رصد فيديو طائرة مسيّرة أوكرانية اصطدمت ببرج مغطى بالأنابيب في مصفاة النفط ريازان الروسية التابعة لشركة روزنيفت، التي تعتبر واحدة من أكبر مصافي روسيا، وذلك على بُعد أكثر من 500 كيلومتر من أوكرانيا.
كان هذا الهجوم الذي وقع في 13 مارس آذار، ضمن عدة هجمات استهدفت هذه المنشأة وحدها، كجزء من التنسيق الأوكراني لاستهداف مصافي النفط الروسية بطائرات مسيّرة بعيدة المدى.
تنال هذه الهجمات الأوكرانية الجريئة من صناعة النفط والغاز الروسية الضخمة، والتي ظلت أكبر مصدر للدخل لاقتصاد الحرب في موسكو، على الرغم من حظر الاستيراد الغربي والحد الأقصى للأسعار.
طائرات مسيّرة تستخدم الذكاء الاصطناعي
وقال مصدر مقرب من برنامج الطائرات المسيّرة الأوكراني لشبكة CNN إن الهجمات أصبحت ممكنة بفضل استخدام طائرات مسيّرة ذات مدى أطول وقدرات أكثر تقدماً، وقد بدأ بعضها بدمج الذكاء الاصطناعي في نظام تشغيلها لمساعدتها على التنقل وتجنب التشويش.
وأوضح المصدر أن هذه الطائرات المسيّرة تعمل على تعزيز الدقة من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي، إذ تملك كل طائرة جهاز حاسب آلي طرفي مزوداً ببيانات الأقمار الصناعية والتضاريس، ومع تحديد الرحلات الجوية، يمكن تتبع خطة الطيران بدقة بفضل أجهزة استشعار الطائرة المسيرة.
من جهته، قال محلل الأبحاث في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، نوح سيلفيا، إن الطائرات المسيّرة الأوكرانية تملك ما يُسمّى برؤية الآلة، وهو شكل من أشكال الذكاء الاصطناعي، موضحاً أنها تعمل عندما تأخذ نموذجاً وتضعه على شريحة، ثم تدرب هذا النموذج لتحديد الجغرافيا والهدف الذي يتنقل إليه.
بدوره، قال كريس لينكولن جونز، وهو ضابط عسكري بريطاني سابق وخبير في حرب الطائرات المسيّرة والذكاء الاصطناعي، لشبكة CNN، إن مستوى الذكاء يظل منخفضاً جداً.
وأضاف «لم نشهد هذا المستوى من الاستقلالية في الطائرات المسيّرة من قبل، لكننا ما زلنا في المراحل الأولى من إمكانات هذه التكنولوجيا».
تواصلت CNN مع مخابرات الدفاع الأوكرانية وجهاز الأمن الأوكراني، لكن لم يرغب أي منهما في التعليق على استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.
قدرة عالية على الاستهداف
لا يعتبر استخدام أوكرانيا للطائرات المسيّرة أمراً جديداً، إذ اعتمدت عليها بشكل كبير منذ بداية الغزو الروسي واسع النطاق في 22 فبراير شباط 2022، وحشدت الموارد لتطوير التكنولوجيا والتصنيع المحلي.
في البداية، كانت كييف تستخدم معدات جاهزة للاستخدام، إمّا للمراقبة وإما لإسقاط قنابل صغيرة، ثم حرصت على بناء صناعة كاملة للطائرات المسيّرة، ما منحها ميزة تكنولوجية، الأمر الذي يفسّر قدرتها على استهداف بعض الأماكن بعينها؛ فقد أوضح العديد من الخبراء لشبكة CNN أن أوكرانيا استهدفت وحدات التقطير حيث يُعالج النفط الخام ويحوّل إلى وقود أو مشتقات أخرى، بدلاً من استهداف مرافق تخزين الوقود.
حول هذا الأمر، يقول سيلفيا إن كييف تضرب أهدافاً تحتاج إلى التكنولوجيا الغربية، وهو الأمر الذي تعجز روسيا عن شرائه، وهذا النهج يمنح كييف الأفضلية.
وقالت هيليما كروفت، العضو المنتدب والرئيس العالمي لاستراتيجية السلع الأساسية في البنك الاستثماري (آر بي سي كابيتال ماركيتس) إن الطائرات المسيّرة التي تستعين بالذكاء الاصطناعي تعتبر تحولاً قوياً في الخطط الأوكرانية.
ويعتقد الخبراء أن هذه الهجمات يمكن أن يكون لها تأثير أكبر على الاقتصاد الروسي من العقوبات الحالية، وأوضحت كروفت أن صادرات الطاقة والنفط الخام والغاز الطبيعي والمنتجات المكررة هي التي أعطت روسيا شريان الحياة الاقتصادي.
وتقول أوكرانيا إن 12 في المئة من طاقة التكرير الروسية معطلة الآن، بينما تُقدّر وكالة رويترز أن النسبة تصل إلى 14 في المئة.
اعتراف روسي ومخاوف أميركا
واعترفت روسيا بتراجع بعض طاقتها التكريرية وحظرت مؤقتاً تصدير البنزين لتجنب زيادة أسعار الوقود المحلية.
تسببت الهجمات الأوكرانية على مصافي التكرير في ارتفاع أسعار النفط العالمية، مع ارتفاع خام برنت بنحو 13 في المئة هذا العام، ما أثار قلق السياسيين في الولايات المتحدة بشأن تأثيرها الاقتصادي المحتمل بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية.
وعلى الرغم من عدم ذكر أسعار الطاقة، فإن المسؤولين في واشنطن قالوا إنهم يعملون بنشاط على تثبيط أوكرانيا من ضرب هذه المصافي، وقال أحد المسؤولين لشبكة CNN «إننا لا نشجّع أو نمكّن من شن هجمات داخل روسيا».
وقالت كروفت إن العقوبات الأميركية والدولية المفروضة منذ بداية الحرب كانت مصممة لإبقاء الطاقة الروسية في الأسواق.
ويقول الخبراء إن القلق الأكبر يتمثل في عدم توقف أوكرانيا عند مصافي التكرير، فبعض أكبر موانئ النفط في روسيا، المسؤولة عن نحو ثلثي صادراتها من النفط الخام والمنتجات النفطية، وفقاً لما أورده آر بي سي كابيتال ماركيتس، تقع في نطاق الطائرات المسيرة الأوكرانية.
ومنذ الأشهر الأولى للحرب الروسية في 2022، تضاعف عدد الشركات الأوكرانية المُصنّعة للطائرات المسيّرة إلى مئتي شركة، بحسب السلطات الأوكرانية.
وتعتزم أوكرانيا مواصلة تعزيز صناعتها الدفاعية، في خطوة تبدو ضرورية في ظل النقص في المساعدات الغربية، وتحديداً فيما يخص تصنيع الطائرات المسيرة، إذ تعتبر الأقل كلفة بين الصناعات الحربية الحديثة، وفقاً لوكالة الأنباء الفرنسية.
وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي يدرك ما يمكن لهذا السلاح أن يوفّره لجيشه، حدد هدفاً يتمثل في إنتاج مليون طائرة مسيّرة في 2024.
(فاسكو كوتوفيو وكلير سيباستيان وأليغرا غودوين – CNN)