تلعب الممرات المائية دوراً حيوياً في دفع عجلة الاقتصاد العالمي، حيث تمر من خلالها نسبة كبيرة من التجارة العالمية، ما يجعلها عصباً اقتصادياً لا غنى عنه، فبدءاً من قناة بنما -أصغر هذه الممرات- وصولاً إلى قناة السويس ومضيق هرمز ومضيق ملقا، فإن كلاً منها يُمثل محوراً استراتيجياً بالغ الأهمية للتجارة الدولية، ومع التغيرات المناخية، والاحتدام الجيوسياسي، وارتفاع تكلفة الشحن، أصبحت هذه الممرات في صدارة النقاشات حول استقرار الاقتصاد العالمي.

ونستعرض في هذا التقرير الأدوار المهمة لهذه الممرات في سلاسل الإمداد العالمية ودعم الاقتصاد الدولي، وتأثير التوترات الجيوسياسية عليها، استناداً إلى أحدث البيانات.

نظرة عامة على أهم الممرات المائية في العالم

تعتمد التجارة العالمية بشكل كبير على الممرات المائية الاستراتيجية لنقل البضائع، ومن أهم هذه الممرات، قناة بنما وقناة السويس ومضيق هرمز وباب المندب وملقا والبوسفور.

قناة بنما

تربط قناة بنما المحيط الأطلسي بالمحيط الهادئ وتقلص بشكل كبير الوقت وتكلفة الشحن، وتعتبر قناة بنما واحدة من أعظم الإنجازات الهندسية في القرن العشرين، حيث تم افتتاحها في عام 1914، وتمتد القناة لمسافة نحو 82 كيلومتراً، وتتيح للسفن تجنب الرحلة الطويلة حول طرف أمريكا الجنوبية.

يمر عبر القناة نحو 3% من التجارة البحرية العالمية، مع نحو 14,000 سفينة سنوياً، وحققت قناة بنما إيرادات قياسية تبلغ 4 مليارات دولار في السنة المالية 2024، وفقاً لهيئة قناة بنما، ما يؤكد أهميتها رغم كونها أصغر ممر مائي عالمي.

وتواجه القناة تحديات بيئية مثل انخفاض مستويات المياه نتيجة التغير المناخي، ما دفعها لزيادة رسوم العبور لمواجهة هذه التحديات.

قناة السويس

تُعتبر قناة السويس من أبرز الممرات المائية في العالم، حيث تم افتتاحها في عام 1869، تمتد القناة لمسافة نحو 193 كيلومتراً، وتربط بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، ما يُسهم في تسهيل التجارة بين أوروبا وآسيا.

وتتمتع القناة بأهمية اقتصادية كبرى، إذ تسهم القناة بنحو 12% من التجارة العالمية، حيث يعبرها سنوياً ما يقارب 20,000 سفينة.

ووصلت إيرادات قناة السويس في العام المالي 2023-2024 إلى 7.2 مليار دولار، ما يجعلها أحد أهم المصادر الرئيسية للإيرادات في مصر، رغم تراجع الإيرادات عن العام السابق.

وتم تنفيذ توسعات للقناة في عام 2015 لزيادة قدرتها الاستيعابية، ما أسهم في تحسين كفاءة المرور، لكن القناة تواجه تحديات شديدة مؤخراً في ظل التوترات الجيوسياسية بمنطقة الشرق الأوسط، ما أثر على حركة الشحن العالمية وأظهر نقاط الضعف في سلاسل التوريد، وفقاً لهيئة قناة السويس.

مضيق هرمز

يعتبر مضيق هرمز نقطة استراتيجية مهمة، حيث يربط بين الخليج العربي وبحر عمان، ويعد المدخل الرئيسي للنفط المتجه إلى الأسواق العالمية.

وتعود أهمية الممر الاقتصادية، إلى أنه يمر عبر المضيق نحو 20% من النفط العالمي، مع نحو 17 مليون برميل يومياً، ما يجعله من أهم نقاط الشحن في العالم.

ولذلك فإن أي اضطراب في حركة الشحن عبر مضيق هرمز بسبب التوترات الجيوسياسية يمكن أن يؤثر بشكل كبير على أسعار النفط العالمية وخاصة في ظل التحديات التي تواجهها المنطقة التي تعاني من صراعات إقليمية، ما يزيد من أهمية مضيق هرمز كمنطقة تحتاج إلى استقرار سياسي لضمان تدفق الإمدادات، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية.

