هل تعلم أنه في القريب العاجل، سيكون من الممكن أن يعود للكفيف بصره، وللمشلول قدرته على الحركة من دون أي جراحة طبية أو أدوية؟ بل وسيتمكن الأشخاص من معالجة الاكتئاب وتحسين مزاجهم من دون الحاجة للجوء للأدوية التقليدية.

هذه ليست تنبؤاتنا الشخصية، بل هي تصريحات رسمية للملياردير الأميركي إيلون ماسك، مالك شركة «نيورالينك»، ورائد الأعمال ميرون غريبيتز، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة «إينر كوسموس» (Inner Cosmos).

ففي ديسمبر كانون الأول من العام الماضي، كشف ماسك عن أحدث منتجات «نيورالينك»، ألا وهي شريحة ذكية بحجم العملة المعدنية تُزرع في أدمغة البشر، وتسمح لمستخدميها بالتحكم في الأجهزة الإلكترونية المعقدة، بالإضافة إلى قدرتها على إعادة البصر لفاقده، وإعادة الوظيفة الحركية لمصابي الشلل.

أمّا غريبيتز، فكشفت شركته مؤخراً عن منتجها «الحبة الرقمية» (Digital Pill)، التي تأتي على شكل شريحة إلكترونية دائرية الشكل تُزرع تحت فروة الرأس ويتم ربطها بالدماغ لتعمل على تحسين مزاج مستخدمها ومعالجة الاكتئاب.

كيف تعمل هذه الشرائح؟

يحتوي جهاز «نيورالنك» على شريحة تعالج وتنقل الإشارات العصبية التي يمكن أن تنتقل إلى أجهزة مثل الكمبيوتر أو الهاتف، وبالتالي تجعل الإنسان قادراً على التحكم بالأجهزة من خلال أفكاره. تعتقد الشركة أيضًا أن جهازها سيكون قادرًا في النهاية على استعادة النشاط العصبي داخل الجسم، مما سيسمح لمن يعانون من إصابات في النخاع الشوكي بتحريك الأطراف. كما تطمح الشركة التي يقع مقرها في سان فرانسيسكو وأوستن في الولايات المتحدة إلى علاج الحالات العصبية مثل مرض الزهايمر والخرف.

أمّا شريحة تحسين المزاج ومعالجة الاكتئاب من «إينر كوسموس»، فهي شريحة صغيرة تحتوي على جزأين: قطب كهربائي يوضع تحت جلد فروة الرأس و«جراب الوصفات الطبية» الذي يستقر على شعر المستخدمين لتشغيل الجهاز. توضع هذه «الحبة الرقمية» تحت الجلد ويتم ربطها بالدماغ وبهاتف ذكي لتوفير المعلومات ومتابعة الحالة الصحية، وترسل الشريحة نبضات كهربائية إلى منطقة الدماغ المصابة بالاكتئاب، مرة واحدة يومياً لمدة 15 دقيقة.

هل تمثل هذه الشرائح خطراً على أرباح شركات الأدوية؟

كون هذه الشرائح الذكية حالياً في مراحل التطوير وما قبل التجارب البشرية، فيمكن القول إنها لا تعتبر منافساً لعمالقة شركات الأدوية مثل «فايزر» (Pfizer) المصنعة للدواء المضاد للقلق واضطرابات الخوف، والرهاب، ونوبات الفزع، «زاناكس» (Xanax)، وشركة «بايوجين» (Biogen) المصنعة للدواء المثير للجدل الذي من شأنه الحد من أعراض مرض الزهايمر، «أدوهلم» (Aduhelm).

ولكن إذا فرضنا أن هذه الشرائح تم ترخيصها وتسوقيها في المستقبل القريب بعد أن تنجح في تجاربها البشرية، فهل من الممكن أن تصبح منافساً جديداً لهذه الشركات؟

للإجابة على ذلك، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار حجم السوق ونسبة نموه، نسبة الطلب مقابل العرض وما هي التحديات التي تواجهه.

بالنسبة إلى السوق العالمية لعقاقير مضادات الاكتئاب، وفقاً للتقرير الصادر عن شركة أبحاث السوق الرائدة «فورتشن بيزنس إنسايتس» (Business Fortune Insights)، بلغت قيمته 11.67 مليار دولار أميركي في عام 2019 ومن المتوقع أن تصل إلى 18.29 مليار دولار أميركي في عام 2027. وفي عام 2020، أدى الارتفاع الهائل في الطلب على أدوية الاكتئاب وما تبعه من زيادة في المبيعات إلى تمكين السوق من الوصول إلى معدل نمو سنوي مركب بنسبة 28 في المئة لتصل قيمته إلى 14.93 مليار دولار أميركي.

كما ذكر التقرير أن الارتفاع المفاجئ في انتشار اضطرابات الخوف والميول الاكتئابية في العالم في الآونة الأخيرة أدى إلى نقص كبير في مضادات الاكتئاب الأساسية في جميع أنحاء العالم. في كندا، على سبيل المثال، نفد مخزون عقار شركة «فايزر» المضاد للاكتئاب، «نارديل»، في يونيو حزيران 2020. كما كشفت إدارة الأغذية والعقاقير الأميركية (FDA) خلال نفس الفترة عن محدودية توفر عقار «زولوفت» المضاد للاكتئاب متأثراً بتعطيل سلاسل التوريد الصيدلانية بسبب جائحة كورونا.

أمّا بالنسبة للأدوية التي من المفترض أن تحد من أعراض مرض الزهايمر والخرف، فتلك غير متوفرة بشكل كبير والمنافسة السوقية عليها متواضعة مقارنة بأدوية أخرى، كما أن باهظة الثمن. على سبيل المثال، قد يصل سعر عقار شركة «بايوجين»، «أدجوهلم»، إلى 28200 دولار أميركي سنوياً للمرضى الذين يتلقون علاجهم بدون تغطية تأمينية.

يمكننا الاستنتاج من البيانات والأرقام التي أمامنا بأن سوق الأدوية المذكورة أعلاه سيستمر بالنمو، وبأن نسبة الطلب على هذه العقاقير ستحافظ على وتيرة تصاعدها. وبالتالي، إذا نجحت هذه الشرائح الذكية بدخول السوق ستعتبر منافساً جديداً لشركات الأدوية التي لم تكن تتخيل بأن تنافسها شريحة إلكترونية على الأرباح.

ولكن في عصرنا اليوم، أصبح توفر هذا الابتكارات حاجة وليست رفاهية. ويرى بيتر بيتس، رئيس مركز الطب في هيئة «المصلحة العامة الأميركية»، بأن «الرقائق الدقيقة الذكية القابلة للزرع في البشر مثالاً ممتازًا على التكامل المستمر للتقنيات الطبية»، كما يعتقد بيتس بأن هذه الشرائح ستعمل على «تحسين نتائج المرضى وخفض التكاليف».