انتشرت أخبار خلال الشهر الماضي تفيد بأن شركات كبرى مثل وول مارت، وستاربكس، ودلتا، وشيفرون كانت تستخدم الذكاء الاصطناعي لمراقبة محادثات الموظفين، وضجت الإنترنت حينها بردود الفعل على هذه الأخبار، حيث أعرب الموظفون عن قلقهم بشأن فقدانهم الخصوصية.

ويقول الخبراء إنه على الرغم من حداثة أدوات الذكاء الاصطناعي، فإن مراقبة وقراءة وتتبع محادثات الموظفين ليست بالشيء الجديد، قد يكون الذكاء الاصطناعي أكثر كفاءة في ذلك -وقد تثير التكنولوجيا تحديات أخلاقية وقانونية جديدة، فضلاً عن المخاطرة بتنفير الموظفين- ولكن الحقيقة هي أن المحادثات في مكان العمل لم تكن خاصة على أي حال.

قال ديفيد جونسون، المحلل الرئيسي في معهد فورستر للأبحاث: «إن مراقبة محادثات الموظفين ليست بالأمر الجديد، ولكن التعقيد المتزايد للتحليل الذي يمكن تحقيقه مع التقدم المستمر في الذكاء الاصطناعي هو أمر جديد».

وأضاف: «ما يتطور أيضاً هو فهم الصناعة لكيفية تأثير هذا النوع من المراقبة على سلوك الموظفين وروح العمل في ظل ظروف مختلفة، إلى جانب السياسات والحدود للاستخدام المقبول داخل مكان العمل».

ووجدت دراسة حديثة قامت بها شركة تدعى كوالتريكس، التي تستخدم الذكاء الاصطناعي للمساعدة في تصفية استطلاعات مشاركة الموظفين، أن المديرين متفائلون بشأن برامج الذكاء الاصطناعي، بينما يشعر الموظفون بالقلق والتوتر، إذ وصف 46 في المئة من الموظفين استخدام هذه البرامج في مكان العمل بأنه «مخيف».

وعلى الرغم من وصفه لمستقبل يكون فيه الموظفون مراقبين بأدوات مدعومة بالذكاء الاصطناعي بأنه أمر «لا مفر منه»، قال جونسون: «يتم فقدان الثقة بسرعة واستعادتها بالتدريج؛ لذا فإن وجود الأخطاء في تطبيق التكنولوجيا في مرحلة مبكرة سيكون له آثار طويلة المدى على ثقة الموظفين مع مرور الوقت».

كيف يتم استخدام الذكاء الاصطناعي

إحدى الشركات التي تعمل على إدخال الذكاء الاصطناعي في البرامج الشائعة المتعلقة بالعمل، بما في ذلك سلاك، وزووم، ومايكروسوفت تيمز، ومنصة ميتا لمكان العمل، هي شركة ناشئة تبلغ من العمر سبع سنوات تُدعى أوير (Aware).

تعمل أوير مع شركات مثل ستاربكس وشيفرون ووول مارت وغيرها، وتقول الشركة الناشئة إن منتجها يهدف إلى الكشف عن كل شيء بدءاً من التنمر والتحرش إلى الهجمات السيبرانية والتداول الداخلي.

تبقى البيانات مجهولة إلى أن تعثر التكنولوجيا على حالات يُطلب تسليط الضوء عليها، تقول أوير، وإذا كانت هناك مشكلة؛ فسيتم الإبلاغ عنها إلى قسم الموارد البشرية أو تكنولوجيا المعلومات أو القسم القانوني للتحقيق فيها.

وقال متحدث باسم شيفرون لشبكة CNN، إن الشركة تستخدم أوير للمساعدة في مراقبة التعليقات والتفاعلات العامة على منصة مكان العمل الداخلية، حيث يمكن للموظفين نشر التحديثات والتعليقات.

كما قال متحدث باسم ستاربكس إن الشركة تستخدم التكنولوجيا لتحسين تجربة موظفيها، بما في ذلك مراقبة منصاتها الاجتماعية الداخلية لمعرفة أحدث التوجهات، أو للحصول على التغذية الراجعة من موظفيها.

وصرحت وول مارت لشبكة CNN بأنها تستخدم البرنامج للحفاظ على سلامة مجتمعاتها الداخلية عبر الإنترنت من التهديدات أو أي سلوك غير مناسب بالإضافة إلى تتبع التوجهات بين الموظفين.

وقالت دلتا إنها تستخدم البرنامج لتنظيم منصة التواصل الاجتماعي الداخلية، والمراقبة الروتينية التوجهات ووجهات النظر، والاحتفاظ بالسجلات لأغراض قانونية.

