فرصة ذهبية أمام اقتصادات منطقة الخليج لقيادة قطاع التكنولوجيا العالمي، هذا ما كشف عنه أحدث تقارير «Strategy&»، التابعة لشركة «برايس ووتر هاوس كوبرز» (PwC)، والذي تفحّص الأسباب المواتية لتمكين دول الخليج من تحقيق مكانة ريادية في عالم التكنولوجيا خلال السنوات القليلة المقبلة، كما بحث في التحديات التي تواجه قدرتها على تحقيق ذلك.

تسعى اقتصادات الخليج لتنويع مصادر تمويلها وتعزيز اقتصاداتها الرقمية ما ينطوي على فرصة لجذب استثمارات التكنولوجيا العالمية، في وقت تعاني فيه شركات التكنولوجيا الغربية عدة تحديات، أبرزها موجة تسريحات غير مسبوقة.

قطاع التكنولوجيا الخليجي

في يونيو حزيران 2022، أطلقت حكومة الإمارات مبادرة «الجيل التالي من الاستثمارات الأجنبية العالمية» (NextGenFDI)، بهدف جذب استثمارات من 300 شركة رقمية في شتى القطاعات، من المتوقع أن تدعم الاقتصاد المحلي بما لا يقل عن 500 مليون دولار.

وخلال مؤتمر «ليب» الذي استضافته العاصمة السعودية الرياض في فبراير شباط الماضي، أعلنت المملكة عن استقطابها استثمارات من عمالقة التكنولوجيا مثل «مايكروسوفت» و«أوراكل» بقيمة لا تقل عن تسعة مليارات دولار.

يستفيد قطاع التكنولوجيا الخليجي كذلك من الزيادة التاريخية في عدد وقيمة صفقات الاستحواذ والاندماج في المنطقة، إذ أظهر تقرير «إي واي» لعام 2022 ارتفاع قيمة الصفقات بنسبة 13 في المئة على مدار 2022، مع إبرام 754 صفقة، كان لقطاع التكنولوجيا نصيب الربع منها.

تشير هذه البيانات إلى فرص واعدة لتنمية القطاع في الخليج، غير أن تقرير «Strategy&» يذكر عدة تحديات لا تزال تمنع دول المنطقة من تحقيق النجاح الذي ترمي إليه.

تحديات أمام الريادة

بحسب «Strategy&»، فإن خطط دول الخليج لتصدّر مشهد التقنية العالمي تصطدم بعائقَين أساسيين؛ نقص في أصحاب المهارات الاستثنائية، وتحديات أخرى مرتبطة بالابتكار.

ويذكر التقرير تراجع مكانة دول المنطقة على قائمة الدول القادرة على جذب أفضل المهارات المهنية.

ويشير إلى دراسة صدرت عام 2022 عن شركة «Coursera»، كشفت عن فجوة في هذا الصدد، حيث تبلغ نسبة أصحاب مهارات التكنولوجيا وعلوم البيانات في سويسرا 97 في المئة، ثم اليابان بنسبة 91 في المئة، وألمانيا بنسبة 88 في المئة.

في المقابل، لم تتجاوز النسبة في الإمارات 35 في المئة، وجاءت الكويت في المرتبة العربية الثانية بواقع 25 في المئة، وقطر في المرتبة الثالثة بنسبة 16 في المئة، في حين حلت السعودية رابعة بنسبة 15 في المئة.

وبغية تجاوز هذه العقبة، يقترح التقرير أن تبدأ شركات التكنولوجيا الخليجية بتقديم عروض مغرية للعاملين في هذا القطاع، لا سيما بناء هياكل إدارية تنافسية وتقديم مجموعة حوافز متنوعة وطويلة الأمد للموظفين، إضافة إلى شمول العاملين في حصص من الاستثمارات المالية للشركة، وتقديم جوائز مالية مرتبطة بالأداء وبقدرة الفرق العاملة على تحقيق أهداف الشركات المالية البارزة.

كذلك يشجّع التقرير شركات التكنولوجيا الخليجية على اتباع أنظمة عمل هجين، من شأنها رفد المنطقة بأفضل المهارات من شتى أنحاء العالم بعقود طويلة الأمد.

وبحسب إحصائية اتجاهات العمل التي أجرتها شركة «مايكروسوفت» عام 2022، يبدي 53 في المئة من الموظفين حول العالم اهتماماً بالتحول لأنظمة العمل الهجينة.

ووفق دراسة أجرتها شركة «غالوب» في الولايات المتحدة العام الماضي، حقق 80 في المئة من العاملين عن بُعد نتائج إيجابية بشكل جزئي أو كلي.

وفي تقرير لـ«سيسكو»، عبّر 80 في المئة من العاملين في الإمارات عن رغبتهم في العمل عن بُعد جزئياً لما لمسوه من نتائج إيجابية على الصحة العامة وتحقيق التوازن بين الحياة العملية والشخصية.

كذلك ينصح تقرير «Strategy&» قطاع التكنولوجيا الخليجي بإعطاء فرص التطور الوظيفي أولوية لضمان الحفاظ على أفضل المهارات في صفوف شركاتها، حيث كشفت دراسة أجرتها «آي بي إم» عام 2021 عن كون التطوير الوظيفي على سُلّم أولويات العاملين بنسبة 43 في المئة، مقارنة بالتعويض المالي والحوافز التي جاءت في المرتبة الثانية بنسبة 41 في المئة.

يلقي التقرير كذلك الضوء على تحدٍّ آخر يواجه تقدم قطاع التكنولوجيا في الخليج نحو العالمية، يتمثل في ضعف الابتكار في القطاع التقني، ولحل هذه المشكلة يقترح الخبراء أن تركّز دول الخليج على مساندة شركات التكنولوجيا الداعمة للابتكار، والاهتمام بقوانين حماية حقوق الملكية الفكرية للمبدعين.

كذلك يشجّع التقرير على تأسيس مراكز ابتكار في المنطقة، لجذب الباحثين والمبدعين من حول العالم لدعم جهودهم في تطبيق مشاريعهم وتحويلها إلى منتجات وخدمات مبتكرة.

الفرصة سانحة

يرى الخبراء في «PwC» أن التوقيت مناسب لدول الخليج لتصبح في صدارة المشهد العالمي من حيث احتضان قطاع التكنولوجيا، بفضل السياسات الحكومية الداعمة للقطاع، والتغيرات القانونية التي تسهّل تأسيس شركات التقنية، إضافة إلى الدفعة القوية التي يقدّمها القطاع الخاص في بلدان الخليج.

أخيراً، يذكر التقرير أن الحالة الاقتصادية في الأسواق العالمية المهددة بالركود عادةً ما تشكّل فرصة ذهبية لاستثمار مبالغ أقل في المشروعات الناشئة وتحقيق أرباح أكبر على المدى البعيد.