يستمر إضراب 33 ألف عامل في شركة بوينغ إلى أمد غير مُحدد، بعد أن رفض أعضاء النقابة عرضاً من الشركة للتسوية، في تصويت أمس الأربعاء.
وأعلنت «الرابطة الدولية للميكانيكيين»، في وقت متأخر من أمس الأربعاء، أن أعضاءها صوتوا بنسبة 64 في المئة ضد الاتفاق المعروض من الشركة، وهذا يعتبر تقدماً معقولاً في المفاوضات، لأن معدل الرفض الحالي أقل بوضوح من معدل رفض الاتفاق السابق، الذي بلغ 95 في المئة، لكن الشركة ما زالت بعيدة عن إقناع أغلبية العاملين النقابيين بالاتفاق على إنهاء الإضراب.
قال جون هولدن رئيس أكبر فرع محلي للنقابة في بوينغ ورئيس المفاوضين «يستحق أعضاؤنا المزيد، وسنعود إلى الطاولة لمحاولة تحقيق هذا».
كان العرض المرفوض يتضمن رفع أجور أعضاء النقابة بنسبة 35 في المئة، على مدى عمر العقد الممتد لأربع سنوات، مع زيادة فورية بنسبة 12 في المئة ومكافأة توقيع قدرها 7 آلاف دولار، وزيادة المساهمة في حسابات التقاعد لأعضاء النقابة وتوفير بعض مزايا الأمن الوظيفي، مع الوعد ببناء الطائرة التجارية التالية للشركة في مصنع نقابي بدلاً من مصنع جديد غير نقابي.
ولكن قيادة النقابة رفضت العرض رغم تأكيدها أنه «يتضمن العديد من التحسينات الرئيسية، ويستحق العرض على الأعضاء».
وهكذا يستمر الإضراب الذي بدأ في 13 سبتمبر.
نقطة الخلاف
«عودة خطة المعاش التقاعدي التقليدية» كانت إحدى القضايا الرئيسية التي تسبب غيابها في رفض العديد من الأعضاء عرض الشركة.
وأُجبر الأعضاء على التخلي عن المعاش التقاعدي في عام 2014 بعد أن هددت الشركة ببناء طائرات «737 ماكس» و«777 إكس» في منشآت غير نقابية، وقد أثار هذا التصرف استياءً عميقاً بين العمال لا يزال مستمراً حتى يومنا هذا، خاصةً أن توقيت هذا التخلي الإجباري تزامن مع تحقيق بوينغ أداءً مالياً جيداً.
يقول هولدن إن عودة خطة المعاش التقاعدي التقليدية «نقطة مفصلية للعديد من أعضائنا، لأن هناك بعض الجروح العميقة التي نشأت من بعض التنازلات والتهديدات بفقدان الوظائف، أعضاؤنا لم ينسوا ذلك».
وفقاً لتحليل أجراه سيث سيفمان، محلل الطيران في جي بي مورغان تشيس، فإن الاتفاق المرفوض كان من شأنه أن يرفع تكاليف العمالة في بوينغ بأكثر من مليار دولار سنوياً.
حل وسط
أعلنت بوينغ بالفعل عن خطط لخفض قوتها العاملة العالمية التي تبلغ 171 ألف موظف بنحو 10 في المئة، ويرى سيفمان أن التوفير في التكاليف من هذه التخفيضات قد يعوض الشركة بمبالغ أكثر من تكلفة زيادة حزمة الأجور للنقابيين.
وبوينغ في حاجة ماسة إلى التوصل إلى اتفاق لإنهاء الإضراب، فوفقاً لتقديرات ستاندرد آند بورز، يكلف الإضراب الشركة مليار دولار شهرياً بالإضافة إلى خسائرها المستمرة لأسباب أخرى.
وفي وقت سابق من أمس الأربعاء، أعلنت بوينغ أن صافي خسارتها في الربع الثالث ارتفع إلى 6.2 مليار دولار من 1.6 مليار دولار قبل عام، ومن المفترض أن هذا الربع لم يتأثر بشدة بالإضراب، حيث لم يبدأ توقف العمل في التأثير على تسليم الطائرات، وبالتالي على إيرادات الشركة، حتى الأيام الأخيرة من الربع (يوليو-سبتمبر).
