تعد أعمال الشغب الواسعة النطاق المناهضة للمهاجرين التي شهدتها المملكة المتحدة خلال الأسبوع الماضي، والادعاءات الزائفة التي انتشرت على نطاق واسع وأدت إلى تأجيجها، أوضح مثال حتى الآن على الكيفية التي يمكن أن تؤدي بها المعلومات المضللة غير المُنضبطة على وسائل التواصل الاجتماعي إلى العنف والأذى في العالم الحقيقي.
حتى بعد تحديد السلطات مشتبهاً به من الجنسية البريطانية وراء سلسلة من الهجمات المميتة التي استهدفت الأطفال، استمرت الادعاءات الزائفة حول اسم المهاجم وأصوله، في تأجيج الحماس المناهض للمهاجرين ودفع المظاهرات اليمينية المتطرفة.
وقد انتشرت هذه الادعاءات الزائفة على نطاق واسع، خاصة على منصة «إكس» (تويتر سابقاً)، وفقاً للباحثين في مجال التطرف. وقد ألقت الشرطة باللوم علناً على تلك المعلومات المضللة في العنف الذي اجتاح البلاد في الأيام الأخيرة، حيث قام مثيرو الشغب بإلقاء الطوب على المساجد، وإشعال النيران في السيارات، وترديد شعارات مناهضة للإسلام أثناء الاشتباكات مع الضباط الذين يرتدون معدات مكافحة الشغب.
الأحداث التي وقعت في الأسبوع الماضي ليست سوى مثال واحد على العلاقة بين المعلومات المضللة عبر الإنترنت والعنف المدفوع بدوافع سياسية، من إبادة الروهينجا إلى الهجوم على مبنى الكابيتول الأميركي في 6 يناير 2021، كانت الادعاءات الكاذبة والمضللة دائماً في قلب الحوادث البارزة للاضطرابات السياسية والعنف.
إنه نمط يتكرر باستمرار رغم الدعوات المستمرة من الحكومات وجماعات المجتمع المدني للمنصات الاجتماعية لكبح المنشورات التحريضية والكراهية، وكذلك الوعود التي قدمتها الشركات نفسها لبذل المزيد.
ومع ذلك، فإن التراجع الأخير عن مراقبة المحتوى من قبل بعض المنصات الكبرى يشير إلى أن مشكلة العنف المدفوع بالمعلومات المضللة قد تزداد سوءاً قبل أن تتحسن.
على مدار ما يقرب من عقد من الزمان، جادلت الحكومات والجماعات الحقوقية بشكل متزايد بأن المنصات عبر الإنترنت قد خلقت تكاليف اجتماعية هائلة.
وقد اتهم منتقدو وسائل التواصل الاجتماعي الصناعةَ مراراً بوضع الأرباح التجارية قبل صحة المستخدمين النفسية، أو فتح الباب للتدخل الأجنبي، دون بذل الجهد الكافي لحماية العالم من تلك المخاطر.
هذا الأسبوع، من الصعب تجنب التساؤل عما إذا كان العنف المدفوع بدوافع سياسية بناءً على تكهنات سيئة النية وخالية من الأدلة قد أصبح جزءاً دائماً من الآثار الجانبية المتعددة لوسائل التواصل الاجتماعي، وهل يُطلب منا القبول به كشرط للعيش في عالم متصل رقمياً.
استثمرت العديد من شركات وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير في مراقبة المحتوى على مر السنين، لكن السجل الأخير للصناعة يشير إلى رهان –أو ربما أمل– في أن الجمهور سيتسامح مع قليل من التلوث.
هناك بعض العلامات على ردود الفعل العكسية. في الاتحاد الأوروبي، يسعى المسؤولون إلى محاسبة شركات التواصل الاجتماعي على نشر المعلومات المضللة بموجب قانون الخدمات الرقمية الجديد. وفي المملكة المتحدة، قد يدخل قانون الأمان عبر الإنترنت حيز التنفيذ في أقرب وقت هذا العام، والذي يتطلب، من بين أمور أخرى، إزالة المحتوى غير القانوني من المنصات الاجتماعية.
وقد يتم وضع قواعد أكثر صرامة نتيجة لأعمال الشغب. وقال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في مقطع فيديو وزع على وسائل الإعلام يوم الجمعة: «سيتعين علينا النظر بشكل أوسع في وسائل التواصل الاجتماعي بعد هذه الاضطرابات».
تأخرت الولايات المتحدة في تنظيم المنصات، ويرجع ذلك جزئياً إلى خلل الكونغرس وجزئياً بسبب الفروق القانونية والدستورية التي تمنح المنصات عبر الإنترنت حرية أكبر في إدارة مواقعها.
ومع ذلك، اتخذ المشرعون بعض الخطوات الشهر الماضي عندما أقر مجلس الشيوخ الأميركي قانون سلامة الأطفال على الإنترنت، الذي يهدف إلى مكافحة الأضرار النفسية المرتبطة بوسائل التواصل الاجتماعي للشباب.
قد يكون من المغري رفض دور وسائل التواصل الاجتماعي في أعمال الشغب في المملكة المتحدة باعتباره مجرد انعكاس للاتجاهات السياسية الكامنة أو نتيجة لنشاط كان سيحدث على منصات أخرى على أي حال.
لكن هذا يغفل عن الحسابات التي يبدو أن بعض المنصات قد اتخذتها: في بعض الأحيان، قد يكون بعض العنف المدفوع بالمعلومات المضللة تكلفة معقولة يتعين على المجتمع تحملها.
(بريان فونج CNN)