بالعنف والخطورة، ما يهدد حياة السكان.

علم جديد تحت الأرض

بينما يتعرض السكان في الجنوب الغربي من أيسلندا لضغوط هذا العصر البركاني، هناك أمل في الشمال الشرقي عند كالديرا بركانية تُعرف باسم كرافلا، هناك خطة جريئة تتمثل في الحفر مباشرة في غرفة الصهارة، في عام 2009، كان المهندس بيارني بالسون يعمل على مشروع لاستخراج الطاقة الحرارية الأرضية، حيث اكتشف صدفة غرفة الصهارة.

وفي هذه البيئة الشديدة الحرارة، يأمل العلماء في تحويل الضغط الهائل والحرارة إلى طاقة حرارية أرضية فائقة، ما قد يسهم في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.

مشروع طموح

يتمتع مشروع كرافلا بإمكانيات هائلة، وفقاً لمدير مجموعة أبحاث الطاقة الحرارية الأرضية هجالتي بال إنجولفسون، يقارن حجم هذا المشروع وطموحه بتلسكوب جيمس ويب الفضائي الذي يتيح للعلماء رؤية غير مسبوقة للكون. يقول إن إنجولفسون: «إذا نجحنا، فستكون العواقب العالمية هائلة»، حيث يعيش نحو 800 مليون شخص على بعد 60 ميلاً من بركان نشط.

تعد كرافلا مختبراً طبيعياً فريداً لدراسة البراكين، هي واحدة من أكثر حقول الطاقة الحرارية الأرضية سخونة، ما يجعلها مكاناً مثالياً للدراسات، سيتم حفر أول بئر في عام 2027، والذي سيكون بمثابة أول محاولة لرصد النظام البركاني بشكل مباشر، من خلال دراسة التركيب الكيميائي والحرارة والضغط داخل غرفة الصهارة، يمكن للعلماء تطوير نماذج أكثر دقة للتنبؤ بالانفجارات البركانية.

استخدام الطاقة الحرارية الأرضية

تمتلك أيسلندا تاريخاً طويلاً في استغلال الطاقة الحرارية الأرضية، حيث يعتمد أكثر من 90% من المنازل على هذه الطاقة للتدفئة، في السنوات الثمانين الماضية، تحولت أيسلندا من الاعتماد على النفط والفحم إلى أن أصبحت واحدة من أغنى البلدان في أوروبا بفضل الطاقة الحرارية الأرضية، من خلال الاستفادة من الحرارة الشديدة للماغما، قد تحقق أيسلندا قفزة نوعية في إنتاج الطاقة.

العملية تعتمد على ضخ بخار شديد السخونة من غرفة الصهارة إلى مبادل حراري، حيث يتم استخدامه لتوليد الكهرباء، هذا النوع من الطاقة له كثافة طاقة أعلى بكثير من الطاقة الحرارية التقليدية، ما يجعله خياراً مثيراً ومستداماً لمستقبل الطاقة العالمي.

تتزايد المخاطر والفرص في أيسلندا، حيث يمكن أن تتحول التهديدات البركانية إلى إمكانيات للطاقة المستدامة، بينما يُجبر السكان على مغادرة منازلهم بسبب النشاط البركاني المتزايد، يتطلع العلماء إلى استغلال هذا النشاط بطرق جديدة ومبتكرة، إن عصراً بركانياً جديداً قد يغير ملامح الطاقة العالمية، ويجعل أيسلندا مركزاً محورياً في الجهود المبذولة لمواجهة التحديات البيئية والاقتصادية في المستقبل.