يحقق الذكاء الاصطناعي خطوات كبيرة في تخصيص البيع بالتجزئة وإنشاء المحتوى التسويقي، وسيستمر في تغيير قواعد هذا القطاع الحيوي جنباً إلى جنب مع الأشخاص المتخصصين في هذا المجال.

بعد أن أثبت قدرته في الحصول على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من إحدى جامعات Ivy League (وهي رابطة رياضية تجمع ثماني جامعات تعتبر من أشهر وأقدم وأعرق جامعات الولايات المتحدة الأميركية وفي العالم)، واجتياز اختبار الترخيص الطبي في الولايات المتحدة، وإثبات كفاءته في القانون والمحاسبة، يعد برنامج الدردشة الآلي « تشات جي بي تي» ChatGPT المولد بالذكاء الاصطناعي أعجوبة تكنولوجية.

ومع هذه الوفرة من الذكاء المتزايد بسرعة، كيف يمكن للعلامات التجارية تسخير قوة الذكاء الاصطناعي لزيادة حصتها في السوق بشكل فعّال؟

يقول نيل بورنمان الرئيس التنفيذي لشركة بابليكس ميديا بريطانيا، إن تطور الذكاء الاصطناعي يؤدي إلى تغيير الطريقة التي يتفاعل بها المستهلكون مع العلامات التجارية ووسائل الإعلام، على سبيل المثال، تجربة أخبار فردية بناءً على سجل المشاهدة أو تلقي محتوى مخصص -أو حتى صور مولدة- بناءً على ما يعتقد الذكاء الاصطناعي أنه سيكون الأكثر صدى لدى جمهور معين.

بالطبع، لم تتغير المبادئ الأساسية للتسويق، ولكن حدثت ثورة في الطريقة التي ينشئ بها المسوقون الحملات وينفذونها؛ فالذكاء الاصطناعي يمكّن العلامات التجارية من فهم أفضل وأسرع للإبداع والرسائل التي ستتوافق مع العملاء، وكيفية استثمار الميزانية وشراء الوسائط بشكل أكثر فاعلية.

ومع ذلك، لا تزال العديد من العلامات التجارية في خضم التحول إلى الذكاء الاصطناعي، لكن مع مهارة المستهلكين في التفاعل مع الذكاء الاصطناعي، تتغير توقعاتهم، وتواجه العلامات التجارية تحديات كبيرة.

لنلقِ نظرة على بعض المجالات الرئيسية التي تحتاج من العلامات التجارية إلى إعادة صياغة تعاملها مع الذكاء الاصطناعي في ظل التطور الكبير لمهارات المستهلكين في استخدام هذه التكنولوجيا الجديدة.

إعادة تشكيل تجارة التجزئة

تتيح المعرفة الواسعة بالذكاء الاصطناعي التوليدي إمكانية الوصول إلى الخبرات المتخصصة في كثير من الأحيان لمساعدتهم على استكشاف اهتمامات المستهلكين، بدءاً من التخطيط لعطلتهم القادمة وحتى اختيار ملابس جديدة أو تجربة وصفة جديدة، ويقدّم الذكاء الاصطناعي التوليدي الآن للأشخاص نظرة ثاقبة حول نقاط الشغف هذه، إلى جانب التعليمات والدعم الشخصي.

وهذا يمنح العلامات التجارية طريقة جديدة لفهم عملائها، وتعزيز الطريقة التي يتعاملون بها مع الحملات التسويقية المستقبلية، وتطوير المنتجات واستراتيجيات التسعير، كما يقدّم لمحة عن مستقبل التجارة.

ويوضح بورنمان أنه يمكن للأشخاص بالفعل أن يطلبوا من منصات مثل تشات جي بي تي التوصية بالعلامات التجارية وقائمة المنتجات المختصرة، ولكن لن يمر وقت طويل قبل أن تتمكن هذه المنصات أيضاً من إجراء عمليات شراء نيابة عنا.

الذكاء الاصطناعي التوليدي على وشك جعل التسوق أسرع وأكثر سلاسة من أي وقت مضى، وهذا يثير التساؤل حول الكيفية التي يمكن بها للعلامات التجارية الراسخة، وكذلك الوافدين الجدد، أن تضع نفسها في موقع يسمح لها بالبقاء في المقدمة، والاستفادة من الذكاء الاصطناعي لتأمين مستقبلها في العالم الجديد لتجارة التجزئة القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي.

إنشاء محتوى الجيل التالي

في حين يعمل الذكاء الاصطناعي على تحسين كيفية وصول المستهلكين إلى المعلومات والتفاعل معها لاتخاذ قرارات الشراء، فإنه يُحدث أيضاً ثورة في كيفية التحقق من صحة العلامات التجارية لنهجها الإبداعي لإشراك الأشخاص بشكلٍ أفضل، فضلاً عن توجيه الميزانية بثقة أكبر، مثل هذه البصيرة تمثل أداة قوية لجيل الذكاء الاصطناعي.

