كتبت- هنا زيادي، CNN
وصل تصنيع السيارات في المملكة المتحدة إلى أدنى مستوى له في 66 عاماً في عام 2022، حيث أدى إغلاق مصنعين، والنقص العالمي في إنتاج أشباه الموصلات، وتأثير الإغلاق الناتج عن وباء كورونا في الصين على سلاسل توريد السيارات، إلى شل حركة الإنتاج.
إذ أظهرت الأرقام التي نشرتها جمعية مصنعي وتجار السيارات يوم الخميس، أن عدد سيارات الركاب المصنعة في بريطانيا انخفض بنسبة 10 في المئة على أساس سنوي ليصل حجم الإنتاج إلى 775.014.
ويعد ذلك أدنى مستوى للإنتاج تم تسجيله منذ عام 1956، بمعدل انخفاض بنحو 41 في المئة عن 1.3 مليون سيارة تم تصنيعها في عام 2019، أي قبل الوباء.
وعانت صناعة السيارات في المملكة المتحدة من سلسلة من الانتكاسات خلال الفترة الأخيرة، شمل ذلك إغلاق مصنع «هوندا» في سويندون في عام 2021، وإعلان شركة «بي إم دابليو» في أكتوبر تشرين الأول الماضي عن أنها ستنهي إنتاج الميني الكهربائية في أكسفورد خلال العام الجاري، وسيستمر المصنع في إنتاج سيارات تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي إلى أن يتم حظر تلك السيارات في عام 2030.
وجاءت الضربة الأخيرة الأسبوع الماضي، عندما أقدمت شركة البطاريات الناشئة «بريتيش فولت» على بدء عملية تقديم الأوراق الإدارية، الأمر الذي يشير إلى الإعلان عن الإفلاس في المملكة المتحدة.
وتطرح عملية إنهاء شركة «بريتيش فولت» العديد من التساؤلات حول ما إذا كان لتصنيع السيارات مستقبل في بريطانيا، في حال عدم توافر البطاريات التي تحتاج إليها لتشغيل السيارات الكهربائية.
كانت الشركة تخطط لبناء مصنع عملاق بتكلفة 3.8 مليار جنيه إسترليني (4.7 مليار دولار) في شمال إنجلترا، والذي مع اكتمال بنائه كان سينتج ما يكفي من البطاريات لأكثر من 300 ألف سيارة كهربائية سنوياً، أي ما يعادل 40 في المئة تقريباً من الإنتاج الحالي من السيارات في المملكة المتحدة.
نتيجة هذا الانسحاب من السوق، أصبحت شركة «أيه إي اس سي» المدعومة من الصين، والتي تزود «نيسان» بالبطاريات، الشركة المصنعة الوحيدة لبطاريات السيارات الكهربائية في المملكة المتحدة، خاصةً قبل الحظر الذي يلوح في الأفق على بيع سيارات البنزين والديزل مع حلول عام 2030، إذ من المقرر حظر السيارات الهجينة اعتباراً من عام 2035.
وصف آندي بالمر، الرئيس التنفيذي السابق لشركة أستون مارتن، انهيار شركة «بريتيش فولت» بأنه «كارثة غير قابلة للتخفيف لصناعة السيارات في المملكة المتحدة»، وذلك في مقابلة مع بي بي سي، وقال بالمر إن المملكة المتحدة ليست لديها القدرة الكافية لصناعة البطاريات لدعم طموحات الحكومة في مجال السيارات الكهربائية، «وهذا يعني أن صناعة السيارات البريطانية ستنتقل في نهاية المطاف إلى حيث تتواجد تلك البطاريات». وأضاف: «سيكون ذلك في وسط أوروبا».
وفي أعقاب انهيار «بريتيش فولت» أطلق المشرعون البريطانيون حملة من التحقيقات في جدوى تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية في المملكة المتحدة.
وقال دارين جونز، رئيس لجنة الأعمال بمجلس العموم، في بيان، «إن مستقبل تصنيع السيارات في المملكة المتحدة يعتمد بدرجة كبيرة على قدرتنا على تصنيع سيارات كهربائية، وتصديرها إلى الاتحاد الأوروبي»، وأضاف: «هذا يعني أننا بحاجة إلى إمدادات محلية من بطاريات السيارات الكهربائية، ويشير الوضع الراهن إلى تخلفنا كثيراً مقارنة بأجزاء أخرى من العالم».
لا مستقبل بدون سيارات كهربائية
قدر الباحثون في معهد فاراداي، وهو برنامج أبحاث رائد للبطاريات في بريطانيا، في يونيو حزيران الماضي أنه بحلول عام 2030، سيتم إنتاج أكثر من 1.5 مليون سيارة كهربائية في المملكة المتحدة، الأمر الذي يتطلب أكثر من 100 غيغاواط من الساعات كسعة للبطاريات بشكل سنوي، أي ما يعادل عمل خمسة مصانع عملاقة بكامل طاقتها.
ووفقاً للتقرير، تمتلك بريطانيا حالياً 36.9 غيغاواط فقط من الطاقة المخطط لها لعام 2030.
