في أسواق المال العالمية، يبرز سوق الفوركس (سوق تداول العملات الأجنبية) كأحد أكثر ميادين المال جذباً للمغامرين والمستثمرين على حد سواء.
فمنصات التداول تَعِد، والمعلنون يُغْرُون، والقصص اللامعة عن «ثراء سريع» تتكاثر كأنها حقائق، لكن وراء تلك الواجهة اللامعة، يبرز سؤال جوهري: من يربح فعلاً من الفوركس؟
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
حديث الأرقام والإحصاءات
رغم ضخامة حجم التداول اليومي في سوق الفوركس والذي تجاوز سبعة تريليونات دولار يومياً وفقاً لتقرير بنك التسويات الدولية الصادر في عام 2022، فإن الصورة الحقيقية لمتداولي التجزئة لا تبدو مشرقة كما يُروَّج لها.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
وراء كل شمعة خضراء على الشارت، تختبئ آلاف الصفقات الخاسرة، وأحلام تلاشت في ضجيج الأخبار وسرعة التقلبات.
دراسات وإحصائيات موثقة: من يربح فعلاً؟
هيئة الرقابة المالية الفرنسية:
في دراسة موسعة أجرتها هيئة الرقابة المالية الفرنسية على نتائج 15 وسيطاً مرخصاً للفوركس خلال الفترة ما بين عامي 2009 و2012، كانت النتائج صارخة وصادمة في آنٍ معاً، حيث خلصت النتائج إلى أن أكثر من 89% من المتداولين الأفراد خسروا أموالهم خلال تلك الفترة، وبلغ متوسط الخسارة للفرد الواحد عشرة آلاف وتسعمئة يورو.
هيئة تداول السلع الآجلة الأميركية وهيئة NFA:
أما في الولايات المتحدة، حيث يُطلب من وسطاء الفوركس نشر بيانات الربح والخسارة بشكل دوري، فقد كشفت تقارير هيئة تداول السلع الآجلة الأميركية وهيئة NFA أن ما بين 70% إلى 80% من المتداولين الأفراد يخسرون أموالهم خلال أقل من عام، هذه الأرقام لم تأتِ من دراسة واحدة، بل من رصدٍ مستمر لسنوات طويلة.
شركة الوساطة العالمية FXCM:
في تقرير داخلي نشرته شركة FXCM، إحدى كبرى الشركات في هذا المجال، تبين أن أقل من 10% من عملائها يحققون أرباحاً مستدامة على المدى الطويل.
وقد لوحظ أن أولئك الذين يستخدمون أدوات إدارة المخاطر، مثل وقف الخسارة المتحرك، كانوا أقل عرضة للخسارة وأكثر قدرة على الصمود أمام تقلبات السوق.
شركة IG البريطانية:
تُعد شركة IG Group من أكبر شركات الوساطة في بريطانيا، وتشير إفصاحاتها المالية الدورية إلى أن نسبة العملاء الذين يحققون أرباحاً فصلية تتراوح غالباً بين 20 إلى 25%، وهذه النسبة رغم أنها أعلى من غيرها، فإنها تظل الأقلية.
إذاً من يربح حقاً من الفوركس؟
السؤال المشروع الذي يُطرح هنا: إذا كانت الأغلبية تخسر، فمن إذاً يربح؟
أولاً: المتداولون المحترفون
هم أولئك الذين لا يدخلون السوق كمن يدخل كازينو، هؤلاء يأتون بخطة تداول واضحة، يعرفون ما يفعلون، ويملكون انضباطاً استثنائياً في إدارة رؤوس أموالهم، لا يطاردون «الفرص الذهبية» في كل دقيقة، بل يراقبون، يحللون، ويتخذون قراراتهم بوعي.
ثانياً: المؤسسات الكبرى
في قمة هرم الرابحين تقف البنوك الاستثمارية وصناديق التحوط العالمية مثل غولدمان ساكس وجي بي مورغان وسيتاديل، التي تمتلك أدوات تحليل لا يمتلكها الأفراد، وسرعات تنفيذ تفوق سرعة الضوء، وقدرة على الوصول إلى الأخبار والسيولة من قلب السوق ذاته.
ثالثاً: شركات الوساطة نفسها
وهنا المفارقة، شركات الوساطة تربح دائماً تقريباً، سواء ربح العميل أو خسر، فهي تحقق أرباحها من فروق الأسعار والعمولات، وتقدم في كثير من الأحيان رافعة مالية ضخمة تجعل خسائر العميل تتضاعف بينما أرباحها تزداد بثبات.
الفوركس ليس يانصيباً
قد تصادف على يوتيوب من يخبرك أنه حوّل مئة دولار إلى عشرة آلاف في أسبوع، لكن ما لا يخبرك به هو أنه خسر عشرين ألف دولار قبله، أو أن قصته مجرد دعاية لبيع كورسات.
الواقع يقول إن التداول في الفوركس دون فهم وبدون أدوات تحليل حقيقية، يشبه إلى حد كبير المقامرة وليس الاستثمار.
نعم، الربح في الفوركس ممكن، لكنه صعب، ولا يأتي دون معرفة، تدريب، وخطة محكمة.
حين تتكلم الأرقام تخرس الوعود، فلا حاجة للتكهنات حين تتحدث الأرقام، فوفقاً لمصادر رسمية وهيئات رقابية موثوقة، الغالبية العظمى من المتداولين الأفراد في الفوركس يخسرون أموالهم، وغالباً خلال شهورهم الأولى، لا ينجو في هذا السوق إلا من تعلّم، وصبر، واحترم قوانين المال قبل قوانين السوق.
وإلى أن تتحول حماسة المتداول إلى انضباط، وتتحول الطموحات إلى خطة، سيظل الربح في الفوركس عملاً للمحترفين، وخسارةً مؤكدة للمخدوعين.