مضيق ملقا

يعد مضيق ملقا واحداً من أكثر الممرات المائية ازدحاماً في العالم، حيث يربط بين بحر الصين الجنوبي والمحيط الهندي، ويمتد المضيق لمسافة نحو 805 كيلومترات ويشكل نقطة عبور استراتيجية بين شرق آسيا وغربها.

وتأتي أهميته الاقتصادية من كونه يمر عبر المضيق نحو 25% من التجارة البحرية العالمية، ما يجعله واحداً من أهم الممرات البحرية في العالم.

كما يُعتبر المضيق مساراً حيوياً لنقل النفط، حيث يمر عبره نحو 15 مليون برميل يومياً، ما يؤثر بشكل كبير على أسعار النفط العالمية.

ويواجه المضيق تهديدات من القرصنة، حيث تم تسجيل حوادث سرقة واستيلاء على السفن، ما أدى إلى زيادة تكلفة الشحن وتأمين السفن، وفقاً لتقرير منظمة الملاحة البحرية الدولية.

مضيق البوسفور

مضيق البوسفور هو مضيق ضيق يربط بين البحر الأسود وبحر مرمرة، ويمر عبر مدينة إسطنبول في تركيا، يمتد المضيق لمسافة نحو 30 كيلومتراً ويشكل حدوداً طبيعية بين قارة آسيا وقارة أوروبا، ويعد ممراً رئيسياً لصادرات الطاقة من روسيا وآسيا الوسطى.

وتكمن الأهمية الاقتصادية للمضيق في أنه نقطة عبور رئيسية لصادرات النفط والغاز من بحر قزوين، حيث يمر عبره نحو 3 ملايين برميل من النفط يومياً.

كما يعتبر المضيق أيضاً محوراً حيوياً للتجارة بين الدول المطلة على البحر الأسود ودول البحر الأبيض المتوسط.

وتتحكم تركيا في الممر إذ تفرض رسوم عبور على السفن التي تمر عبر المضيق، ما يسهم في تعزيز الإيرادات الوطنية لتركيا، وفقاً لوزارة النقل التركية.

ورغم أهمية المضيق تواجه المنطقة تحديات تتعلق بالازدحام المروري وزيادة الوجود العسكري، ما قد يؤثر على حركة التجارة.

مضيق باب المندب

يعد مضيق باب المندب نقطة استراتيجية تربط بين البحر الأحمر وخليج عدن، ويعتبر من أهم الممرات البحرية في العالم، يمتد المضيق لمسافة نحو 30 كيلومتراً ويشكل معبراً حيوياً للتجارة بين أوروبا وآسيا.

ويعد هذا الممر مهماً للتجارة العالمية، حيث يمر عبر المضيق نحو 10% من التجارة البحرية العالمية، بما في ذلك صادرات النفط من الخليج العربي إلى الأسواق العالمية.

ويُعتبر مضيق باب المندب نقطة حيوية لنقل النفط، حيث يمر عبره نحو 4.8 مليون برميل من النفط يومياً، لكن المضيق يواجه تحديات أمنية كبيرة بسبب الصراعات في اليمن والصومال، ما يزيد من خطر تعطيل حركة السفن.

وتلعب هذه الممرات دوراً حاسماً في تقليل وقت وكلفة الشحن، ما يؤثر مباشرةً على تدفق التجارة العالمية وإمكانية الوصول إلى الأسواق.

العوائد المالية من الممرات المائية الرئيسية

تدر هذه الممرات عائدات مالية كبيرة للبلدان التي تتحكم فيها، غالباً عبر رسوم العبور والأنشطة الاقتصادية المرتبطة، فقد تجاوزت إيرادات قناة بنما عن السنة المالية لعام 2024 مبلغ 4 مليارات دولار، يتم توجيه جزء كبير منها نحو تطوير البنية التحتية والتنمية الاقتصادية في بنما.

