كتب: براين فنج (CNN)
خلال الخمسة عشر عاماً الماضية، ظهر غوغل مدعوماً بقوة محركه البحثي والإعلانات الرقمية، إلا أن الوضع يختلف الآن، إذ يبدو كلاهما أضعف من ذي قبل.
اتهمت وزارة العدل الأميركية، هذا الأسبوع، غوغل باحتكار نشاط الإعلانات عبر الإنترنت، ودعت إلى تفكيك جزء منها، جاءت هذه القضية بعد عامَين من دعوى إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب ضد هيمنة عملاق التكنولوجيا غوغل على عمليات البحث.
قالت غوغل إن وزارة العدل «تبني دعواها على حجة مغلوطة»، وإن هذه الدعوى «هي محاولة لاختيار الفائزين والخاسرين في مجال الإعلان التكنولوجي شديد التنافسية»، وإذا ما نجحت مثل تلك المحاولات، فقد ينتهي نموذج العمل الذي جعل غوغل أقوى شركة للإعلانات عبر الإنترنت.
في نفس السياق، طلبت حكومة الولايات المتحدة من محكمة اتحادية إلغاء عمليتَي استحواذ، يُزعم أنهما ساعدتا في ترسيخ احتكار غوغل للإعلانات، وفقاً للحكومة الأميركية فإن تفكيك منظومة الإعلانات التي تتحكم فيها شركة غوغل سيعيد المنافسة ويجعل من الصعب عليها جني أرباح احتكارية.
لكن على الرغم من تأثير تلك الدعاوى على أرباح غوغل، قد يأخذ الأمر أعواماً لينقضي أمر غوغل تماماً، وخلال هذه الفترة تواجه الشركة اختبارَين مصيريَين قد يعجّلا من النهاية، وهما زيادة الذكاء الاصطناعي التوليدي، والانكماش السريع لحصة غوغل السوقية من الإعلان عبر الإنترنت.
قبل دعوى وزارة العدل بأيام، أعلنت شركة غوغل خططاً لتسريح 12 ألف موظف بسبب التباطؤ الشديد في معدلات نمو أرباحها من ناحية، كما تسعى نحو التركيز بشكل جزئي على مجال الذكاء الاصطناعي من ناحية أخرى.
لفترة طويلة كان غوغل أبرز محركات البحث الإلكتروني، حتى إن لفظ غوغل أصبح في اللغة الدارجة يعني «ابحث عن طريق الإنترنت!»، لكنه الآن يواجه خطراً جديداً بعد أن طرحت شركة «أوبن إيه آي»، المتخصصة في أبحاث الذكاء الاصطناعي، روبوت دردشة يدعى «تشات جي بي تي»، أواخر العام الماضي.
استعرض مستخدمو «تشات جي بي تي» قدرات الأداة الجديدة في تأليف الأشعار، وكتابة المذكرات القانونية، وأكواد البرمجة، وشرح الأفكار المعقدة، وتم تغذية التطبيق بكمية مهولة من البيانات عبر الإنترنت، لا يستطيع «تشات جي بي تي» الإجابة على الأسئلة البسيطة فقط، بل يستطيع كذلك الإجابة التفصيلية على الأسئلة المفتوحة، لكن هذا لا يعني عدم وقوعه في بعض الأخطاء.
وعلى الرغم من أن التكنولوجيا المستخدمة في «تشات جي بي تي» بدأت منذ فترة، فإن إتاحتها للجميع جعلت الملايين يدركون أخيراً مزايا استخدام الذكاء الاصطناعي، الذي كان بالنسبة لهم مجرد نظريات مجردة، ما تسبب في دعاية كبيرة لمجال الذكاء الاصطناعي، وحث إدارة غوغل على التنبه للخطر.