ممّا لا شك بأنه توجد خدمات مراقبة أخرى، فعلى سبيل المثال تستخدم شركة أمن المعلومات بروف بوينت (Proofpoint) تكنولوجيا مماثلة للمساعدة في مراقبة المخاطر السيبرانية، مثل عمليات التصيد الاحتيالي الواردة أو إذا كان الموظف يقوم بتنزيل بيانات العمل الحساسة وإرسالها إلى حساب بريده الإلكتروني الشخصي. (تنويه: شركة وارنر براذرز ديسكوفري، الشركة الأم لشبكة CNN مشتركة في هذه الخدمة).

ومؤخراً، أطلقت شركة بروف بوينت، التي تستخدمها العديد من شركات فورتشن 100 (Fortune 100)، إمكانيات جديدة لتقييد استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، مثل تشات جي بي تي، على أنظمة الشركة إذا كان ذلك يتعارض مع سياسات الشركة، وهذا من شأنه أن يمنع الموظفين من عدم مشاركة بيانات الشركة الحساسة مع نموذج الذكاء الاصطناعي، والذي قد يظهر مرة أخرى في الردود المستقبلية.

ومع ذلك، فإن إدراج الذكاء الاصطناعي في مكان العمل يثير مخاوف الموظفين الذين قد يشعرون بأنهم تحت المراقبة.

قال ريس هايدن، كبير محللي شركة الأبحاث إيه بي آي (ABI Research)، إنه من الطبيعي أن يشعر بعض الموظفين بما يُعرف بـ«تأثير الأخ الأكبر»، أي الشعور بأنك مراقب، وأضاف: «قد يكون لهذا تأثير على الرغبة في إرسال الرسائل والتحدث بصراحة مع الزملاء عبر خدمات المراسلة الداخلية مثل مايكروسوفت تيمز».

وجه جديد لأسلوب قديم

استخدمت منصات وسائل التواصل الاجتماعي أساليب مماثلة منذ فترة طويلة، فعلى سبيل المثال تستخدم ميتا فرق الإشراف على المحتوى والتقنيات ذات الصلة لإدارة إساءة الاستخدام والسلوكيات على منصاتها. (تعرضت ميتا مؤخراً لانتقادات شديدة بسبب اتهامها بعدم الإشراف الكافي، وخاصة فيما يتعلق حول بالاعتداء الجنسي على الأطفال).

وفي الوقت نفسه، كانت تتم مراقبة سلوك الموظفين على أنظمة العمل منذ ظهور البريد الإلكتروني، وحتى عند استخدام الموظفين شبكات عمل غير آمنة، يمكن للشركات مراقبة نشاطاتهم من خلال المتصفحات (Browser). (تنويه: لا تعمل أوير إلّا على خدمات الاتصالات الخاصة بالشركة، وليس على المتصفحات).

«محاولة فهم أنماط الموظفين ليست مفهوماً جديداً»، قال هايدن، مشيراً إلى أن الشركات تتبع أموراً مثل أوقات تسجيل الدخول وحضور الاجتماعات.

ولكن ما يتغير في هذه العملية هو استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي الأكثر تقدماً مباشرة في تسيير عمل الموظفين، يمكن أن تسمح برامج الذكاء الاصطناعي للشركات بتحليل آلاف نقاط البيانات والكلمات الرئيسية بسرعة لتقديم رؤى حول الوجهات وما يناقشه الموظفون في الوقت الفعلي.

وقال هايدن إن الشركات قد ترغب في تتبع محادثات الموظفين ليس لاهتمامها بحياتهم الشخصية، بل لأن ذلك «سيساعد في الحصول على رؤى أكثر دقة وفي الوقت الفعلي حول الموظفين»، وأضاف أن هذا يمكن أن يساعد الشركات في تشكيل الرسائل الداخلية والسياسات والاستراتيجيات بشكل أفضل، استناداً إلى ما تتعلمه البرامج عن قوى العاملة لديها.

عامل الثقة

على الرغم من أن زيادة استخدام الذكاء الاصطناعي في مكان العمل قد تُعرض الشركة لتحديات قانونية وأخلاقية، فإن جونسون من شركة فورستر ريسيرتش يظن أن التحدي الأكبر هو اكتساب ثقة الموظفين على المدى القصير والطويل.

ببساطة، لا يريد الناس أن يشعروا أنهم مراقبون.

وقال إن المنظمات بحاجة إلى توخي الحذر بشأن كيفية احتضانها التكنولوجيا؛ إذا استخدمتها الشركة لتحديد مدى إنتاجية موظفيها، أو إذا كان الموظفون غير راضين، تليها إجراءات تأديبية أو إنهاء الخدمة، فقد تمر سنوات قبل أن يثق بهم موظفوها مرة أخرى.

وقال: «من المهم للغاية توخي الحذر والتعمد» في استخدام هذه التكنولوجيا.