في أحد أكثر الأماكن برودة في العالم، وعلى بُعد نحو 1300 كيلومتر من القطب الشمالي، يقع قبو يوم القيامة (Svalbard Global Seed Vault) في جزيرة سبيتسبيرجين التابعة لأرخبيل سفالبارد النرويجي، هذا المخزن الذي يُعرف أيضاً باسم «قبو البذور العالمي»، يحمل في طياته قصة ملهمة لمشروع عالمي يهدف إلى حماية تراث البشرية الزراعي من الكوارث الطبيعية والبشرية.
الهدف من القبو
أنشئ قبو يوم القيامة ليكون بمثابة مستودع آمن للبذور الزراعية من مختلف أنحاء العالم.
ويهدف هذا القبو إلى حفظ عينات بذور من جميع النباتات الصالحة للزراعة، وذلك لضمان وجود مخزون احتياطي يمكن استخدامه في حالة حدوث كوارث طبيعية، أو حروب، أو تغيرات مناخية، أو أوبئة قد تؤدي إلى فقدان التنوع البيولوجي الزراعي.
وبعبارة أخرى، يُعتبر القبو بمثابة «شبكة أمان» لضمان بقاء الأنواع النباتية الحيوية للبشرية، وفقاً لموقع Svalbard Global Seed Vault.
بناء القبو وتصميمه
تم اختيار موقع القبو بعناية فائقة، حيث يتميز الموقع بوجود طبقات سميكة من الجليد الأبدي الذي يضمن درجات حرارة منخفضة جداً وثابتة.
وهذا الموقع يساعد في الحفاظ على البذور بحالة جيدة لفترات زمنية طويلة قد تصل إلى مئات السنين.
وبُني القبو داخل جبل صخري، حيث تغطيه طبقات من الجليد؛ ما يوفر حماية إضافية، كما أن تصميمه يحميه من الكوارث الطبيعية مثل الزلازل والفيضانات وحتى الانفجارات النووية.
وافتتح قبو يوم القيامة في فبراير 2008، بتمويل من الحكومة النرويجية ودعم من منظمات دولية مثل الصندوق العالمي لتنوع المحاصيل.
وتُدار هذه المنشأة الفريدة من قِبل المركز الدولي لتحسين الذرة والقمح (CIMMYT) بالتعاون مع مؤسسة التوسع الزراعي العالمية (Global Crop Diversity Trust).
عملية تخزين البذور
البذور التي تُحفظ في القبو تأتي من بنوك الجينات في جميع أنحاء العالم، إذ يتم إرسال العينات إلى القبو في عبوات معدنية محكمة الإغلاق، ومُصممة للحفاظ على البذور في درجات حرارة منخفضة تصل إلى -18 درجة مئوية.
ويتسع القبو لأكثر من 4.5 مليون عينة بذور، ويحتوي حالياً على ما يزيد على مليون عينة من أكثر من 6000 نوع نباتي مختلف.
أهمية القبو على المستوى العالمي
في عالم يشهد تغيرات مناخية سريعة وصراعات جيوسياسية متزايدة، يلعب قبو يوم القيامة دوراً حيوياً في الحفاظ على الأمن الغذائي العالمي، وذلك لأن البذور المحفوظة في القبو يمكن أن تُستخدم لإعادة بناء أنظمة زراعية تضررت أو دُمرت.
وعلى سبيل المثال، في عام 2015، اضطر بنك الجينات في حلب السورية، إلى سحب عينات من قبو سفالبارد بعد أن تضرر البنك المحلي بسبب الحرب.
ورغم التصميم المحكم للقبو، فإنه لا يخلو من التحديات، ففي عام 2017، أدت درجات الحرارة المرتفعة غير المعتادة إلى ذوبان بعض الجليد حول مدخل القبو، ما أثار مخاوف بشأن تأثيرات التغير المناخي على سلامة البذور المحفوظة، واستجابت السلطات النرويجية بسرعة لتعزيز البنية التحتية للقبو وضمان استمرارية دوره الحيوي.
ويُعتبر قبو يوم القيامة رمزاً للتعاون الدولي والتضامن في مواجهة التحديات العالمية؛ إذ إنه شاهد على التزام البشرية بحماية مواردها الحيوية وضمان مستقبل آمن للأجيال القادمة، في عالم مليء بالاضطرابات والتحديات، يمثل قبو البذور العالمي بادرة أمل ورمزاً لاستدامة الحياة على كوكب الأرض.