وبالنسبة لقناة السويس، فقد تأثرت حركة الملاحة العابرة بالقناة بشدة من تداعيات أزمة البحر الأحمر حيث دفعت التحديات الأمنية العديد من ملاك ومشغلي السفن إلى اتخاذ طرق بديلة للقناة بما انعكس سلباً على معدلات عبور السفن بالقناة، وهو ما تعكسه إحصائيات الملاحة خلال العام المالي 2023-2024 حيث سجلت عبور 20148 سفينة بإجمالي حمولات صافية قدرها مليار طن محققة إيرادات قدرها 7.2 مليار دولار مقابل عبور 25911 سفينة خلال العام المالي 2022-2023 بإجمالي حمولات صافية 1.5 مليار طن، محققة إيرادات قدرها 9.4 مليار دولار، وفقاً لهيئة قناة السويس المصرية.

وبالنسبة لمضيقي هرمز وملقا، فإنه رغم عدم تحقيق إيرادات مباشرة من الرسوم، فإن هذه المضايق توفر قيمة اقتصادية هائلة من خلال صادرات الطاقة، حيث تُقدَّر القيمة الاقتصادية للبضائع التي تمر عبر مضيق هرمز بمئات المليارات سنوياً بفضل النفط والغاز الطبيعي المسال.

أما مضيق البوسفور، فتفرض تركيا رسوم مرور بموجب اتفاقية مونترو، وازدادت أهميته الاقتصادية خاصة مع تقلب الطلب العالمي على طرق النفط الروسية نتيجة للعقوبات الأخيرة.

ويعتبر المضيق مصدراً مهماً للإيرادات في تركيا، ففي عام 2023، توقعت تركيا أن تصل إيراداتها من رسوم مرور السفن عبر مضيق البوسفور والدردنيل إلى نحو 900 مليون دولار، بعد زيادة الرسوم بنسبة 8.3% لتصل إلى 4.42 دولار لكل طن من الحمولة، كانت الإيرادات السابقة تتراوح بين 160 و170 مليون دولار سنوياً قبل الزيادة الكبيرة في الرسوم في عام 2022، حيث تمت زيادة الرسوم من 0.8 دولار إلى 4 دولارات لكل طن، وفقاً لمعهد السياسات العالمية GLOBAL POLICY INSTITUTE.

ويتزايد حجم حركة المرور عبر مضيق البوسفور بشكل مستمر، حيث يتجاوز عدد السفن التي تمر عبره 40,000 سفينة سنوياً، ما يجعله واحداً من أكثر الممرات المائية ازدحاماً في العالم.

ومع ذلك، تُظهر بعض التقديرات أن تركيا خسرت نحو 10 مليارات دولار من الإيرادات المحتملة في السنوات الأخيرة بسبب عدم تطبيق الرسوم بشكل يتناسب مع قيمة الذهب كما هو محدد في اتفاقية مونترو، لذا، فإن مضيق البوسفور يمثل ليس فقط نقطة استراتيجية مهمة في حركة التجارة العالمية، بل أيضاً مصدراً حيوياً للإيرادات الاقتصادية لتركيا.

وبالنسبة لمضيق باب المندب، فقد تسببت الأهمية الجيوسياسية لهذا المضيق في زيادة العائدات من أنشطة الموانئ المجاورة في جيبوتي واليمن، بجانب الاستثمارات العسكرية من القوى العالمية مثل الولايات المتحدة والصين.

وتقدير عائدات مضيق باب المندب لا تزال غير محددة بدقة مثل بعض الممرات البحرية الأخرى، لكن له أهمية اقتصادية كبيرة نظراً لموقعه الاستراتيجي، إذ يُعتبر باب المندب نقطة عبور حيوية للشحنات النفطية والتجارية، حيث يربط البحر الأحمر بخليج عدن والمحيط الهندي.

وحجم الشحنات المارة عبر المضيق يُظهر أن هناك نحو 10,000 سفينة تمر عبره سنوياً، بما في ذلك نحو 4,000 سفينة نفط. وبعض التقديرات تشير إلى أن عائدات المرور في هذا المضيق قد تصل إلى نحو 9 مليارات دولار سنوياً، وهو ما يمثل نسبة مهمة من العائدات الوطنية للدول المجاورة مثل اليمن وجيبوتي وفقاً لـMACROMICRO وUIT NORGES ARKTISKE UNIVERSITET.

دور الممرات المائية في التجارة العالمية (إحصاءات عام 2024)

تؤثر هذه الممرات بشكل كبير على التجارة العالمية، حيث يتم نقل كميات كبيرة من السلع عبرها، فقناة بنما يمر بها أكثر من 3% من التجارة البحرية العالمية، مع نحو 14 ألف سفينة سنوياً، حاملةً مجموعة متنوعة من السلع بدءاً من الإلكترونيات وحتى الغذاء.

