هل تصدق أن أكبر قوة اقتصادية في العالم تعاني نقصاً حاداً في الأدوية المهمة، ما يهدد حياة آلاف المرضى، خاصة مرضى السرطان.

فخلال جلسة استماع للجنة المالية بمجلس الشيوخ الأميركي، قال الدكتور جيسون ويستن، مدير أبحاث سرطان الغدد الليمفاوية في مركز (إم دي أندرسون) في هيوستن، إن نقص الأدوية البديلة المعروفة باسم (الجينيريك) يضعه هو ومرضاه في موقف صعب للغاية.

وحذَّر ويستن من أن «عدم توفر الأدوية الحيوية -مثل فلودارابين- يمكن أن يشكل حرفياً الفرق بين الحياة والموت».

وتحقق اللجنة في النقص القياسي في الأدوية في السوق الأميركي، وهي مشكلة مستمرة تعاني منها الولايات المتحدة منذ عقود.

الأدوية البديلة.. ما هي؟ وما أهميتها؟

عندما تخترع شركات الأدوية دواءً جديداً، فإنه يخضع لفترة حماية قانونية تصل إلى 17-20 سنة، يُسمح بعدها لشركات الأدوية الأخرى بتصنيع الدواء تحت أسماء تجارية مختلفة مع استخدام المادة الفعالة نفسها لكن بمكونات أقل تكلفة، ما يتيج طرحها في الأسواق بأسعار أقل، وهو ما يُطلق عليه الدواء (البديل) أو (المكافئ) أو (الجينيريك).

وبذلك، يمكن للمرضى الحصول على الدواء المطلوب بسعر مناسب، وازداد الطلب العالمي على هذا النوع من الأدوية بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة مع ارتفاع أعداد المصابين بالأمراض المزمنة حول العالم، فوفقاً لتقديرات منظمة الصحة العالمية، تتسبب الأمراض المزمنة في وفاة 41 مليون شخص سنوياً، أي ما يمثل 74 في المئة من إجمالي الوفيات العالمية.

وزاد حجم السوق العالمي للأدوية البديلة من 413 مليار دولار في عام 2022 إلى 433 مليار دولار في 2023، بينما يُتوقع ارتفاعه إلى 613 مليار دولار بحلول عام 2030، وفقاً لموقع الإحصائيات ستاتيستا.

نقص الأدوية يهدد حياة المرضى

تعاني الولايات المتحدة منذ فترة طويلة من نقص الأدوية البديلة التي تشكل تسعة من كل عشر وصفات طبية تُصرف في الولايات المتحدة، لذا فإن نقصها يؤثر بشكل مباشر على صحة المرضى في البلاد.

ويؤثر نقص الأدوية على ما لا يقل عن نصف مليون أميركي، ما يضعهم في خيار صعب بين اللجوء لبدائل أخرى أو التخلي عن العلاج بشكل كامل.

العديد من هذه الأدوية البديلة تعالج السرطان، من بينها فلودارابين، وهو دواء موثوق يستخدم كجزء من العلاج بالخلايا التائية، والذي يشهد نقصاً الآن، وفقاً لإدارة الغذاء والدواء الأميركية.

ويحذِّر الأطباء من أن العديد من مرضى السرطان ليس لديهم رفاهية الوقت لانتظار توافر الدواء، وقد يجبرهم ذلك في بعض الأحيان على اتخاذ قرارات مؤلمة، وفي هذا السياق قال ويستن «لقد اضطر زملائي إلى اتخاذ خيارات صعبة للغاية، بما في ذلك اختيار المرضى الذين سيتم منحهم الأولوية لتلقي العلاج».

على سبيل المثال، عندما شهدت الولايات المتحدة نقصاً حاداً في عام 2018 في عقار (إيتوبوسايد) المستخدم في علاج العديد من أنواع السرطان، اضطر الأطباء لاتخاذ «خيارات مؤلمة» بمنح الدواء المتاح للحالات ذات الأولوية، بحسب ما أورده أحد الأطباء لشبكة CNN.

وكان هذا الدواء متاحاً لأكثر من 40 عاماً بالسوق بسعر مناسب (نحو 50 دولاراً) لكنه شهد نقصاً حاداً في عام 2018، ما يثير التساؤل كيف لا يمكن لدولة بحجم الولايات المتحدة تصنيع وتوفير هذه الأدوية؟

معوقات تصنيع الأدوية البديلة

المشكلة الرئيسية أمام التوسع في تصنيع الأدوية البديلة هو أن هوامش ربحها ضئيلة مقارنةً بنظيرتها الأصلية، ما يقلل إقبال الشركات على تصنيعها.

فعدد الشركات التي تخرج من سوق تصنيع هذه الأدوية يتجاوز عدد الشركات التي تدخلها بما يزيد على 40 في المئة.

كما أن الأدوية البديلة في الولايات المتحدة تُصنع في دول أخرى مثل الصين والهند، ما يثير المخاوف بشأن المخاطر الجيوسياسية ومراقبة الجودة، ويشكل خطراً على الصحة العامة في حالة الإخفاق في إتاحة الأدوية للمرضى.

فوفقاً لاستطلاع نشره موقع ستاتيستا، لم تكن الولايات المتحدة ضمن قائمة الدول العشرين الأولى في معدل إتاحة الأدوية لمواطنيها، والتي تصدرتها أيرلندا، بينما حلت السعودية في المرتبة الثالثة على القائمة.

احتكار التجار

وأشار الخبراء إلى أن هناك مشكلة أخرى يتعين على الحكومة التغلب عليها، وهي السماح «لمجموعة صغيرة من الوسطاء» باحتكار سوق الأدوية البديلة.

وفي هذا السياق، قال السيناتور رون وايدن، النائب الديمقراطي عن ولاية أوريغون، إنه على الرغم من إمكانية جني الأموال من الأدوية البديلة، فإن الأرباح تذهب إلى هؤلاء الوسطاء (مثل تجار الجملة ومديري الصيدليات) وليس إلى الشركات المصنعة.

وأوضح أن ثلاثة فقط من كبار تجار الجملة في قطاع الأدوية يسيطرون على 90 في المئة من سوق الأدوية في البلاد.

وأشار إلى أن المصنعين يمنحون الوسطاء أسعاراً زهيدة مقابل الدولار، وبذلك لا يحققون أرباحاً كافية تغريهم بالعمل في السوق.