تعد شركة آي بي إم التي تصل قيمتها السوقية إلى نحو 207.86 مليار دولار إحدى أقدم شركات التكنولوجيا في العالم، وقد لعبت دوراً في تطوير العديد من المنتجات والتقنيات التي تلعب دوراً حيوياً في حياتنا اليومية، لكن مسيرة هذه الشركة كادت تنتهي في عام 1993 جرَّاء خسائر فادحة، لكن انضمام لويس جيرستنر لصفوفها غيَّر الأوضاع تماماً.
وفي عام 1993 خسرت شركة آي بي إم 8.2 مليار دولار، وهي أكبر خسارة لشركة في تاريخ الولايات المتحدة حتى ذلك الوقت، اعتقد الجميع أن الشركة العملاقة قد حان وقت زوالها، وأقدمت الشركة على خطوة مثيرة للجدل، إذ عيَّنت رئيساً تنفيذياً جديداً كان يعمل سابقاً في شركة لصنع الحلوى.
هذا القرار غيَّر مسار تاريخ التكنولوجيا، ولتوضيح حجم مشكلات الشركة قبل وصول رئيسها التنفيذي لويس جيرستنر، إليك هذا المثال: فقد انخفضت حصة آي بي إم في سوق الحاسب الآلي من 80 في المئة في عام 1982 إلى 20 في المئة فقط بحلول عام 1992، وكانت أجهزتهم عالية الجودة باهظة الثمن، وكانت نسخ أجهزة الكمبيوتر الشخصية تلتهم حصتهم بالسوق، وتسببت سلسلة من الأخطاء الاستراتيجية في خسائر ضخمة.
أبرز فشل لشركة آي بي إم كان فشلها في تأمين حقوق الملكية الفكرية لشريحة إنتل المستخدمة في أجهزة الكمبيوتر الشخصية الخاصة بهم، وسمح هذا لشركة إنتل ببيع الرقائق للمنافسين؛ ما أدى إلى تدمير الميزة التنافسية لشركة آي بي إم.
كذلك كلَّف فشل برنامج (أو إس 2) ما يصل إلى 125 مليون دولار سنوياً، وتدهور الشراكات مع مايكروسوفت، بالإضافة إلى قوة عمل جبارة غير موجهة قوامها 406 آلاف موظف، وأدرك مجلس الإدارة حجم التغيير المطلوب.
حل مجلس إدارة آي بي إم كان عرض وظيفة الرئيس التنفيذي على لويس جيرستنر الذي عمل سابقاً من شركتي (أر جيه أر نابيسكو) -المتخصصة في المواد الغذائية والتبغ- وشركة أميركان إكسربيس.
وعرضت آي بي إم عليه حزمة راتب تضمنت: راتب 1.5 مليون دولار ومكافأة 1.1 مليون دولار وخيارات أسهم 500 ألف سهم و4.2 مليون دولار لتغطية بعض المزايا التي كانت تقدمها له شركته السابقة أر جيه أر نابيسكو.
وفي غضون 90 يوماً اتخذ جيرستنر قرارين حاسمين: أولهما الحفاظ على الشركة، والتركيز على الحواسيب المركزية، والثاني جعل آي بي إم رائدة في استراتيجيات تكنولوجيا المعلومات للشركات الكبرى.
اعتقدت وول ستريت أنَّ آي بي إم وظفت الرجل الخطأ، ولكن جيرستنر رأى شيئاً لم يروه، فلقد أدرك أن مشكلة آي بي إم لم تكن تقنية بل كانت ثقافية فلقد ركزت الشركة بشكل مفرط على ابتكار التكنولوجيا من أجل التكنولوجيا ذاتها.
وبدلاً من ذلك طرح جيرستنر سؤالاً بسيطاً هو: ماذا يريد العملاء بالفعل؟ وكانت إجابته كفيلة بإحداث ثورة في صناعة التكنولوجيا بأكملها، إذ لم يكن العملاء يريدون منتجات، بل كانوا يريدون حلولاً، ولذا قدم جيرستنر وحدات الحلول الصناعية وهي فرق مخصصة تعالج صناعات محددة بحلول كاملة ومتكاملة.
ولكن كان عليه أن يتخذ بعض القرارات المؤلمة، وبحلول عام 1994 كان قد خفض القوى العاملة بشكل كبير من 406 آلاف موظف إلى 219 ألف موظف، كانت هذه أول عمليات تسريح كبرى في تاريخ آي بي إم، ولكن هذا لم يكن مجرد خفض للتكاليف، بل كان إعادة اختراع كاملة.
لقد حوَّل جيرستنر تركيز آي بي إم من المنتجات إلى الخدمات، وبدلاً من مجرد بيع الأجهزة قاموا بما يلي: بناء أنظمة للشركات الكبرى، إدارة البنية الأساسية لتكنولوجيا المعلومات الخاصة بهذه الشركات، وتقديم حلول شاملة.
وكانت النتائج مذهلة، وبحلول عام 1994 عادت شركة آي بي إم إلى تحقيق الأرباح مرة أخرى، وأصبح قسم الخدمات الخاص بها أسرع أعمالها نمواً، وكان من المتوقع أن تنمو عقود الخدمة طويلة الأجل بنسبة 12.5 في المئة سنوياً حتى عام 2005.
بحلول عام 2001 مثَّل قطاع الخدمات نحو 43 في المئة من إيرادات شركة آي بي إم، فيما كانت الأجهزة نحو 37 في المئة من الإيرادات، وكان لدى الشركة عقود طويلة الأجل بقيمة 100.6 مليار دولار، وتحولت شركة آي بي إم من شركة أجهزة تحتضر إلى شركة خدمات تقنية مزدهرة.