هل تجد صعوبة في متابعة الأخبار؟ هل تؤثر التغطية الإعلامية لأحداث معينة على صحتك النفسية؟ أو هل تصل بك متابعة الأخبار إلى حالة من عدم اليقين بشأن وضع العالم؟

كل هذه المشكلات هي محور نقاش خبراء الإعلام الدولي، ففي السنوات الأخيرة، كان هناك اتجاه ملحوظ يعرف باسم «تجنب الأخبار» حيث يتجنب الأفراد عمدًا استهلاك الأخبار، إما جزئيًا أو كليًا، فما هي أسباب تجنب الأخبار؟، وما هي استراتيجيات إدارة استهلاك الأخبار بطريقة صحية؟

الابتعاد عن الأخبار السلبية

يكشف استبيان تقرير معهد رويترز أن نحو أربعة من كل عشرة أفراد (39%) تجنبوا الأخبار المتعلقة بالحرب في أوكرانيا، تليها الأخبار المتعلقة بالسياسة الوطنية (38%)، والقضايا المتعلقة بالعدالة الاجتماعية (31%)، والأخبار المتعلقة بالجريمة (30%)، وأخبار المشاهير (28%)، وكان التجنب الانتقائي للأخبار المتعلقة بأوكرانيا هو الأعلى في العديد من البلدان الأقرب إلى الصراع.

وفي ندوة «مكافحة تجنب الأخبار بين الجمهور» بمؤتمر «رابطة الأخبار على الإنترنت» في فيلادلفيا بالولايات المتحدة، ناقش خبراء الإعلام هذه المشكلات في ظل زيادة نسب تجنب الجمهور للأخبار في السنة الأخيرة.

وقالت كيرستين إيدي، الباحثة بمعهد رويترز لدراسة الصحافة «على النقيض من جائحة فيروس كورونا، لم تؤدِ أزمة تكاليف المعيشة ولا حرب أوكرانيا المستمرة إلى ارتفاع مستمر في استهلاك الأخبار».

وتابعت أن أسباب تجنب الجمهور للأخبار بسبب عدم انجذابهم للأخبار السلبية التي تسبب لهم مزيداً من التعاسة، بل يوجد توجه لتجنب الأخبار السلبية والسعي لمتابعة الأخبار الإيجابية التي ربما تبعث على الأمل.

وأشارت كيرستين إلى تقرير معهد رويترز لعام 2023 الذي يكشف عن توجهات جديدة حول استهلاك الأخبار الرقمية في 46 دولة تغطي نصف سكان العالم، إذ رصد انخفاضاً في الاستهلاك الأسبوعي للأخبار عبر مصادر الأخبار المختلفة خلال العام الماضي، ويزيد هذا الانخفاض بين النساء والشباب، وغالباً ما يكون الانخفاض أكبر في البلدان التي تشهد مستويات مرتفعة من الاستقطاب السياسي.

المناقشات السياسية الحادة والصحة العقلية

في الولايات المتحدة، نجد أن المستهلكين أكثر عرضة لتجنب موضوعات مثل السياسة الوطنية والعدالة الاجتماعية.

وينبثق عدم اهتمام الجمهور بأوكرانيا من الرغبة في حماية الصحة العقلية والنفسية من أهوال الحرب، أو الرغبة في حجب وجهات النظر السياسية التي لا يريد الجمهور المُستقطَب نحو وجهة نظر معينة سماعها.

كذلك يتجنب الجمهور القصص التي تتكرر بشكل مفرط أو التي يشعر أنها تثير العاطفة وتستنزف الطاقة، إذ غالباً ما يتجنب الجمهور «استنزاف المشاعر» لصالح قصص أكثر بهجة وإيجابية.

طرق تجنب الجمهور للأخبار

قسّم تقرير معهد رويترز من شملهم البحث إلى مجموعتين، الأولى تضم الشباب وذوي المستويات المنخفضة من التعليم، وهم الأكثر ميلاً لتجنب الأخبار، وذلك عن طريق عدم مشاهدة الأخبار أو سماعها عبر وسائط مثل الراديو أو التلفزيون، أو تجنبها حين ظهورها على وسائل التواصل الاجتماعي.

أما المجموعة الثانية الأكبر سناً، فتميل إلى تجنب الأخبار من خلال اتخاذ إجراءات أكثر تحديداً، عن طريق إيقاف تشغيل إشعارات الهاتف، أو عدم قراءة الأخبار قبل النوم، أو عن طريق تجنب موضوعات إخبارية معينة (32 في المئة من المتجنبين) مثل الحرب في أوكرانيا أو أخبار السياسة الوطنية.

بناء الثقة

يقول الباحث الرئيسي لتقرير معهد رويترز، نيك نيومان، إن معالجة مشكلات ثقة الجمهور في الإعلام جزء من الحل، وذلك عن طريق عرض القصص المبنية على الأدلة، والابتعاد عن الأخبار المضللة، وتجنب الإثارة على حساب الدقة.

ومع ذلك، فإن «مستويات الاستقطاب» الحالية في وسائل الإعلام تعيق التقدم حتى مع أفضل الممارسات.

