قطع السفر شوطاً كبيراً من التطور عبر الزمان، بدايةً من القوافل البرية مروراً بالرحلات البحرية الشاقة، وصولاً إلى الثورة الصناعية والتحول إلى القطارات التي تعمل بالبخار، وسيستمر قطاع السفر والوسائل المستخدمة في التحول في السنوات القادمة.

نجد الآن تلك المفاهيم الغريبة التي نشعر وكأنها مأخوذة من روايات وأفلام الخيال العلمي تشق طريقها بسرعة إلى وسائل السفر السائدة، لتشكل خطوات جديدة في رحلة استكشاف العالم.

عاجلاً وليس آجلاً، يمكننا تسيير طائرات بدون طيار للركاب، أو الانطلاق نحو الفضاء الخارجي بواسطة صاروخ للدوران حول مدار الأرض والاستمتاع بالعالم من حافة الفضاء.

وانطلاقاً من كل هذه الأساليب الحديثة في قطاع السفر والرحلات التي تتضمن سيارات الأجرة بدون سائق، وطائرات بدون طيار، وبوابات المطارات الإلكترونية للتحقق من هوية المسافرين عن طريق المقاييس الحيوية، فضلاً عن وسائل الترجمة الفورية في الفنادق وغيرها من التقنيات الحديثة في عالم السفر، إليكم آخر التطورات في هذا القطاع الشيق…

نهاية طوابير المسافرين الطويلة في المطارات

البوابات الإلكترونية في المطارات للتحقق «البايومتري» تقلل من الطوابير الطويلة

على الرغم من أن تحديد الهوية بالمقاييس الحيوية (التحقق تلقائياً من هوية الشخص عن طريق بصمات الأصابع أو التعرف على الوجه أو مسح قزحية العين) مثير للجدل، فإنه سرعان ما أصبح التكنولوجيا المفضلة في المطارات في جميع أنحاء العالم.

نظراً لأنها طريقة أسرع وأكثر دقة لفحص الركاب، يمكن للقياسات الحيوية أن تقلل وقت التحقق من المسافرين في المطار، إذ سيُختصر كلٌّ من إجراءات تسجيل وصول الأمتعة، والوصول إلى الصالة، والصعود إلى الطائرة إلى نصف الوقت.

فعلى سبيل المثال، أدخل مطار دبي الدولي في عام 2018، أنفاق «البوابات الذكية البيومترية»، والتي تستخدم التعرف على الوجه للتحقق من هوية المسافرين في أقل من خمس ثوانٍ.

يبدو الأمر في غاية البساطة، فبعد النزول من الطائرة، يسير المسافرون في نفق، وينظرون إلى الضوء الأخضر، ثم يواصلون المطالبة بالأمتعة دون الانتظار في الطابور أو الحاجة إلى التفاعل مع مسؤول الهجرة.

وفي الوقت نفسه، يخطط الاتحاد الأوروبي لطرح نظام دخول وخروج آلي في عام 2024 يستخدم بصمات الأصابع وصور الوجه لتحديد المسافرين الأجانب وتبسيط عمليات التفتيش على الحدود.

وداعاً لفقد الأمتعة في المطارات

بطاقات التتبع الإلكترونية تساعد على تتبع الحقائب عند السفر وعدم فقدها

هل وصلت إلى بلدٍ أجنبيٍّ يوماً ما لتجد نفسك تقضي يومك الأول بحثاً عن أدوات النظافة الشخصية والملابس الأساسية بينما تأخذ أمتعتك منعطفاً غير متوقع؟ هذا هو كابوس فقدان الأمتعة خلال رحلة سفرك.

نظراً لملايين الحقائب التي يتم التعامل معها بشكل خاطئ كل عام حول العالم، فلا عجب في أن الناس يتطلعون إلى حلول ذكية ومبتكرة في التعامل مع صداع السفر الشائع هذا.

