خالفت بيانات الأشهر العشرة الماضية توقعات المحللين حول تباطؤ سوق العمل الأميركية، وجاءت البيانات أفضل من المتوقع.

قد يبدو هذا أمراً جيداً بالنسبة للاقتصاد؛ لكن مع مكافحة بنك «الاحتياطي الفدرالي» للتضخم فإن سوق الوظائف قد يشهد المزيد من الزيادات المؤلمة في أسعار الفائدة مستقبلاً.

وفي الآونة الأخيرة، أبدى بعض الاقتصاديين قلقهم من عدم دقة البيانات التي يعتمد عليها مسؤولو الاحتياطي الفدرالي في اتخاذ قراراتهم؛ إذ انخفض عدد الأشخاص المستجيبين لاستبيانات سوق العمل والتضخم في السنوات الأخيرة، في حين أدى الوباء إلى التسريع من وتيرة هذا التباطؤ، لذلك يقول الاقتصاديون إن هذا الأمر سيحدث المزيد من التقلبات في البيانات الواردة، وبالتالي سينعكس على الأسواق.

انخفضت بيانات الاستبيان الواردة عن فرص العمل ومعدلات العمالة -وهي مجموعة بيانات شهرية يراقبها مجلس الاحتياطي الفدرالي بشكل وثيق- منذ فترة الوباء، إذ وصلت نسبتها الآن إلى أقل من 31 في المئة.

وقالت جوليا كورونادو، مؤسسة «ماكروبولوسي بريسبيكتيفز» ورئيسة الرابطة الوطنية لاقتصادات الأعمال، في وقت سابق من الشهر الجاري، إن الاستجابة البطيئة للاستبيان جعلته بلا فائدة.

ولا ينطبق ذلك على بيانات استبيان فرص العمل ومعدلات العمالة فقط، بل امتد ليشمل انخفاض معدل الاستجابة لاستبيان مؤشر تكلفة التوظيف -وهو مقياس للأجور يتابعه مجلس الاحتياطي الفدرالي أيضاً- فبعدما بلغت نحو 75 في المئة خلال عام 2012 وصلت اليوم إلى أقل من 50 في المئة، وفقاً لبيانات مكتب إحصاءات العمل.

كما انخفض معدل الاستجابة لاستبيان إحصاءات التوظيف الحالي -والذي يقدم تقارير عن الرواتب بشكل شهري- من 60 في المئة خلال عام 2019 إلى أقل من 45 في المئة مع نهاية عام 2022.

تحدثت شبكة «CNN» مع رئيس اقتصاديي «أبولو غلوبال» لإدارة الأسهم تورستين سلوك، حول معدلات الانخفاض في مقابلة عُدلت للحفاظ على طول المقال ومدى وضوحه.

  • هل نتحدث عن فجوات كبيرة في قراءتنا للاقتصاد؟

بالنسبة للاحتياطي الفدرالي والأسواق، يجب أن تكون البيانات الواردة موثوقة قدر الإمكان، لذا يجب أن نعرف الإجابات عن أسئلة مهمة مثل: هل البيانات القوية التي رأيناها في يناير كانون الثاني للتوظيف ومبيعات التجزئة هي وصف حقيقي للواقع؟ وهل هي مدفوعة بمشكلات التعديلات الموسمية أو مشكلات قياس التوظيف وإنفاق المستهلك في الاستطلاعات الاقتصادية؟

  • هل يعي الاحتياطي الفدرالي أهمية تلك الاعتبارات عند تحديد سياساته؟

عندما تصبح بيانات الاقتصاد الكلي غير دقيقة، فإننا نميل إلى الأدلة القصصية التي يمكن رؤيتها حالياً في التباين بين الأعداد الضخمة المعلنة عن عمليات التسريح في قطاع التكنولوجيا وبين بيانات تقرير التوظيف الصادر لشهر يناير كانون الثاني، إذ خلق الاقتصاد نحو 517 ألف فرصة عمل.

وقد أضاف قطاع الترفيه والضيافة وحده نحو 128 ألف وظيفة في يناير كانون الثاني، وهذا العدد أكبر من أعداد المسرحين من الشركات التكنولوجية المعلن عنها، إذاً هل هذا وصف حقيقي لما يجري أم أن مصدر هذا التناقض هو بعض مشكلات في قياس البيانات التي نبحث عنها؟

  • كيف يؤثر هذا التقلب على الأسواق؟ ولماذا؟

من الضروري أن يمتلك مجلس الاحتياطي الفدرالي والأسواق وصفاً حقيقياً مطابقاً لواقع التضخم والبطالة، خاصةً مع التفويض المزدوج للاحتياطي الفدرالي، المتمثل في إحداث التوازن بين معدلات التوظيف واستقرار الأسعار.