يمكن القول إن تطبيق الذكاء الاصطناعي التوليدي الأكثر نضجاً في وسائل الإعلام والتسويق هو إنشاء محتوى فريد، من الصور والفيديو إلى الصوت، بناءً على الكلمات الرئيسية أو الاهتمام. ويتيح ذلك للعلامات التجارية اختبار الأصول بسرعة، ما يثبت أهميته بشكل خاص لفرق البيع بالتجزئة وتسويق الأداء.. إن القدرة على اختبار الفرضية وإثباتها دون الحاجة إلى استثمار قدر كبير من الوقت والميزانية والموارد يعد أمراً رائداً.

ويمكن أيضاً للذكاء الاصطناعي التوليدي تمكين العلامات التجارية من توسيع نطاق الحملات وإنشاء محتوى محلي بسرعة وبتكلفة معقولة، ما يعني أن العلامات التجارية العالمية يمكن أن يكون لها صدى حقيقي في الأسواق المحلية.

وفي حين أنه كان يتعين على الفرق الإعلامية الاكتفاء بالإبداعات المقدمة لهم، أصبحوا الآن قادرين على إجراء تعديلات من شأنها تحسين نتائج الحملة بشكل كبير، وهذا يعني أن بيانات الوسائط والرؤى تعمل على تحسين الأصول، ما يضمن أن تكون الوسائط والعمل الإبداعي بمثابة قسم واحد، بدلاً من وجودهما كقسمين منفصلين.

ومن الأمثلة الرائعة على ذلك عندما قامت منصة مارسيل للذكاء الاصطناعي الخاصة بشركة بابليكس ميديا بإنشاء إعلان لشبكة الهاتف المحمول الفرنسية أورانج، شريك الاتحاد الفرنسي لكرة القدم، باستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي لعرض المهارات الرائعة للاعبات كرة القدم ومكافحة التحيز والترويج لكأس العالم للسيدات 2023، إذ يبدأ الإعلان بإلقاء الضوء على المهارات العجيبة لنجمي كرة القدم الفرنسيين كيليان مبابي وأنطوان غريزمان، قبل أن يكشف أن هذه المهارات تؤديها بالفعل لاعبات في المنتخب الفرنسي للسيدات، على الرغم من أن هذا كان ناتجاً إبداعياً باستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي، إلا أننا نرى طرقاً عميقة بالقدر نفسه يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي من خلالها التأثير على الحملات الإعلامية وأصول الحملة.

العامل البشري

على عكس أي مخاوف، فإن أصول الذكاء الاصطناعي لا تقلل من دور الفرق الإبداعية، وبدلاً من ذلك، تعمل التكنولوجيا على تمكين الناس، ما يسمح لهم باختبار وإثبات الاتجاه الإبداعي، كما يسمح أيضاً بتيسير المهام اليدوية الشاقة تقليدياً، مثل إعداد التقارير والقياس وغيرها.

ومن خلال الأتمتة، يمكن للمسوقين استيعاب بيانات الحملة بسرعة، ما يمكّن الذكاء الاصطناعي من استخلاص الرؤى منها، ويوفّر المزيد من الوقت لتخصيص الاستراتيجية والفهم، وبالتالي إضافة قيمة حقيقية للعلامة التجارية.

وفي المقابل، يتيح الذكاء الاصطناعي ثقة أكبر عند تحديد الأهداف واستثمار ميزانية التسويق، من خلال معالجة البيانات للتنبؤ بالنتائج وإعطاء المزيد من اليقين لعملية صنع القرار.

وإذا كانت جودة البيانات ضرورية لتحسين الذكاء الاصطناعي، فإن البشر يظلون حيويين لتحقيق إمكاناته، فعلى الرغم من أن الذكاء الاصطناعي أداة فعّالة، فإن تنفيذها الناجح لا يزال يعتمد على رؤية واضحة وتخطيط استراتيجي وحكم بشري. مثل سيارة سباق الفورمولا 1، فإن الذكاء الاصطناعي قوي وسريع، ولكن بدون سائق ماهر وفريق خبراء من الميكانيكيين والمهندسين، لن يفوز بالسباقات.

يجب أن تتطور مهارات المسوقين باستمرار، بدءاً من الفهم الفني وحتى معرفة البيانات، بالإضافة إلى الوعي الأخلاقي والبيئي حول التحيز المحتمل والاستخدام المسؤول للبيانات، وصقل هذه المهارات الآن أمر بالغ الأهمية، ويجب على العلامات التجارية استكشاف الذكاء الاصطناعي التوليدي باختبارها وتعلمها وفهم قدراتها وقيودها، إذا أرادت الاستفادة منها في المستقبل.

وأخيراً، الذكاء الاصطناعي يغيّر قواعد اللعبة بالفعل، لكن فقط كشريك للمسوق الذي يعرف كيفية استخدامه لدفع نمو العلامة التجارية الخاصة به.