قال الرئيس التنفيذي الجديد لشركة بوينغ، كيلي أورتبرج، أمس الأربعاء، إن الشركة عند مفترق طرق وتحتاج إلى تغيير جوهري في ثقافتها لتحقيق الاستقرار في أعمالها، مشيراً إلى أهمية إعادة ضبط العلاقة بين الإدارة والنقابة.
قال أورتبرج للمستثمرين في مكالمة هاتفية بعد تقرير الأرباح «أول ما يشغل بال الجميع اليوم هو إنهاء الإضراب، وقد عملنا بحماس لإيجاد حل يناسب الشركة ويلبي احتياجات الموظفين».
والإضراب ليس إلا إحدى المشكلات التي عانت منها الشركة على مدى السنوات الست الماضية، حيث تكبدت خسائر تشغيلية بلغت نحو 40 مليار دولار وشهدت ديونها طويلة الأجل ارتفاعاً إلى 53 مليار دولار، وهي معرضة لخطر خفض تصنيفها الائتماني إلى تصنيف «السندات غير المرغوب فيها» لأول مرة في تاريخها.
سنوات من الأزمات
بدأت مشكلات بوينغ بحادثين قاتلين لطائرتين من طراز ماكس في أواخر عام 2018 وأوائل عام 2019، ما أدى إلى توقف إنتاج طائرة الشركة الأكثر مبيعاً لمدة 20 شهراً، ثم تأثرت الشركة بإلغاء الطلبات على طائرات جديدة في عام 2020 عندما تسبب الوباء في انخفاض حاد في الطلب على السفر وخسائر فادحة في شركات الطيران العالمية.
وفي يناير 2024 انفجرت سدادة باب طائرة 737 ماكس التابعة لشركة ألاسكا إيرلاينز بعد وقت قصير من إقلاعها، ورغم عدم إصابة أحد بجروح خطيرة، فقد أثار الحادث العديد من التحقيقات الفيدرالية وطرح العديد من التساؤلات حول جودة وسلامة طائرات بوينغ، ووجد أحد التحقيقات الفيدرالية أن الطائرة غادرت مصنع بوينغ دون البراغي الأربعة اللازمة لتثبيت سدادة الباب في مكانها.
وعززت إدارة الطيران الفيدرالية الأميركية إشرافها على الشركة، وهي الخطوة التي من شأنها أن تبطئ قدرة بوينغ على زيادة إنتاج ماكس إلى المستويات التي تحتاجها للعودة إلى الربحية.
على الرغم من المشكلات الأخيرة تظل بوينغ مكوناً رئيسياً في الاقتصاد الأميركي، فهي أكبر شركة مُصدرة في الولايات المتحدة، حيث تقدر مساهمتها السنوية بنحو 79 مليار دولار في الاقتصاد، وتدعم 1.6 مليون وظيفة بشكل مباشر وغير مباشر لدى 10 آلاف مُورد منتشرين بين جميع الولايات الخمسين، وقد قام بعض هؤلاء الموردين بالفعل بتسريح العمال بسبب الإضراب.
لحسن الحظ بالنسبة لشركة بوينغ، من غير المرجح أن تُجبر على الخروج من السوق بسبب أزماتها المتكررة، لأنها جزء من احتكار ثنائي، جنباً إلى جنب مع منافستها الأوروبية إيرباص، ما يضمن بقاءها بشكل أساسي في السوق.
بوينغ وإيرباص هما الشركتان الوحيدتان اللتان تصنعان الطائرات الضخمة التي تحتاجها صناعة الطيران العالمية، ولدى كلتا الشركتين تراكمات ضخمة في الطلبات، وستحتاج أي شركة طيران الانتظار لمدة أربع أو خمس سنوات للانتقال من بوينغ إلى إيرباص.