يتجه البعض إلى استخدام أجهزة تتبع ذكية مثل «سمارت تاغ» و«تايل بروس» و«إير تاغز»، التي يتم ربطها بمتعلقاتهم لتتبعها، ويختار آخرون حقائب متطورة مثل «سمارت تاغ» من العلامة التجارية «سامسارة»، والتي تتضمن «إير تاغ» أي بطاقة إلكترونية مدمجة تتصل مع تطبيق «فايند ماي فون» من «آبل» وتستخدم البلوتوث لتتبع موقع الحقيبة.

تتصدر خطوط (ألاسكا الجوية، ولوفتهانزا، والخطوط الجوية القطرية)، من بين آخرين، المشهد، بعد أن دخلت في شراكة مع شركة «باج تاج» الهولندية الرائدة في صناعة البطاقات الرقمية.

تتيح هذه المنتجات للمسافرين تسجيل وتفعيل بطاقة أمتعتهم من المنزل، ثم إسقاط الأمتعة في كشك الخدمة الذاتية في المطار وتتبعها عبر تطبيق إلكتروني.

وسائل الواقع المعزز

تكنولوجيا الواقع المعزز توفر تجربة سياحية تفاعلية

في رحلة مستقبلية إلى أوروبا، تخيل استكشاف معرض «أكاديميا غاليري» في فلورنسا ليقوم أحد تماثيل المتحف بدور المرشد السياحي لك أو الاستمتاع بلعبة البحث عن الكنز في شوارع باريس بواسطة تطبيقات الواقع المعزز الإلكترونية.

هذا الأمر لا يتطلب سوى هاتف جوال وإنترنت، يمكن للواقع المعزز (AR) أن يضيف مستوى آخر ومنظور جديد لتجارب السفر لدينا. وتسعى شركة «سبيكتراز برودكشن» جاهدة لجعل الوصول إلى العجائب الطبيعية والثقافية في العالم أسهل من خلال التكنولوجيا، وهي تجلب بالفعل مثل هذه التجارب إلى الواقع.

أصبح الواقع المعزز (AR) والواقع الافتراضي (VR) أكثر انتشاراً خلال جائحة كورونا عندما قدمت المتاحف والوجهات تجارب افتراضية تفاعلية للمسافرين المحتملين.

ظهور سيارات الأجرة الطائرة

الطائرات الكهربائية خفيفة الوزن تتيح تجربة أكثر استدامة

ربما تكون قد شاهدت مقاطع فيديو عبر الإنترنت لطائرات ركاب بدون طيار وeVTOL أي طائرة إقلاع وهبوط رأسية كهربائية لا تتطلب مدرجاً.

تميل هذه الطائرات المستقبلية إلى أن تكون كهربائية وخفيفة الوزن ومجهزة ببرنامج الطيار الآلي الذي يتيح للأشخاص العاديين القفز إلى مقعد الطيار والاستمتاع برحلة طيران، ولكن بعد جلسة تدريب ومحاكاة طيران بالطبع.

هذه هي الاستراتيجية في «ليفت إيركرافت»، التي تنص على أنه يمكن لأي شخص أن يطير بطائرته «هيكسا» البرمائية في الولايات المتحدة بدون رخصة طيار لأنها مؤهلة لتكون مركبة «خفيفة للغاية» بموجب اللوائح الفيدرالية. (ومع ذلك، اقترحت إدارة الطيران الفيدرالية مؤخراً قاعدة شاملة لتدريب واعتماد طياري الطائرات التي تعمل بالطاقة).

تقدم الطائرة العديد من احتياطات السلامة الآلية مثل نظام تجنب الاصطدام، وجهاز كمبيوتر طيران ثلاثي التكرار ومظلة باليستية للطائرة بأكملها، في حال المسار الصحيح لبدء تقديم الرحلات الجوية التجارية في عام 2023، تخطط الشركة للسماح للمسافرين بالتحليق بالطائرة في رحلات قصيرة ذات مناظر خلابة، نحو 8-15 دقيقة في كل مرة، خلال جولة ترويجية تشمل 25 مدينة في جميع أنحاء الولايات المتحدة.

