اختلفت الصورة العالمية كثيراً مقارنة بفترة ترامب الرئاسية الأولى؛ حروب على جبهات متعددة مستمرة منذ سنوات، واختلافات وتوترات تجارية واستثمارية بين الدول مترافقة مع ارتفاع هائل في الدين العالمي وتوقعات بتخطيه 100 تريليون دولار هذا العام، وتوسع في مجموعة بريكس وتحول نحو الذكاء الاصطناعي، هذا بينما سجّل عام 2024 أول ارتفاع بـ1.5 درجة بحرارة الأرض.. الحرب الباردة الثانية والنظام العالمي الجديد على الأبواب.
سياسات ترامب الداخلية سترفع التضخم وتقود لفائدة أعلى لفترة أطول
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
الولاية الثانية من سياسات ترامب المعروفة بمصطلحMAGAnomics والتي هي عبارة عن مزيج من التعريفات الجمركية والحمائية التجارية وتخفيض في الضرائب مترافق مع تضييق على الهجرة غير الشرعية ستأتي في ظل اقتصاد أميركي ينمو بقوة، وبالتالي ستكون ذات طبيعة تضخمية وستقود إلى عجز أعلى في الميزانية الأميركية وارتفاع في الدين أيضاً، حيث إن تمديد سياسات الخفض الضريبي التي أقرها ترامب لمدة 10 سنوات أخرى ستُضيف 4.6 تريليون دولار إلى الدين الأميركي المتفاقم أصلاً.
إن أي إشارة إلى ارتفاع التضخم ستجعل الفيدرالي يتمهل في سياسة خفض الفائدة والتيسير النقدي، فيما بقية البنوك المركزية الكبرى كالأوروبي وبنك إنجلترا تخفّض الفائدة.
سياسة الـMAGAnomics ستقوّي الدولار وسترفع العجز التجاري الأميركي.
فائدة أعلى -لفترة أطول- ودولار قوي سيؤثّران سلباً في الأسواق الناشئة والدول التي لديها نسبة مرتفعة من الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي ستفاقم خطورة الوصول إلى أزمة دين عالمية، وتهدد الاستقرار الاقتصادي الاجتماعي في الوقت الذي تنفق فيه 48 دولة على مدفوعات فوائد الدين أكثر مما تنفق على التعليم والصحة.
الحفر ثم الحفر!
إدارة ترامب ستُنعش صناعة النفط الأحفوري، وستُزيل التقييدات كلها على مناطق التنقيب من آلاسكا إلى خليج المكسيك وستسرّع عملية بناء خطوط الأنابيب.
تعتبر الولايات المتحدة من أكبر مصدري النفط والغاز في العالم، لا سيما مع العقوبات على روسيا وإبعادها عن السوق الأوروبية، وقد حافظت على مركزها كأكبر مصدر في العالم للغاز المسال في 2024.
إعطاء الحرية لصناعة النفط والغاز سترفع الإنتاج المحلي وتزيد المعروض العالمي وبالتالي ستضغط على أسعار النفط وستُشعل المنافسة في سوق الصادرات العالمية.. هذا قد يحمل بعض التأثير السلبي في ميزانيات دول الخليج العربي التي تعتمد على النفط بشكلٍ كبير.
التعريفات الجمركية والحمائية التجارية
التركيز على سياسات الحمائية التجارية -المبررة بحماية الأمن القومي الاستراتيجي- سيزيد التوتر في التجارة العالمية ويقود إلى إجراءات مضادة انتقامية.
العوائق التجارية وارتفاع حدة الحمائية ستضر بالتنافسية وتعطل الأسواق وسلاسل الإمداد العالمية.
تعريفات جمركية أعلى وأشمل على الصين -مع الأخذ بعين الاعتبار الحرب التكنولوجية القائمة حالياً- ستضر بالنمو، لكن الصين ستتخذ إجراءات مضادة منها التجارية ومنها تقييد الاستثمارات والتوسع في أسواق "الجنوب" العالمي، بالإضافة إلى تعميق العلاقات مع مجموعة بريكس+ والتكامل معها.
