«الليرة اللبنانية بخير، والودائع في المصارف موجودة»، هكذا قال حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، أثناء مثوله أمام المحامي العام التمييزي القاضي عماد قبلان أواخر مايو أيار، وذلك قبيل بدء تطبيق التعميم رقم 165 مطلع يونيو حزيران الجاري، والمتعلق بعمليات التسوية الإلكترونية للمبالغ النقدية.
ويمتلك لبنان امتيازاً حصرياً عن باقي الدول بكون المقاصة في «المصرف المركزي» تتم بشكل داخلي ومستقل عن المقاصة الأميركية، أي من دون أي رقابة خارجية تمنع الحصول على دولارات وهمية أو غير موجودة.
ويقول جان طويلة -الخبير الاقتصادي وعضو مجلس إدارة الجمعية اللبنانية للمكلفين- لـ«CNN الاقتصادية»، إن التعميم الصادر في 19 أبريل نيسان الماضي يقضي «بالسماح لمصرف لبنان بفتح حسابات جديدة بالليرة اللبنانية والدولار على أن تكون مخصصة حصراً للتحويلات الإلكترونية ولتسوية مقاصة الشيكات بالأموال النقدية، أي تلك الأموال التي دخلت الجهاز المصرفي بعد (نوفمبر) تشرين الثاني 2019، وفق التعريف السائد».
شطب الودائع
حذر طويلة من الفارق الذي رسخه التعميم 165 بين الأموال الجديدة والأموال «الفريش»، واصفاً إياه بالخطير في ضوء المعاملة الخاصة والمختلفة التي ستنال الودائع القديمة التي باتت مهددة بالشطب، حيث لا قدرة للدولة ولا للنظام المصرفي على ردها لأصحابها.
كما لفت إلى أن مثل هذه القرارات تستوجب تشريعات تصدر عن المجلس النيابي، مخافة أن توسم بعدم الشرعية في ظل غياب أي عمليات إصلاح من خلال الحوكمة أو المحاسبة على الجرائم المالية والنقدية.
أهمية القرار
يشرح سمير حمود، الرئيس السابق لهيئة الرقابة على المصارف، قائلاً «السوق اللبنانية تعاني من تداول الكتلة النقدية بالدولار الأميركي الورقي ومن ضعف عمليات التبادل بين المصارف».
وأضاف «أهمية التعميم تكمن في سحب الدولار النقدي الورقي من السوق اللبنانية وتحويله إلى أدوات مصرفية داخلية سواء عبر شيكات أو بطاقات مسبقة الدفع».
ويقول طويلة «لطالما شكّل اقتصاد الكاش علامة حمراء على لبنان، الأمر الذي دفع مجموعة العمل المالي إلى التلميح بتصنيف لبنان على القوائم الرمادية، ولعل التعميم 165 أرجأ الشروع بهذا الموضوع».
تلازم ذلك مع تقدم نقابة المحامين في لبنان أواخر الشهر الماضي بطعن أمام مجلس الشورى -أعلى هيئة قضائية لبنانية تبت في أمور الإدارة العامة- لإبطال القرار رقم 22 الصادر عن مجلس الوزراء بتاريخ 18 أبريل نيسان، والذي يرتكز عليه التعميم 165 فيما يتعلق بتصنيف الودائع إلى قديمة وجديدة.
تحرك نقابة المحامي
جاء في البيان الصادر عن النقابة أن القرار 22 ينص على الطلب «من مصرف لبنان، وبعد ثلاث سنوات من الانهيار، إلزام المصارف بوضع سقف للسحوبات المتاحة، وتثبيت التمييز بين الودائع التي يعتبرها قديمة (أي المودعة في المصارف قبل 17 أكتوبر تشرين الأول 2019) دون أن يسميها، والأموال الجديدة التي أطلق عليها تسمية (Fresh)، دون أن يعرّف عنها، ربما بهدف إضفاء الطابع الشرعي على كل الأموال التي دخلت القطاع المصرفي بعد هذا التاريخ ولا يُعرف مصدرها الحقيقي في الكثير من الأحيان».
ونص البيان أن «القرار 22 يشكل تجاوزاً لحد السلطة، صادراً عن مرجع غير مختص ومخالفاً لمبدأ المساواة وحق الملكية المنصوص عليهما في الدستور، ويجب وقف تنفيذه لتجنيب المودعين وسائر المواطنين تحمل أضرار بالغة وجسيمة».
وأرجأ بيان النقابة الطعن بالتعميم 165 نفسه بعد استيضاح قدّمه المركزي يفسر أن الهدف من هذا التعميم هو تسهيل المعاملات المصرفية ومكافحة الاقتصاد النقدي والامتثال لمعايير مكافحة غسل الأموال.
المقاصة الاستثنائية
يمتلك لبنان امتيازاً حصرياً عن باقي الدول بكون المقاصة في المصرف المركزي تتم بشكل داخلي ومستقل عن المقاصة الأميركية، أي من دون أي رقابة خارجية تمنع الحصول على دولارات وهمية أو غير موجودة.
ويتخوف طويلة من إعادة العمل بمقاصة الدولار كما درجت العادة سابقاً، والتي كانت السبب الرئيسي للانهيار الذي وصل إليه لبنان، ويقول «هذا الأمر هو فريد من نوعه في العالم كله، وهو نتاج الهندسة المالية المتبعة عبر السنوات الماضية»، متسائلاً عن الضوابط المتوفرة لمنع الدخول في «بونزي سكيم» جديد.
ويضيف حمود أن «المقاصة الداخلية بالعملة الأجنبية -خاصة الدولار- كانت ظاهرة فريدة واستثنائية موجودة فقط في لبنان وترافقت مع سياسة الإقراض بالعملة الأجنبية، هذه الأمور أدت الى خلق موجودات بالعملة الأجنبية، ولو أن هذه الموجودات مقومة بالدولار لكنها لا تنتج دولارات، فتكون بلا تغطية حقيقية لها بالعملة الأجنبية».
وتابع أنه بانتهاج هذه السياسات خرج مصرف لبنان من دوره الأساسي كملاذ أخير قادر على طبع العملة عند الأزمات، ليكون مجرد بنك احتياطي لعملة أجنبية لا يقدر على طبعها.
دولرة الودائع
يرى حمود أن التعميم 165 هو حل لتداعيات الأزمة ولا يعالج الأزمة نفسها، ويقول «يعيدنا هذا التعميم إلى وضعية الدولرة من جديد في المصارف والمركزي، والحل الوحيد يكمن في ابتعاد المصرف المركزي عن دوره بالعملة الأجنبية وخلق كيانات مصرفية قادرة على الامتثال لمعايير بازل الدولية».
من جانبه، يقول بول مرقص، المحامي ومؤسس «جوستيسيا الحقوقية»، إن «هذه العمليات ليست إلا ابتكاراً لحلول أو ترميم وضعيات قائمة لإدارة الأزمات وليست حلولاً إنقاذية كبيرة في ظل الوضع المتردي».