الأوتوبيس الطائر للنقل الجماعي المستدام يحد من أضرار الانبعاثات

تسعى شركات أخرى، مثل «إيهانغ» في الصين، في مهمة لتخفيف الاختناقات المرورية بطائرات التاكسي الطائرة بدون طيار.

في الوقت نفسه، تخطط شركة «كيلينكونا» ومقرها نيويورك لتقديم رحلات على متن حافلاتها بدون طيار التي تعمل بالبطارية، والتي تتسع لـ40 راكباً كبديل صديق للبيئة للنقل الجماعي، وشركة أخرى بارزة هي «فولوكوبتر» التي في طريقها لجلب أسطول من سيارات الأجرة الجوية الكهربائية إلى سنغافورة وباريس في عام 2024.

التاكسي الروبوت

بينما تتجه بعض خدمات سيارات الأجرة إلى السحاب «سيارات الأجرة الطائرة»، سيبقى البعض الآخر ثابتاً على الأرض، ولكن مع بعض التطورات الجادة.

وفي هذا السياق، شهدت شركة «موشنل» ومقرها بوسطن، وهي مشروع مشترك بين شركة «هاينداي» وشركة «أبتيف» العالمية للتكنولوجيا، بعض النجاح المبكر، إذ يوفر مشروع «موشنل» للركاب العامين في لاس فيغاس، «روبوتاكس» آلياً مستقلاً (عبر تطبيقات ليفت و أوبر) يمكنه إنزال الركاب في وجهات شهيرة في لاس فيغاس ستريب.

لا يزال يوجد شخص بشري في التاكسي الروبوت الآلي في الوقت الحالي، ولكن من المتوقع أن تصبح السيارات بدون سائق بالكامل في وقت لاحق من هذا العام، حسبما قالت الشركة لشبكة CNN.

رحلات مستدامة بدون انبعاثات

يرتبط مستقبل السفر ارتباطاً وثيقاً بتغير المناخ، وهو واقع دفع منظمة الطيران المدني الدولي إلى الإعلان عن هدف طويل الأجل لتحقيق صافي انبعاثات كربونية صفرية بحلول عام 2050.

بفضل مزيج من التقنيات الناشئة التي تتراوح بين وقود الطيران المستدام، والمحركات التي تعمل بالهيدروجين، إلى الطائرات التي تعمل بالكهرباء بالكامل، فمن الممكن بالتأكيد الوصول إلى صفر انبعاثات بالرغم من تشكك البعض.

تقود شركة «إيفياشن إير كرافت»، ومقرها الولايات المتحدة، الطريق إذ تقدم نظرة مستقبلية بطرح طائرة «أليس» الأنيقة والكهربائية بالكامل.

من المقرر أن تدخل طائرة الركاب ذات التسعة مقاعد الخدمة في عام 2027، وتهدف إلى تقليل التأثير البيئي، حتى الآن طلبت كل من الشركات «إيرس إيرلاينز» في المكسيك و«دي إتش إل» و«إير نيوزيلاندا» أكثر من 300 طائرة «أليس».

قد نشهد أيضاً عودة الطائرة الأسرع من الصوت «سوبر سونيك» في غضون العقد المقبل، تعمل شركة «بووم» على إصدار محدَّث من الطائرة كونكورد، يهدف إلى جعل السفر الأسرع من الصوت أكثر هدوءاً وأكثر استدامة وبأسعار معقولة.

وفقاً للشركة، يمكن لطائرة «أوفرتشر» الـ«سوبرسونيك» التابعة لشركة «بووم» أن تحمل ما يصل إلى 80 شخصاً وبسرعة ضعف سرعة شركات الطيران التقليدية، مع إطلاق انبعاثات كربونية صفرية.

ونظراً لأن هذه الطائرة ستطير على ارتفاع أعلى من ارتفاع الطائرات الحالية -حتى 60 ألف قدم- يمكن للمسافرين رؤية انحناءات الأرض الكروية من خلال النوافذ.

