كتبت نيكول جودكايند (CNN)
سجلت صناعة السيارات الأميركية العام الماضي أسوأ مبيعاتها منذ أكثر من عقد، لكن هذا ليس بالضرورة علامة سيئة للقطاع.
فما الذي يحدث؟
كان عام 2022 هو الأسوأ منذ أكثر من عشر سنوات بالنسبة لصناعة السيارات، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن الشركات المصنعة لم تستطع مواكبة طلب المستهلكين.
تسببت أزمة سلاسل التوريد والنقص في رقائق أشباه الموصلات، بالإضافة لأسعار الفائدة المرتفعة والمخزون المنخفض، في تراجع مبيعات السيارات، وهبطت المبيعات بنسبة ثمانية في المئة إلى 13.7 مليون سيارة في عام 2022، مقارنة بالعام السابق عليه، وأدنى إجمالي منذ عام 2011، وفقًا لشركة الأبحاث «واردز إنتليجنس».
بلغ متوسط مبيعات السيارات أكثر من 17 مليون سيارة سنويًا بين عامَي 2015 و2019، قبل جائحة كورونا، وفقًا لبيانات «واردز إنتليجنس».
هبطت مبيعات «ستيلانتيس»، الشركة الأم لكرايسلر ودودج وجيب، في الولايات المتحدة بنسبة 13 في المئة في عام 2022، وشهدت هوندا انخفاضًا بنسبة 33 في المئة، في حين كشفت شركة نيسان عن تراجع مبيعاتها بنسبة 25 في المئة.
وقالت تويوتا، عملاق صناعة السيارات، إن مبيعاتها في الولايات المتحدة قد هوت بنحو عشرة في المئة.
وظاهريًا قد يبدو هذا كأنه أخبار سيئة للغاية، لكن صناعة السيارات شهدت أرباحًا عالية جدًا، حتى مع انخفاض المبيعات، فقد حققت الشركات المحلية المصنعة للسيارات وقطع غيار السيارات أرباحًا بلغت 32 مليار دولار خلال الربع الثالث من عام 2022 (حسب أحدث البيانات المتاحة)، وهي الأكبر منذ عام 2016، كما أعلن وكلاء السيارات عن تحقيق أرباح قياسية خلال الربع الثالث، وفقًا لمستشاري بيع السيارات بالتجزئة «هيغ بارتنرز».
وذلك لأن طلب المستهلكين الضعيف في حقبة الوباء صار قويًا مع تحول العرض، ما سمح لشركات صناعة السيارات بزيادة أسعارهم وهوامش أرباحهم، إذ تم بيع السيارات والشاحنات بمجرد وصولها إلى الوكلاء، وارتفع متوسط السعر المدفوع للسيارة في ديسمبر كانون الأول إلى أعلى مستوى قياسي بلغ 46,382 دولارًا، وفقًا لشركة جي دي باور لأبحاث المستهلك والبيانات.
تُظهر البيانات المأخوذة من مؤشر أسعار المستهلكين لشهر نوفمبر تشرين الثاني الصادرة عن وزارة العمل أن الأميركيين يشترون السيارات بزيادة قدرها عشرون في المئة بالمقارنة مع عام 2019.
قد يستمر هذا الاتجاه هذا العام، إذ يتوقع موقع «إيدموندز» البحثي أن تصل مبيعات السيارات الجديدة إلى 14.8 مليون في عام 2023، بزيادة طفيفة عن العام الماضي، لكن أقل بكثير من مستويات ما قبل الوباء.
دخلت صناعة السيارات حقبة جديدة؛ خيارات أقل وأسعار أعلى وهوامش ربح أكبر، وعلى ما يبدو أن ذلك الوضع يعمل لصالح الصناعة.
ارتفاع السوق
يرى المحللون أن عام 2023 سيكون عامًا قويًا لهذه الصناعة، فمن المتوقع أن تنمو أرباح السهم لشركات السيارات المدرجة في مؤشر «إس آند بي 500» بنسبة 55 في المئة خلال العام، وفقًا لبيانات «فاكتست» لنظم البحوث.
قال فرانسيس سكوتلاند، مدير أبحاث الاقتصاد الكلي في شركة «براندي واين» لإدارة الاستثمار العالمية: «قطاع السيارات ينتعش، وأسعار السيارات بدأت في التزايد مع عودة عوامل العرض إلى طبيعتها، ما يؤدي إلى عودة زيادة الإنتاج والمخزونات والمبيعات من مستويات الركود».