وقناة السويس تساهم بنحو 12% من التجارة العالمية، خاصة بين أوروبا وآسيا، ويعبرها سنوياً ما يقارب 20 ألف سفينة، وقد سمحت توسعاتها الأخيرة بزيادة حجم الحاويات.

أما مضيق هرمز، فيمر عبره نحو 17 مليون برميل نفط يومياً، وهو أمر حيوي لاستقرار الطاقة العالمي خاصة في آسيا، ومضيق ملقا تمر به نحو 25% من السلع المتداولة عالمياً، بما في ذلك النفط والغاز، ويعد حجم البضائع والسلع المارة عبره سبباً في اعتباره من أهم الممرات المائية الاستراتيجية.

ومضيق البوسفور، يمر عبره نحو 3 ملايين برميل من النفط يومياً بجانب سلع أخرى، خاصة من البحر الأسود وروسيا، أما مضيق باب المندب، فيخدم التجارة بين أوروبا وآسيا بشكل حيوي، حيث ينقل ملايين براميل النفط يومياً، بما في ذلك الإمدادات الأوروبية الأساسية.

وتشكل هذه الممرات سلاسل إمداد عالمية، حيث أن أي اختناق أو اضطراب قد يؤدي إلى تأثيرات اقتصادية كبيرة.

تأثير التوترات الجيوسياسية على الممرات المائية

كان للتوترات الجيوسياسية تأثيرات كبيرة على الممرات المائية العالمية، ما أثر على استقرار التجارة وتكاليفها، ففي قناة بنما أدت موجات الجفاف المرتبطة بالمناخ إلى انخفاض مستويات المياه في القناة، ما أثر على قدرتها وسبب الازدحام وزيادة رسوم العبور لتعويض التحديات التشغيلية.

أما قناة السويس، فقد سلط انسداد قناة السويس عام 2021 بواسطة السفينة إيفرجيفن الضوء على نقاط الضعف في سلاسل التوريد العالمية، ويؤدي التوتر الجيوسياسي في المنطقة خاصة حرب إسرائيل في غزة ولبنان وتصاعد التوتر الإسرائيلي الإيراني لتأثير سلبي على قناة السويس يؤثر بشكل كبير على التجارة بين أوروبا وآسيا.

وكذلك الأمر بالنسبة لمضيق هرمز، إذ إن التوترات الجيوسياسية المتصاعدة حالياً في المنطقة خاصة بين إيران وإسرائيل، قد تؤثر بشكل كبير على صادرات النفط، لأن أي اضطراب في مضيق هرمز يؤدي إلى صدمات في أسعار النفط العالمية، ما يؤثر على الاقتصاديات المعتمدة على استيراد النفط.

ومضيق ملقا حيث يتزايد التنافس بين الصين والولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، بالإضافة إلى تهديدات القرصنة، ما يؤثر على أمان التجارة في المضيق، وقد تؤدي التوترات الجيوسياسية حول هذا المضيق إلى إيجاد طرق بديلة ما يزيد من تكاليف الشحن.

وبالنسبة لمضيق البوسفور، فقد أدت الأزمة الروسية الأوكرانية إلى زيادة الوجود العسكري وتعقيد تنظيمات الملاحة، ما أثر على صادرات النفط وأوجد مخاطر على السفن المارة.

وأخيراً، مضيق باب المندب، الذي يعاني بسبب عدم الاستقرار في اليمن وحرب غزة ووجود القوى الدولية العسكرية بسبب كون المضيق نقطة محورية لمخاوف أمنية حول التجارة العالمية، وقد ظهر ذلك واضحاً في الفترة الأخيرة بعد تضافر حرب غزة على عدم استقرار اليمن، ما يؤثر بشكل واضح على حركة سفن النفط والشحن العالمية.

في النهاية، تُعد الممرات المائية العالمية ضرورية للتجارة الدولية، حيث يضيف كل مضيق أو قناة قيمة اقتصادية ومالية واستراتيجية فريدة، وتتجاوز أهمية هذه الممرات كونها مجرد نقاط عبور، إذ تمثل بؤر توتر جيوسياسي تعكس التوترات العالمية الأوسع. إن قدرة هذه الممرات على الصمود أمام التغيرات الجيوسياسية والتحديات البيئية ستكون حاسمة للحفاظ على استقرار التجارة العالمية.