قال بول بوتشيت، أحد مؤسسي البريد الإلكتروني التابع لغوغل (جي ميل)، في تغريدة «قد تكون غوغل على بعد عام أو عامَين فقط من نهايتها، إذ سيقضي الذكاء الاصطناعي على صفحة نتائج محرك البحث التي يجنون منها معظم إيراداتهم، حتى إن لحقوا ركب الذكاء الاصطناعي فلن يحدث هذا من دون التخلي عن أقيم جزء من أعمالهم».
ومن المحتمل أن يقلل لجوء المستخدمين للذكاء الاصطناعي الإعلانات على محرك البحث غوغل، وهو الجزء الذي يقدر بـ149 مليار دولار من حجم الشركة، ومع ذلك فإن هناك من لديه شكوك في قدرة أدوات الذكاء الاصطناعي على تدمير غوغل.
أولاً يعمل غوغل على نطاق مختلف تماماً، في نوفمبر تشرين الثاني استقبل موقع غوغل 86 مليار متصفح، في حين استقبل «تشات جي بي تي» أقل من 300 مليون، حيث انطلق في نهاية الشهر، وفقاً لموقع تحليل بيانات المرور «سيميلار ويب». ثانياً إذا قدّم غوغل نتائج بحث محددة بخاصية الذكاء الاصطناعي وفقاً لطلبات مستخدميه يستطيع تحليلها لطرح إعلانات لهؤلاء المستخدمين كما يفعل اليوم.
يستثمر غوغل في الذكاء الاصطناعي شديد التعقيد، إذ أعلن مهندس من الشركة أن أحد برامج الدردشة التابعة لغوغل، ويسمى «لامدا»، قد أصبح «عاقلاً»، لكن الشركة قامت بتكذيب الأمر وتسريح المهندس لاحقاً.
وأكد المدير التنفيذي لغوغل، ساندر بيتشاي، للعاملين أنه على الرغم من أن الشركة تملك إمكانات مماثلة لتشات جي بي تي فإنها لم تلتزم بعد بإظهار نتائج بحث مدعومة بخاصية الذكاء الاصطناعي خوفاً من إمداد مستخدميها بمعلومات غير دقيقة، بما يتسبب في نتائج كارثية لغوغل على المدى البعيد.
بموقفها هذا ألقت الشركة الضوء على تأثيرها الكبير كأكثر محركات البحث يحظى بثقة المستخدمين على مستوى العالم، وعلى واحد من أهم مشاكل الذكاء الاصطناعي التوليدي، إذ تستحيل معرفة كيفية وصوله إلى نتائج البحث.
حدث كل هذا على خلفية ما يبدو أنه تراجع ممتد لعدة سنوات في حصة غوغل الإعلانية عبر الإنترنت، إذ ارتفعت حصة غوغل من الإعلانات الرقمية في عام 2017 إلى 34.7 في المئة من السوق الأميركية، والآن هي في طريقها لتحقيق نسبة 28.8 في المئة فقط هذا العام.
لكن شركة غوغل لا تعاني وحدها من التراجع، إذ أثرت عوامل مثل جائحة فيروس كورونا والحرب الروسية الأوكرانية والمخاوف من الركود الاقتصادي على الإعلان عبر الإنترنت بشكل عام، ويعاني المنافسون أيضاً من تلك العوامل بالإضافة إلى عوامل أخرى، فمثلاً تقع شركة ميتا عرضة لتغييرات نظامية قد تؤثر على أعمالها الإعلانية بسبب تحديثات سياسة الخصوصية لمستخدمي أبل التي تحد من مقدار المعلومات المتاحة للمسوقين.
لكن تراجع غوغل سببه ظهور منافسين جدد في السوق يجذبون المزيد من المعلنين الرقميين مثل أمازون وتيك توك وحتى أبل.
باختلاف الأسباب، يبدو أن نشاط الإعلانات في غوغل يواجه رياحاً معاكسة متزايدة، وقد يزيد كل من صحة التنبؤات حول الذكاء الاصطناعي التوليدي أو دعوى وزارة العدل من قوة هذه الرياح، ما يتسبب في ضعف قبضة غوغل على حصته السوقية في مجال الإعلانات الرقمية.