وأعطى محللو بنك أوف أميركا توصيات شراء، في مذكرة هذا الأسبوع، لفورد وجنرال موتورز وفيراري ولوسيد موتورز وريفيان بناءً على تقديرات أرباحهم الأخيرة.
مخاوف وول ستريت
أظهر أحدث استطلاع أجرته جامعة ميشيغان أن المستهلكين يتوخون الحذر عند شراء سيارات في الوضع الحالي، مع الإشارة إلى ارتفاع الأسعار كعامل أساسي، كما ذكر استطلاع الرأي أن ارتفاع أسعار الفائدة والتضخم والركود المحتمل قد تدفع الأسعار بعيدًا عن متناول الأميركيين وتحد من الطلب على السيارات.
وقد أصبح تمويل السيارة أكثر تكلفة من أي وقت مضى بالنسبة للمستهلكين، إذ إن إحدى النتائج الرئيسية للزيادة في أسعار الفائدة هي أن معدلات قروض السيارات وصلت الآن إلى أعلى مستوى لها منذ عام 2010، ما قد يضغط على الطلب والأسعار.
وأشار البنك الدولي إلى أن الأسوأ قد يكون قادمًا، فبينما يستعد القادة السياسيون ورجال الأعمال للاجتماع في دافوس الأسبوع المقبل لمناقشة الاقتصاد العالمي، أعرب الاقتصاديون في البنك الدولي عن شعورهم بالتشاؤم، ويتوقعون المزيد من الكآبة في المستقبل، وفقًا لما ذكرته جوليا هورويتز الزميلة في سي إن إن.
خفض البنك الدولي توقعاته للنمو العالمي لعام 2023 بمقدار النصف تقريبًا، من ثلاثة إلى 1.7 في المئة.
وقال رئيس البنك الدولي، ديفيد مالباس، في بيان: «الأزمة التي تواجه التنمية تتفاقم مع تدهور النمو العالمي كما يظهر ذلك في الأفق».
وأشار البنك الدولي في تقريره المنشور هذا الأسبوع إلى أن التضخم المرتفع وسياسة البنك المركزي العنيفة وتدهور الأوضاع المالية وموجات الصدمة من الغزو الروسي لأوكرانيا كلها عوامل تؤثر على النمو.
وحذّر التقرير من أن «المزيد من الصدمات السلبية»، مثل ارتفاع معدلات التضخم وتشديد السياسة النقدية وزيادة التوترات الجيوسياسية، قد تكون كافية لتحفيز ظروف الركود.
وتوقع البنك نمو الاقتصاد الأميركي بنسبة 0.5 في المئة فقط في عام 2023.
وعلى صعيد آخر ترتفع أسعار الذهب، إذ يراهن المستثمرون على أن رفع أسعار الفائدة سوف يتباطأ وأن التضخم سيستمر في مساره الهبوطي وأن الارتفاعات الشديدة لأسعار الفائدة من جانب مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) ستنتهي قريبًا.
وسجلت العقود الآجلة للذهب أعلى مستوى لها في ثمانية أشهر يوم الأربعاء، إذ ارتفعت بنسبة 14 في المئة منذ أواخر نوفمبر تشرين الثاني لتصل إلى 1,882 دولارًا للأونصة، وفقًا لما ذكرته الزميلة آنا كوبان من سي إن إن.
ويُقبل المستثمرون على الأصول ذات العوائد المنتظمة، مثل السندات الحكومية، عندما ترتفع أسعار الفائدة، وتراجعت أسعار الذهب في أبريل نيسان من العام الماضي، عندما بدأ مجلس الاحتياطي الاتحادي في رفع أسعار الفائدة في محاولة لكبح التضخم المتسارع.
وعلى الرغم من تفاؤل المستثمرين، فإن مجلس الاحتياطي الاتحادي لم يشر إلى تحول في سياسته النقدية، إذ أكد محضر اجتماعه في ديسمبر كانون الأول، الذي صدر الأسبوع الماضي، أن هناك حاجة إلى «المزيد من الأدلة الجوهرية» لكي «يبتعد» عن مساره لمزيد من رفع أسعار الفائدة.