وفي المقابل، فإنه من المتوقع أن تصل قدرة المصنع الأوروبي العملاق لعام 2030 إلى أكثر من 1100 غيغاواط في أكثر من 40 مصنعاً، فمن المتوقع أن يصبح مصنع «تسلا» للبطاريات في ألمانيا من أكبر خطوط الإنتاج.
وقال الباحثون في التقرير، «تحرز المملكة المتحدة تقدماً، لكنها لا تتحرك بالسرعة الكافية مقارنةً بمنافسيها في أوروبا وخارجها».
وأضافوا أن بناء مصانع عملاقة يستغرق سنوات طويلة، لذلك سيقرر صانعو السيارات في غضون العامين إلى الثلاثة الأعوام القادمة ما إذا سيكون موقع إنتاج السيارات الكهربائية في المستقبل في المملكة المتحدة أو أوروبا.
كما سيسهم قانون خفض التضخم الأميركي، الذي يقدم إعفاءات ضريبية للشركات التي تصنع مدخلات لمشاريع الطاقة الخضراء في أميركا، في ريادة حدة المنافسة.
وفي حديثه إلى المراسلين يوم الأربعاء، قال الرئيس التنفيذي لشركة «إس إم إم تي»، مايك هاوز، إن على حكومة المملكة المتحدة «القيام بشيء ما» للرد على قانون التضخم، الذي من المتوقع أن «يمتص الاستثمار» ويوجهها نحو صناعة السيارات الكهربائية الأميركية.
ووفقاً لهاوز، فإنه يجب على الحكومة أيضاً معالجة تكاليف الطاقة المرتفعة من خلال تقديم الإعانات، وتحفيز الاستثمار في تقنيات الانبعاثات الصفرية، يشمل ذلك البطاريات.
إضافة إلى ما سبق، ساهمت اتفاقية البريكزيت (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي) في زيادة معاناة الصناعة إلى حد الموت البطيء»، إذ أدت سنوات من عدم اليقين بشأن شروط الصفقة التجارية إلى تحويل اتجاه الاستثمار نحو خطط طوارئ وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بدلاً من توجيهها نحو التقنيات الحديثة.
وتبقى المخاطر، إذ إن اتفاقية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وشروطها الحازمة حلت محل اتفاقية الاتحاد الأوروبي، التي تتضمن «قواعد المنشأ»، والمتوقع أن تدخل حيز التنفيذ بدءاً من العام المقبل.
سيتطلب ذلك أن يكون الحجم الأكبر من التبادل التجاري الخاص بأجزاء وقطع غيار السيارات الكهربائية بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، من إحدى المنطقتين، وذلك تجنباً للرسوم الجمركية الباهظة.
وبحسب هاوز، فإن جميع الأطراف غير مستعدة بعد، للوفاء بالموعد النهائي وقال إن «العلاقة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، خاصةً عند التحول نحو الكهرباء، لا تزال جوهرية لإنجاح عملية تصنيع السيارات في المملكة المتحدة».
وعلى الرغم من التحديات المتصاعدة، فإن هاوز متفائل بشأن مستقبل صناعة السيارات في بريطانيا، ويتوقع أن يعود إنتاج السيارات إلى أكثر من مليون سيارة خلال العامين المقبلين، إذ حققت مصانع المملكة المتحدة رقماً قياسياً بإنتاج نحو 234,066 سيارة كهربائية خلال عام 2022، أي ما يقرب من ثلث إجمالي إنتاج السيارات في المملكة المتحدة.
وأضاف هاوز، أن انهيار «بريتيش فولت» «مخيب للآمال، لكنه ليس نهاية العالم».
وأضاف، «أعتقد أن هناك خطراً من أن نتحدث عن أنفسنا كثيراً على خلفية «بريتيش فولت»، مشيراً إلى أن موقع الشركة الناشئة من المرجح أن يجتذب مستثمراً آخر نظراً لقربه الجغرافي من مصادر الطاقة المتجددة، وسهولة الوصول إلى ميناء المياه العميقة.
وذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز» أن أكثر من اثنتي عشرة شركة، بما في ذلك شركات صناعة السيارات، أعربت بالفعل عن اهتمامها بشراء أرض المصنع.
فعلى سبيل المثال، فإن أستون مارتن وجاكوار لاند روفر، المملوكتين لشركة تاتا موتورز الهندية، قد أعربتا عن تفاؤلهما بشأن آفاق تصنيع السيارات الكهربائية في المملكة المتحدة.
إذ أعلنت شركة «جاكوار لاند روفر» يوم الأربعاء، أنها تقوم بتحويل منشأة «سولي هال» الخاصة بها والواقعة بين برمنغهام وكوفنتري لتصنيع سيارات «جاكوار» و«رينج روفر» كهربائية. وقالت الشركة، «إن استثماراتنا المستمرة في منشآتنا في المملكة المتحدة ينبئ بعصر جديد ومثير من إنتاج السيارات الكهربائية في المملكة المتحدة».
وقالت «أستون مارتن»، التي تبيع نحو 6000 سيارة سنوياً، لشبكة CNN، إن إخفاق شركة «بريتيش فولت» لن يكون له أي تأثير يذكر على استراتيجيتها في مجال السيارات الكهربائية، خاصةً مع استهداف إطلاق أول سيارة كهربائية خالصة من أستون مارتن بحلول عام 2025.