من الفضاء إلى الذكاء الاصطناعي.. هل يعيد التاريخ نفسه بين لحظتي سبوتنيك وأبولو؟

من الفضاء إلى الذكاء الاصطناعي.. هل يعيد التاريخ نفسه بين لحظتي سبوتنيك وأبولو؟

لطالما كان التفوق التكنولوجي أحد العوامل الحاسمة في تحديد ميزان القُوى العالمية، ففي عام 1957، صدم الاتحاد السوفيتي الولايات المتحدة بإطلاقه القمر الصناعي «سبوتنيك 1»؛ ما أدى إلى ما يُعرف بـ«لحظة سبوتنيك»، حيث وجدت واشنطن نفسها متأخرة في سباق الفضاء، لكن بعد اثني عشر عاماً، استطاعت أميركا أن ترد بقوة عبر «لحظة أبولو» عندما أصبح نيل أرمسترونغ أول إنسان يطأ سطح القمر، معيدة بذلك هيمنتها العلمية والتكنولوجية.

واليوم، يشهد العالم سباقاً جديداً، ليس نحو الفضاء هذه المرة، بل نحو السيطرة على الذكاء الاصطناعي، ومع ظهور الذكاء الاصطناعي الصيني المتطور، خاصةً بعد الكشف عن نموذج ديب سيك DeepSeek، تواجه الولايات المتحدة ما يمكن اعتباره «لحظة سبوتنيك جديدة»، فهل تتمكن واشنطن من استعادة لحظة أبولو كما فعلت مع الفضاء من قبل؟

لحظة سبوتنيك الجديدة.. تفوق الذكاء الاصطناعي الصيني

في 2023، ظهر نموذج الذكاء الاصطناعي الصيني DeepSeek، وهو نموذج منافس لنماذج مثل ChatGPT وGemini؛ ما أثار قلق الولايات المتحدة من تفوق الصين في مجال الذكاء الاصطناعي، هذا التفوق لم يكن وليد اللحظة، بل جاء نتيجة لاستثمارات ضخمة من قِبل الحكومة الصينية في البحث والتطوير؛ ما منحها الأفضلية في مجالات مثل التعلم العميق، ومعالجة البيانات الضخمة، والتطبيقات العملية للذكاء الاصطناعي.

أسباب التفوق الصيني

البيانات الضخمة كانت السلاح الأول للتفوق الصيني، فالصين تمتلك أكبر قاعدة بيانات في العالم؛ ما يمنح أنظمة الذكاء الاصطناعي قدرة غير مسبوقة على التعلم والتطور.

بجانب الدعم الحكومي الكبير، باستثمارات بمليارات الدولارات لدفع الأبحاث وتطوير أنظمة ذكاء اصطناعي محلية.

كما يرجع ذلك لوجود الشركات العملاقة مثل بايدو Baidu، وعلي بابا Alibaba، وتينسنت Tencent، والتي تضخ موارد هائلة في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي.

هل يمكن لأميركا قلب الموازين واستعادة لحظة أبولو؟

يرى إريك شميت، الرئيس التنفيذي السابق لغوغل، أن الصين تسير بسرعة فائقة، لكن أميركا لا تزال تمتلك الابتكار والقدرة على اللحاق بها.

أما الملياردير الأميركي وأغنى رجل في العالم إيلون ماسك (أحد رجال الحكومة الأميركية حالياً) فيرى أن الذكاء الاصطناعي قد يكون أكثر خطورة من الأسلحة النووية إذا لم يتم التعامل معه بحذر.

ومن جانبه يقول كاي-فو لي، الرئيس السابق لغوغل الصين، أن «الصين لديها أفضلية البيانات، لكن الولايات المتحدة لا تزال رائدة في تطوير النماذج الأكثر تقدماً».

وكما حدث في سباق الفضاء، تجد الولايات المتحدة نفسها اليوم أمام تحدٍ استراتيجي لاستعادة ريادتها في الذكاء الاصطناعي، وللقيام بذلك، تحتاج إلى تكرار نموذج لحظة أبولو، فهل تفلح الاستراتيجيات الأميركية في ذلك؟

ولريادتها في مجال الذكاء الاصطناعي، سعت واشنطن إلى ذلك منذ فترة من خلال عدة استراتيجيات أهمها: الاستثمار في البحث والتطوير، بدعم الشركات الناشئة؛ إذ خصصت إدارة بايدن مئات المليارات لدعم شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة.

كما تستهدف واشنطن تمويل الأبحاث الجامعية في جامعات مثل MIT ،Stanford، وBerkeley لتطوير نماذج أكثر تقدماً.

وتتبع واشنطن الآن استراتيجية السيطرة على التكنولوجيا الحيوية، بفرض قيود التصدير، حيث فرضت قيوداً على تصدير الرقائق المتقدمة مثل رقائق NVIDIA إلى الصين.

وتعمل الولايات المتحدة على تشجيع الابتكار المحلي، بتشجيع شركات أشباه الموصلات الأميركية مثل Intel وAMD لتعزيز الابتكار.

كما دعمت الشراكة بين القطاعين العام والخاص، حيث يتم تعزيز التعاون بين الحكومة والشركات الرائدة مثل OpenAI، Google، وMicrosoft، مع تقديم حوافز لتطوير ذكاء اصطناعي آمن وأخلاقي ينافس النماذج الصينية.

وأبدى خبراء في مجال التكنولوجيا قلقهم من التقدم السريع لشركة DeepSeek، وعلى سبيل المثال، خلال مكالمات الأرباح الأخيرة، تلقى رؤساء تنفيذيون لشركات مثل Alphabet وAMD وPalantir وAmazon أسئلة متعددة حول نماذج DeepSeek الفعّالة من حيث التكلفة.

وأعرب بعض التنفيذيين عن مخاوفهم بشأن ممارسات تطوير DeepSeek وإمكانية تشكيله تهديداً تنافسياً، فقد شدد شايام سانكار، المدير التقني لشركة Palantir، على سباق الذكاء الاصطناعي مع الصين، بينما أقرّ سوندار بيتشاي من غوغل ومارك زوكربيرغ من Meta بـDeepSeek كمنافس جديد.

وفي الوقت نفسه، اقترح نواب في مجلس النواب الأميركي حظر تطبيق الذكاء الاصطناعي DeepSeek على الأجهزة الحكومية، مشيرين إلى مخاوف أمنية تتعلق بإمكانية استغلال الحزب الشيوعي الصيني للتطبيق في المراقبة ونشر المعلومات المضللة.

هل يتكرر السيناريو؟

كما استجابت الولايات المتحدة لسبوتنيك من خلال برنامج أبولو، يبدو أنها تستعد لرد قوي على التفوق الصيني في الذكاء الاصطناعي، ومع الاستثمارات الضخمة في هذا المجال، قد نشهد «لحظة أبولو جديدة» تعيد لأميركا الصدارة التكنولوجية.

لكن يبقى السؤال:

هل ستتمكن واشنطن من تكرار نجاحها السابق، أم أن الصين ستفرض نفسها كقوة عظمى جديدة في عالم الذكاء الاصطناعي؟