فنادق مستدامة

الفنادق المستدامة تشجع على خفض الانبعاثات الضارة بالبيئة

مثل السفر الجوي، تمهد الفنادق الصديقة للبيئة الطريق لسفر أكثر استدامة في المستقبل، فعلى سبيل المثال اُفتتح الفندق البريطاني «رووم2 تشيسويك» في لندن عام 2021 ليصبح الأول في العالم ذا انبعاثات صفرية، إذ حرص على عدم التسبب في انبعاثات منذ مرحلة البناء والتشييد وصولاً للأدوات المستخدمة وأساليب الصيانة والكهرباء المستخدمة.

وبالمقارنة مع الفنادق الأخرى في المملكة المتحدة بحجم مماثل، يستخدم هذا النزل المستدام طاقة أقل بنسبة 89 في المئة لكل متر مربع بفضل مضخات الحرارة الأرضية، والألواح الشمسية، وأنظمة توفير المياه، وسياسة التخلص من النفايات.

وداعاً للحواجز اللغوية

سماعات الترجمة الفورية من غوغل تنهي حواجز اللغة بين الشعوب المختلفة

أصبحت أساليب الترجمة الفورية والوسائل المستخدمة للترجمة أكثر تطوراً، فعلى سبيل المثال يمكن لسماعات الأذن «بيكسل بدز» من «غوغل» ترجمة ما يقال مباشرة إلى أذنك، أو مشاركة نص الترجمة حتى تتمكن من المتابعة، تعمل الشركة أيضاً على نظارات الواقع المعزز القابلة للارتداء والتي تعرض نصاً مترجماً على العدسات في الوقت الفعلي للمتحدث.

رحلات المركبات الفضائية

رحلات الفضاء التجارية تسمح للأشخاص العاديين تجربة السفر للفضاء الخارجي

تطورت مؤخراً مبادرات السياحة الفضائية المتاحة التي تتيح السفر للفضاء الخارجي للأشخاص العاديين وليس فقط رواد الفضاء المحترفين، ولكنها متوفرة حتى الآن بأسعار باهظة فقط للأثرياء، ووفقاً لـ«سبيس في أي بي»، التي تعتبر نفسها المركز الوحيد لتوثيق التجارب المتعلقة بالفضاء، يتوفر ما يقرب من اثني عشر نوعاً من الرحلات الاستكشافية للفضاء في عام 2023، وسيتبعها المزيد.

بالنسبة للمبتدئين، تقدم «بلو أوريجين» رحلات استكشافية عبر خط كارمان، وهو حد 62 ميلاً فوق مستوى سطح البحر ويمثل بداية الفضاء الخارجي.

وفي الوقت نفسه، أطلقت «سبيس إكس» بنجاح رحلات مدارية تجارية حول الأرض، وبعثات إلى محطة الفضاء الدولية، وتخطط لاصطحاب رجل الأعمال الياباني يوساكو مايزاوا وطاقم دولي من الفنانين والممثلين والموسيقيين والرياضيين في أول مهمة مدنية حول القمر في عام 2023.

تكنولوجيا الـ«هايبر لوب» للسفر

تكنولوجيا «هايبرلوب» للنقل السريع تختصر الزمن في السفر

يتحدث رائد الأعمال الأميركي إيلون ماسك منذ سنوات عن تقنية «هايبرلوب»، وهو نظام نقل فائق السرعة في أنبوب فراغ منخفض الضغط.

في حالة تطوير هذه الوسيلة والانتهاء من عمل الشبكات الكاملة لـ«هايبرلوب»، يمكننا السفر في قوالب تصل سرعتها إلى 760 ميلاً في الساعة لتنتقل مثلاً من لوس أنجلوس إلى سان فرانسيسكو في 30 دقيقة، ومن بكين إلى شنغهاي في 60 دقيقة، ومن باريس إلى أمستردام في 90 دقيقة، بالإضافة إلى توفير الوقت، يزعم المؤيدون أن «هايبرلوب» لديه أيضاً القدرة على توفير بديل أرخص وأسرع وأكثر أماناً واستدامة للنقل الجماعي التقليدي.

(كيت سبرينغر، CNN)