مشروع توسيع المطار اللبناني، مطار الركاب الوحيد في البلاد، كان بإمكانه أن يجلب استثمارات للقطاع الخاص بملايين الدولارات إضافة إلى استيعاب 3.5 مليون مسافر سنوياً.
وفي حين تحتاج البلاد إلى هذا المشروع في خضم الأزمة الاقتصادية الراهنة، فقد تقرر، وبعد الضجّة الإعلامية والتساؤلات الكثيرة حول هذا المشروع، إلغاؤه بطريقة مفاجئة نهار الخميس من قِبل وزير الأشغال العامة والنقل، علي حمية، إثر جدل قانوني.
فما الذي حدث؟
أبرمت وزارة الأشغال مع الشركة اللبنانية للنقل الجوي (LAT)، العاملة في مطار بيروت منذ عقود، اتفاقاً لافتتاح محطة ثانية في مطار رفيق الحريري الدولي.
نص الاتفاق على أن الشركة اللبنانية للنقل ستموّل كامل مقوّمات المشروع بقيمة 122 مليون دولار، على أن تتولى شركة «دآ إنترناشونال» المملوكة من حكومة أيرلندا، تشغيل المبنى الجديد لمدة 25 عاماً.
وعند الإعلان عن المشروع، بدأ الجدل الإعلامي والقانوني لأن الوزير حمية لم يطرح بمناقصة مع مختلف الشركات بشأن هذا المشروع واستند إلى قانون رسوم المطارات الذي يسمح بالتوصّل إلى اتفاق بالتراضي، وهو ما اعتبره البعض لا يتوافق مع قانون الشراء العام الصادر في 2021، كما شكّك البعض في صلاحية حكومة تصريف أعمال في البتّ بعقود بهذه الضخامة.
هذا الأمر، بحسب النائب ورئيس لجنة النقل في البرلمان اللبناني سجيع عطية لـ«CNN الاقتصادية»، لا يعزز مبدأ المنافسة والشفافية والرقابة المسبقة.
وقال المحامي شكري حداد لـ«CNN الاقتصادية» إن الدستور ينص على أنه لا يجوز منح أي التزام أو امتياز لاستغلال مورد من موارد ثروة البلاد الطبيعية أو مصلحة ذات منفعة عامة أو أي احتكار إلا بموجب قانون وإلى زمن محدود، وما قام به الوزير يعتبر مخالفة دستورية (عبر إرساء مصلحة عامة دون إقرار قانون) ومخالفة لقانون الشراء العام (عبر التغاضي عن استدراج العروض)، ما يعرّض الدولة اللبنانية لخسائر مالية قد تكون ضخمة.
ويرى حداد أن الوزير حرّف قانون رسوم المطارات الذي جاء لتسهيل أعمال يومية وإدارية في المطار وليس تمرير مثل هذه الصفقة، وأضاف حداد أن السير بقانون المطارات قد يهدر المال العام، مشيراً إلى أن تصريح حمية يعزز فكرة الفوضى وغياب الدولة في المؤسسات والإدارات العامة.
وقالت النائبة نجاة صليبا عون لـ«CNN الاقتصادية»، إن قانون الشراء العام الجديد يلغي قانون المطارات القديم الذي سُن للمرة الأولى قبل 80 عاماً، وكان يجب على الوزير حمية الاستناد إلى القانون الجديد.
كان حمية استبق اجتماعاً للجنة الأشغال العامة والنقل، كان مخصصاً للبحث في عقد توسيع المطار، معلنا إلغاء العقد. وقال «على الرغم من أهمية مشروع إنشاء المبنى الجديد للمسافرين، وعلى إثر الجدل القانوني الحاصل في البلد، وحسماً للاختلاف الحاصل في وجهات النظر، وبناء على طلب حزب الله الجهة التي أتشرّف بتمثيلها في الحكومة، أعلنها وبكل شجاعة بعدم السير بالعقد، واعتباره كأنه غير موجود».
وعقب تصريحات حمية، أوصت اللجنة بإلغاء العقد الموقّع بين وزير الأشغال العامة والشركة اللبنانية للنقل الجوي، والسير بقانون الشراء العام وليس قانون رسوم المطارات، ووقف أي نوع من هذه الأعمال أو التزامات قبل انتخاب رئيس للجمهورية وتأليف حكومة دائمة وتشكيل لجنة فرعية لدراسة واقع النقل الجوي للطيران المدني في لبنان مع اقتراح فك الحصرية لشركتي طيران الشرق الأوسط (MEA) وLAT لخلق أسعار تنافسية للنقل من وإلى لبنان، بحسب ما قاله عطية لـ«CNN الاقتصادية».
كما اعتبر أن الالتزام بقانون الشراء العام سيعزز جاذبية لبنان، نظراً لأنه يفتح الباب للمنافسة ويزيد ثقة المستثمر بالبلاد.
أما بالنسبة لاحتمالية تفعيل بند جزائي لفسخ الاتفاقية، فقد أكد الأخير أن لبنان لن يتحمل أي خسائر كون الاتفاقية لم تصل لمرحلة إعطاء الموافقة للمباشرة بالعمل.
واعتبرت صليبا عون بدورها أن قرار الوزير بالتراجع هو سابقة جديدة نتجت على خلفية الضغط الذي يشكّله النواب الجدد في البرلمان.
وبعد التواصل مع وزارة النقل الأيرلندية والشركة الأيرلندية التي كان من المفترض أن تتولى تشغيل المبنى الجديد لمدة 25 عاماً، أجمعت الجهتان لـ«CNN الاقتصادية» على أن مذكرة التفاهم التي وقّعتها الشركة لم تكن مع الحكومة اللبنانية مباشرة، بل مع شركة النقل الجوي اللبنانية «LAT» العاملة كمستشار فني للمشروع، ,التي كانت بدورها في علاقة مباشرة مع الحكومة.