أخبار إيجابية وقصص ملهمة

تقول كيرستين إن الجمهور الآن ببساطة يحتاج إلى الأخبار الإيجابية والتقدم، وقصص النجاح الملهمة، وصحافة الحلول التي تشرح بطريقة نقدية وواضحة كيف يحاول الناس حل المشكلات المشتركة على نطاق واسع وتقديم الابتكارات لهذه المشكلات.

وكذلك الصحافة البناءة والتي تهدف إلى منح مستخدمي وسائل الإعلام صورة دقيقة للواقع موجهة نحو المستقبل وقائمة على الحقائق، وهذان النوعان من الصحافة يمنحان الناس فرصة الشعور بالأمل والتركيز على المستقبل.

الترفيه جزء من الحل

وهناك عدة طرق أخرى لإعادة جذب الجمهور مرة أخرى إلى الصحافة والإعلام كشفت عنها روبينا مادان، المدير الاستراتيجي بصحيفة نيويورك تايمز، أبرزها أن المهمة الأولى للإعلام هي خدمة الجمهور، فصحيفة نيويورك تايمز تقدم مجموعة من الخدمات الأخرى التي توفر للقارئ الترفيه بجانب الأخبار، مثل الاشتراك بنيويورك لألعاب الفيديو، وقسم آخر لوصفات الأكلات، ومراجعات لآلاف المنتجات للجمهور.

وتابعت أن كل هذه الخدمات توفر للجمهور متنفساً من الأخبار الدسمة، لكنها في الوقت ذاته توجه الجمهور وتعيده مرة أخرى إلى الأخبار.

وتضيف مادان أن النشرات الإخبارية الموجهة للجمهور عبر البريد الإلكتروني تجذبهم وتبني لديهم عادة متابعة الأخبار اليومية، مشيرة إلى أن نيويورك تايمز لديها نشرات إخبارية مختلفة بناء على تفضيلات القارئ، ولكل نشرة إخبارية قصة رئيسية، وغالباً ما تكون هذه القصص قصيرة لا تتعدى الخمس دقائق للقراءة، ما يعطي انطباعاً أن المؤسسة الإخبارية تحترم الجمهور.

الرد على أسئلة ومخاوف الجمهور

وسيلة أخرى لجذب انتباه الجمهور والتفاعل معهم هي الرد على تعليقاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، ويحدث ذلك بعدة طرق، فهناك أشخاص مسؤولون عن تلك المهمة، فضلاً عن الصحفي الذي كتب التقرير أو التحقيق، أو المتخصص الذي كتب مقال الرأس، ما يزيد شفافية المؤسسة لدى جمهورها، كذلك من الضروري ألّا يكون الرد على تعليقات الجمهور دفاعياً أو هجومياً عن المؤسسة الإخبارية.

كذلك وضع سياق ومعلومات خلفية حول الصحفيين أو الكتاب بالمؤسسة قد يعطي نوعاً من الثقة والشفافية، إذ يوضح ثقل وأهمية العاملين بالمؤسسة، وكذلك لماذا هذا الخبير أو المتخصص هو الأنسب للكتابة عن موضوع محدد.

وتقول أليسون ديكانوفيتش، المتخصصة في صحافة الخدمات ومساعد محرر في موقع كانساس سيتي ستار، إن إنتاج محتوى وعناوين إخبارية تجيب عن الأسئلة المهمة التي يبحث عنها القارئ يومياً قد يكون طريقة فعالة لجذب الجمهور والتفاعل معه، إلى جانب الصحافة والتقارير التفسيرية عن الموضوعات الآنية التي لها تأثير مباشر على الجمهور.

وأشارت أليسون إلى أن التقارير التي تتناول المخاوف الدائمة لدى القراء، وإدخال الصحافة الخدمية في محتوى المؤسسات، وإفادة القارئ بقدر الإمكان، هي استراتيجيات فعالة لجذب القراء وكسب ولائهم.

محتوى جاذب في وقت قصير

وأخيراً، تقول روبينا إن القصص الصحفية التي تحتوي على أهم الحقائق وتُقدم في وقت قصير، تعطي انطباعاً عن المؤسسة أنها تحترم عقلية القارئ ووقته، فعلى سبيل المثال تقدم صحفية نيويورك تايمز تحليلاً رئيسياً يومياً لأهم خبر لا يزيد على ثماني دقائق، كما تقدم أهم ثلاث قصص إخبارية في أقل من عشر دقائق قراءة.

وتشير كذلك إلى إنتاج محتوى في صيغة تتناسب مع مواقع التواصل الاجتماعي التي لقيت اهتماماً مؤخراً مثل تيك توك وإنستغرام، ومن هنا تتكون عادة يومية لدى القارئ هي استطلاع أحدث الأخبار على هذه المواقع بدلاً من شراء جريدة ورقية.

واختتمت أليسون حديثها بالقول إنه يجب على المؤسسات الصحفية أن تذهب حيث يوجد الجمهور، بمعنى أن توجه المؤسسات قصصها المختلفة -وخاصة البودكاست لأنه يجذب الكثير من المستمعين- على منصات التواصل الاجتماعي التي لقيت رواجاً السنوات الأخيرة.