يبدو أن جيروم باول وأعضاء آخرون في مجلس الاحتياطي الفيدرالي مهووسون بخنق التضخم بشكل حاسم، حتى لو أدت سلسلة الارتفاعات العنيفة في أسعار الفائدة التي قام بها الفيدرالي إلى إبطاء الاقتصاد إلى حد التباطؤ، وقد هذه الحقيقة مُرة للمستهلكين والمستثمرين والشركات الأمريكية.

علاوة على ذلك، يلاحظ العديد من خبراء السوق والاقتصاديين أن معدل التضخم، رغم أنه لا يزال مرتفعًا بشكل غير مريح، وفيما يستمر بالانخفاض فإن ذلك يتم بصورة بطيئة.

واعترف نائب رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي لايل برينارد، بذلك في خطاب ألقاه يوم الاثنين، قائلاً إن “الإجراءات السياسية حتى الآن سيكون لها تأثيرها الكامل على النشاط في الأرباع القادمة”.

ومع ذلك، فإن الاحتياطي الفيدرالي لم ينته من رفع أسعار الفائدة، يُقدر المستثمرون الاحتمالية القوية للارتفاع الرابع على التوالي بمقدار ثلاثة أرباع نقطة مئوية في الاجتماع القادم لمجلس الاحتياطي الفيدرالي في 2 نوفمبر، كما أن فرص الارتفاع الخامس على التوالي بهذا الحجم في اجتماع بنك الاحتياطي الفيدرالي في 14 ديسمبر آخذ في الارتفاع. .

ووفق تقرير لـ”CNN” يبدو أن باول يريد التكفير عن خطأه المتمثل في وصف التضخم مراراً العام الماضي بأنه “مؤقت”، لذا سيواصل الاحتياطي الفيدرالي رفع أسعار الفائدة ليثبت أنه يأخذ التضخم على محمل الجد، حتى لو أدى ذلك إلى تراجع أكبر في الأسهم، ودفع الاقتصاد إلى الركود.

لا شك ان هذا التوجه يمثل مشكلة، خاصة وأن بنك الاحتياطي الفيدرالي لديه التزامان: استقرار الأسعار وتحقيق الحد الأقصى من فرص العمل، وهذا يعني أن سوق العمل قد يتضرر بسبب تركيز بنك الاحتياطي الفيدرالي على التضخم.

قال برايان ليفيت، استراتيجي السوق العالمية لدى شركة Invesco: “ما يقلقني هو أن بنك الاحتياطي الفيدرالي يضيق الخناق بسرعة وبصورة ملحوظة دون معرفة ما يعنيه ذلك بالنسبة للاقتصاد”.

يشار إلى أن سلسلة رفع أسعار الفائدة من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي لم يسبق لها مثيل في العصر “الحديث” للبنوك المركزية، أي منذ أن أصبح ألان جرينسبان رئيساً لمجلس الاحتياطي الفيدرالي في عام 1987 وأصبح الاحتياطي الفيدرالي أكثر شفافية.

كان الاحتياطي الفيدرالي أكثر غموضاً بكثير قبل جرينسبان، ولم ينتفض السوق مع كل خطاب وحركة سياسية وتوقعات اقتصادية كما تفعل وول ستريت الآن، وكان التضخم في السبعينيات وأوائل الثمانينيات مختلفاً تماماً، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى صدمة أسعار النفط التي استمرت سنوات بسبب نقص المعروض.

لم يكن التضخم مؤقتًا … لكن ضغوط الأسعار بدأت تتراجع أخيراً

تنبع أزمة التضخم الحالية من مشكلات سلسلة التوريد المرتبطة بالوباء بالإضافة إلى إعادة الانفتاح السريع للاقتصاد العالمي بعد فترة ركود قصيرة.

لكن الاقتصاد يظهر الآن تصدعات، ارتفعت عوائد السندات طويلة الأجل، وظهرت معدلات الرهن العقاري، مما أدى إلى تهدئة سوق الإسكان، وانكمش سوق الأسهم أيضاً، مما أدى إلى انتزاع المزيد من الفائض من الاقتصاد.

قال كيث ليرنر، كبير الإداريين الاستثماريين المشارك وكبير استراتيجيي السوق في Truist Advisory Services: “نحن أكثر حذراً لأن بنك الاحتياطي الفيدرالي يتجه نحو اقتصاد ضعيف”، واصفاً هذه الارتفاعات الضخمة بالأكثر عدوانية منذ عقود كون بنك الاحتياطي الفيدرالي يعاني من ندبات من التضخم “.

ما لم تنتعش ضغوط التسعير مرة أخرى، يبدو أن الزيادة السنوية لمؤشر أسعار المستهلك بلغت ذروتها عند 9% في يونيو. هذه خطوة كبيرة من حوالي 2.3% في فبراير 2020 قبل إغلاق الوباء مباشرة، لكن 9% لا تزال بعيدة كل البعد عن ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين خلال سنوات فولكر (بول فولكر) عند 14.6% في أوائل عام 1980.

ومع انخفاض أسعار المستهلكين والجملة بالفعل، يشعر بعض الخبراء بالقلق من أن استمرار الموقف المتشدد من جانب الاحتياطي الفيدرالي سوف يضر الاقتصاد أكثر مما ينفع.

قال مايكل وايز، رئيس Yield street، وهي شركة استثمارية متخصصة فيما يسمى الأصول البديلة مثل العقارات والأسهم الخاصة ورأس المال الاستثماري: “السرعة التي يزيد بها الاحتياطي الفيدرالي معدلات الفائدة سيكون لها بالتأكيد بعض العواقب غير المقصودة”.

سيؤدي رفع أسعار الفائدة في النهاية إلى إبطاء الاقتصاد وإلحاق الضرر بسوق العمل

وقال وايز، “إن الارتفاع في أسعار الفائدة يمكن أن يؤدي إلى أزمة الائتمان الاستهلاكي التي تصبح أكثر وضوحاً، حيث قد تصبح القروض بخلاف الرهون العقارية أكثر تكلفة وأصعب في الحصول عليها”.

ترفع زيادة أسعار الفائدة من التكاليف التي تتحملها الشركات لسداد ديونها، مما يزيد من احتمالية إفلاس الشركات والتخلف عن سداد القروض التجارية، بل إنه قد يؤدي إلى تضخم مصحوب بركود، وبعبارة أخرى، قد تظل الأسعار مرتفعة وسوق العمل على الأرجح أسوأ.

وأضاف وايز: “يواجه بنك الاحتياطي الفيدرالي خطراً حقيقياً يتمثل في الإفراط في التشديد، حيث قد لا تتدفق تأثيرات السياسة التقييدية من خلال بيانات التضخم والبطالة إلا بعد فوات الأوان”.

طالما ظل التضخم هو المشكلة الأكبر بالنسبة للاقتصاد، سيركز بنك الاحتياطي الفيدرالي أكثر على السيطرة على الأسعار. بعد كل شيء، بلغ معدل البطالة 3.5%، وهو أدنى مستوى له منذ نصف قرن.

قال داستن ثاكيراي، كبير مسؤولي الاستثمار في Crewe Advisors: “أولوية بنك الاحتياطي الفيدرالي الأولى الآن هي استقرار الأسعار، وبالتالي فإلى أن يرى دليلاً ثابتاً على أن سياسته النقدية لها تأثير مادي على سوق العمل، فسوف يحافظ على جهوده المستمرة في كبح جماح الضغوط التضخمية”.