استراتيجياً، إن فصل العلاقات أو فتورها بين أميركا والاتحاد الأوروبي مع الصين سيلعب دوراً في صالح دول الخليج العربي، التي ستستفيد من اتفاقيات تجارية ثنائية وشراكات اقتصادية مع الصين.
إيقاف الالتزامات المناخية!
حتى مع صراع لوس أنجلوس لاحتواء الحرائق الهائلة التي لم تحصل في تاريخها، لكن لهجة ترامب والجمهوريين لا تزال بإنكار كل ما يتعلق بالتغيّر المناخي، ما يجعل التوقعات تصب بأن يعكس ترامب القوانين البيئية كلّها التي صدرت في حقبة بايدن، ويعكس التزامات أميركا كافة في ما يتعلق بالمناخ.
وبالعودة إلى الوراء، لا ننسى أن الولايات المتحدة انسحبت من اتفاقية باريس للمناخ في ولاية ترامب الأولى، وقلصت الإنفاق على تبنّي إجراءات محاربة التغيّر المناخي وتقليص مخاطره، والتأخر في محاربة التلوث الناتج عن غازات الدفيئة، لكن لم يتم الأخذ بالاعتبار حينها أن التغيّر المناخي لا يقتصر على دولة بذاتها ولا يعرف حدوداً.
العقد المقبل سيكون أكثر حرارة خصوصاً إذا لم يتم تعويض النقص الهائل في الاستثمارات المخصصة لمحاربة التغيّر المناخي.. هذا يتطلب ضخ استثمارات هائلة في الطاقة النظيفة والمتجددة وتكنولوجيا المناخ.
التغيّر في السياسات المناخية الأميركية يشكّل فرصة لدول الخليج العربي.. دول الخليج تستطيع البناء على الميزات التي تمتلكها بزيادة استثماراتها في الطاقات النظيفة، مستهدفة تصدير هذه الطاقات الفائضة بالإضافة إلى تصدير منتجات متعلقة بها كالألواح الشمسية والهيدروجين الأخضر ومشاريع تحلية المياه وتبريد المناطق والزراعة الصحراوية.
لا مزيد من الحروب!
إعلانات ترامب المتكررة عن "الاستحواذ" على غرينلاند أو جعل كندا الولاية الحادية والخمسين غالباً ما يتم تجاهلها، لكن من المتوقع ألّا تدعم إدارة ترامب أي حروب قائمة.
مهما كان قرار ترامب بدعم إعادة الإعمار في غزة ولبنان وسوريا، وكيفية تعامله مع الحرب الروسية الأوكرانية سيكون له تأثير عظيم على قطاع البنية التحتية وعلى قطاع النفط والغذاء على حد سواء.
بالتأكيد ستكون هناك تبعات كبرى لو كانت هناك خطط قادمة لاستخدام القوة العسكرية الأميركية بشكل أكبر، اللهجة المعادية للصين والمعادية لإيران قد تفضي إلى المزيد من المواجهات أو على الأقل المزيد من العقوبات؛ الحرب الباردة الثانية ستزداد سخونة!
إذا حدث هذا، فبالتأكيد المخاطر الجيوسياسية ستؤدي إلى زيادة الإنفاق الدفاعي، وتكلفة أكبر للتأمين على وتعثر الديون أو الـCDS، وتقلص الاستثمارات الرأسمالية والاستثمارات العابرة للحدود، وبالتالي ركود عالمي.
خلاصة القول إن الفترة الرئاسية الثانية لترامب ستكون مليئة بالمطبات
عنوان المرحلة سيكون "عدم اليقين"، العالم سينتظر أي سياسات سيطبقها ترامب من لحظة دخوله إلى البيت الأبيض في الـ20 من يناير الحالي.. ركود عالمي هو السيناريو الأقل حدوثاً إلّا إذا بدأت الدول جميعها تطبيق سياسة "أنا أولا" في التجارة الدولية -وهي السياسة التي يسوّق لها ترامب في الولايات المتحدة- وبالتالي الجميع سيخسرون.