تشعر شركات الصناعات الدفاعية بالثقة في أن الحكومات الغربية ستواصل زيادة الإنفاق على الأسلحة لمواجهة روسيا والصين، متجاهلة المخاوف من أن يؤدي موسم الاضطرابات والتحولات السياسية في الولايات المتحدة وأوروبا إلى كبح الميزانيات العسكرية.
بلغ الإنفاق الدفاعي العالمي مستوى قياسياً بقيمة 2.4 تريليون دولار العام الماضي، مدعوماً بالحرب الروسية- الأوكرانية وتصاعد التوترات بين الصين والغرب، وفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.
واتفق أعضاء الناتو على زيادة الإنفاق في قمة عقدت في واشنطن هذا الشهر.
لكن التحولات السياسية الكبرى الأخيرة في المملكة المتحدة والولايات المتحدة وفرنسا أثارت مخاوف بعض المستثمرين الذين يعتقدون أن دعم الحرب الروسية- الأوكرانية قد ينحسر في السنوات المقبلة.
وقال مسؤولون تنفيذيون في الصناعة في معرض فارنبورو للطيران، وهو أحد أكبر التجمعات في العالم لشركات الطيران والدفاع، لرويترز، إنه حتى إذا تم تخفيض المساعدات لأوكرانيا، فإن الحكومات الغربية ستنفق مبالغ كبيرة لدعم الدفاعات تحسباً للصراعات المستقبلية المحتملة مع روسيا والصين.
وقال لورينزو مارياني، المدير العام المشارك لشركة ليوناردو الإيطالية «لقد أعطت أوكرانيا درساً مهماً للعالم: إذا لم تستعد، فقد خسرت».
تظهر أدلة واضحة على التوترات الجيوسياسية في المطار الذي استضاف المعرض بجنوب إنجلترا، حيث ظهرت طائرة ركاب تابعة لشركة طيران الهند من طراز A350 كانت متوقفة على المدرج أمام نظر العارضين، هذه الطائرة تم تصنيعها في الأصل من قِبل شركة إيرباص لصالح شركة إيروفلوت، الناقل الوطني وأكبر شركة طيران في روسيا، قبل تغيير المالكين بسبب العقوبات.
أرباح مضاعفة
أدى الاندفاع للحصول على الأسلحة منذ اندلاع الحرب الروسية- الأوكرانية عام 2022 إلى تعزيز أرباح وأسعار أسهم شركات الدفاع الأميركية العملاقة مثل لوكهيد مارتن ورايثيون، وكذلك الشركات الأوروبية بما في ذلك ليوناردو وشركة بي أيه إي سيستمز البريطانية.
على سبيل المثال، ارتفعت أسهم شركة راينميتال الألمانية بنسبة 390 في المئة منذ اندلاع الحرب، في حين ارتفعت أسهم شركة ساب السويدية لصناعة الأسلحة بأكثر من 340 في المئة في الفترة نفسها.
تأثير ترامب
ألمح الرئيس الأميركي السابق والمرشح الحالي للرئاسة، دونالد ترامب، إلى أنه قد يقطع التمويل عن أوكرانيا إذا تم انتخابه في نوفمبر، ما قد يحد من المبيعات المزدهرة لكل الأسلحة، من الصواريخ والطائرات بدون طيار إلى المركبات المدرعة وقذائف المدفعية.
لكن ترامب لا يزال متشدداً في التعامل مع الصين، ثاني أكبر قوة عسكرية في العالم.
وتعمل الولايات المتحدة على زيادة الإنفاق الدفاعي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ على كل شيء بدءاً من الغواصات وحتى أنظمة صواريخ الدفاع الجوي لمواجهة تكتيكات بكين العدوانية تجاه تايوان والفلبين.
وقال توم لاليبرتي، رئيس أنظمة الدفاع الأرضي والجوي في شركة رايثيون، إنه ينظر إلى الاتجاهات طويلة المدى، وليس الخطاب السياسي للسياسيين الأفراد خلال الحملة الانتخابية، «بشكلٍ عام لا يوجد فرق كبير بين إدارة أمريكية وأخرى فيما يتعلق بتعزيز الدفاع».
وأكد وكيل وزارة الدفاع الأمريكية لشؤون الاستحواذ والاستدامة، ويليام لابلانت، هذا الرأي، قائلاً إن الإنفاق العسكري والشراكات مع الحلفاء الأوروبيين تحظى بدعم الحزبين، وقال لابلانت، في إحدى الجلسات الحوارية على هامش المعرض، «إن أولويات الإدارة الأميركية في ما يخص الإنتاج والوظائف والأمن تتشابك مع الصناعات الدفاعية إلى حد كبير، بغض النظر عن السياسات الحزبية».
أوروبا ليست بالحماس نفسه
أمرت حكومة حزب العمال الجديدة في بريطانيا بمراجعة أنشطة الدفاع، ما أثار مخاوف من احتمال إلغاء برامج مرتبطة بالصناعة، بما في ذلك مشروع شراء طائرات مقاتلة بقيمة عشرات المليارات من الدولارات.
وفي محاولة لتخفيف هذه المخاوف، أكد رئيس الوزراء كير ستارمر التزامه بصناعة الدفاع في معرض فارنبورو للطيران، حيث قام بجولة لتفقد عروض الأسلحة من قِبل شركات مثل BAE وعملاق الطيران الأوروبي إيرباص (AIR.PA).
وقال تريفور تايلور، مدير برنامج الدفاع في المعهد الملكي للخدمات المتحدة «في ما يتعلق بالمملكة المتحدة، فهي مستقرة جداً»، وفي ما يخص الطلب على الأسلحة، «أنا واثق من أنه ستكون هناك زيادة في الإنفاق الدفاعي خلال السنوات المقبلة».
وقال جريج ساندرز، زميل شؤون الدفاع في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إن بريطانيا يمكن أن تكون أيضاً جسراً بين الولايات المتحدة وأوروبا للحد من أي توترات بشأن الإنفاق الدفاعي، وأضاف «بغض النظر عما يحدث في الانتخابات الأميركية، فمن المحتمل أن تحاول المملكة المتحدة لعب دور الوسيط، وفي بعض الأحيان الموازنة بين الدوافع المتضاربة».
وفي فرنسا أعرب مسؤولون تنفيذيون ومحللون في الصناعة عن مخاوف أكبر بشأن الوضع السياسي في فرنسا، حيث أدت الانتخابات التشريعية إلى برلمان مُعلق هذا الشهر، ما زاد المخاوف من أن يؤدي الجمود في الميزانية إلى تباطؤ الإنفاق الدفاعي.
وانخفضت أسهم شركات الطيران والدفاع الأوروبية بأكثر من 2 في المئة في اليوم التالي للانتخابات.
وقال ساش توسا، محلل شؤون الدفاع في شركة إيجينسي بارتنرز، وهي شركة أبحاث للأسهم مقرها لندن «لا يزال هناك قلق بشأن النظام السياسي غير المستقر في فرنسا».
وقال مات ميلاس، رئيس قسم الدفاع والفضاء في شركة هانيويل أيروسبيس، إنه مهما كان المستقبل، فإن التوقعات على المدى القريب لشركات الدفاع قوية بالنظر إلى فائض الطلب من الحكومات الغربية التي تتطلع إلى إمداد أوكرانيا.
وقال ميلاس خلال المعرض الجوي «من الواضح أن الحرب في أوكرانيا خلقت طفرة هائلة في الطلب، وحتى الآن لم يُلبِ المعروض هذا الطلب».