ما يشهده المستثمرون اليوم

كان العام الماضي صعباً بالنسبة للعديد من المستثمرين، بمن في ذلك وارن بافيت.

أعلنت مجموعة «بيركشاير هاثاواي» المملوكة للملياردير الأميركي وارن بافيت عن خسائر كبيرة يوم السبت، وقد بلغت خسائرها في عام 2022 نحو 22.8 مليار دولار، إضافةً إلى نحو 53.6 مليار دولار من الخسائر غير المحققة على استثماراتها.

وعلى الرغم من ذلك، فقد أشار بافيت، في رسالته السنوية إلى المستثمرين، إلى أن أرباح شركاته وليست الأسهم هي معيار قياس الربحية المفضل لديه.

وصلت هذه الأرباح إلى ما وصفه بافيت بالرقم القياسي عند نحو 30.8 مليار دولار في عام 2022، متجاوزةً بذلك 27.5 مليار دولار محققةً في العام السابق، وفي الوقت ذاته حرص بافيت على الإشادة بإعادة شراء الأسهم ضمن رسالته الموجهة.

وكتب الملياردير -البالغ من العمر 92 عاماً والشهير بلقب «حكيم أوماها» نسبةً إلى مقر شركته الدولية- أن الحديث عن عيوب تطول عمليات إعادة الشراء بالنسبة للمساهمين لا يصدر إلا عن شخص لا يمتلك خلفية اقتصادية.

يعقد بنك «غولدمان ساكس» يوم المستثمر يوم الثلاثاء الموافق 28 فبراير شباط، إذ يتطلع إليه العديد من قادة الشركة المتطلعين إلى إعادة ضبط الأرباح التي شهدت انخفاضاً بمقدار النصف تقريباً خلال عام 2022.

إنه الاجتماع السنوي الثاني والمنعقد للمستثمرين منذ 154 عاماً، ويأتي بعد أسابيع قليلة فقط من إعلان الشركة أن ذراعها للإقراض الاستهلاكي قد خسرت نحو 3 مليارات دولار منذ عام 2020، يأتي ذلك في الوقت الذي تعرض فيه ديفيد سولومون الرئيس التنفيذي، لانتقادات لاذعة بعد عمليات تسريح الموظفين وخفض أرباح المساهمين.

قلت أعداد المطاعم الأميركية اليوم مقارنةً بعام 2019، وفقاً لتقرير دانيال وينر برونر من CNN.

أشارت بيانات شركة «تيكنوميك» لبحوث قطاع المطاعم إلى أن عدد المطاعم في الولايات المتحدة بلغ 631 ألف مطعم خلال العام الماضي، بانخفاض بلغ نحو 72 ألفاً عن عام 2019، عندما كان هناك 703 آلاف مطعم قائم.

ولفتت البيانات إلى إمكانية استمرار انخفاض عدد المطاعم هذا العام ليصل إلى نحو 630 ألفاً، بينما نفت التوقعات إمكانية عودة عدد المطاعم في الولايات المتحدة إلى مستويات ما قبل وباء كوفيد-19 حتى بعد مرور ثلاثة أعوام من الآن.

في هذه الأثناء، تبرع كل من «تشيبوتلي» و«ستابكس» و«تشيك فيل أي» و«ماكدونالدز» وشركة «يم» للوجبات السريعة التي تمتلك «كنتاكي» بنحو مليون دولار لإنقاذ المطاعم المحلية. ويخالف هذا التحالف قانون ولاية كاليفورنيا، والذي يحدد الحد الأدنى للأجور بنحو 22 دولاراً في الساعة لموظفي الوجبات السريعة.

المزيد من البيانات المربكة

في الوقت الذي أوصلت فيه البيانات الاقتصادية رسائل متضاربة أو توقعات خاطئة تماماً، أصبحت توقعات الاقتصاديين للعام المقبل غامضة، وذلك طبقاً لأليسيا والاس من «CNN».

وقالت رئيسة الرابطة الوطنية لاقتصاديات الأعمال جوليا كورونادو في بيان «إن نشر تقديرات عن الناتج المحلي الإجمالي ومعدلات التضخم ومؤشرات سوق العمل وأسعار الفائدة، تعكس جميعها مجموعة من الآراء المختلفة حول مصير الاقتصاد ليتراوح من توقع الركود إلى التراجع البطيء إلى النمو القوي».

ويرجح نحو 60 في المئة من المشاركين في استبيان عن تعرض الولايات المتحدة للركود الاقتصادي باحتمالية تصل لـ50 في المئة خلال الاثني عشر شهراً المقبلة، بينما رجح 28 في المئة حدوث ذلك خلال الربع الأول، ويرجح نحو 33 في المئة أن يحدث ذلك في الربع الثاني، وكان رأي 21 في المئة يميل إلى الربع الثالث.

كتبت- نيكول غودكايند (CNN)