تسارعت المخاوف المرتبطة بالمؤسسات المالية التي يُطلق عليها اسم «بنوك الظل»، خاصة مع استمرار ارتفاع أسعار الفائدة لفترة طويلة من الوقت، ما يهدد باستقرار النظام المالي العالمي، فما هي؟ ولماذا أثارت هذه المخاوف؟

تلعب البنوك دوراً رئيسياً في الاقتصاد، إذ تدعم نظام الائتمان من خلال أخذ الأموال من المودعين وإنشاء ائتمانات جديدة لتقديم القروض، لكن يتعين على البنوك عادة أن تعمل مع قدر كبير من التدقيق من جانب الهيئات التنظيمية المالية في بلدانها الأصلية وفي جميع أنحاء العالم، على عكس ما يعرف بـ«بنوك الظل».

ويمكن وصف «بنوك الظل» بأنهم الوسطاء الماليون أو المؤسسات المالية غير المصرفية التي تشارك في الإقراض والائتمان، لكنها لا تخضع للرقابة التنظيمية، أو تواجه رقابة محدودة.

كيف ظهرت «بنوك الظل»؟

كانت المؤسسات المالية غير المصرفية موجودة قبل وقت طويل من الأزمة المالية لعام 2008، وأطلق عليها الاقتصادي بول ماكولي لقب «بنوك الظل» لوصف طفرة التوسع لهذه المؤسسات التي توفر الإقراض السهل للشركات والأفراد بعيداً عن البنوك المصرفية.

ورغم أن مصطلح «الظل» يبدو شريراً إلى حد ما، فإن العديد من شركات الوساطة والاستثمارات المعروفة تشارك في نشاط الظل المصرفي، وتعد «ليمان براذرز» و«بير ستيرنز» من أكبر المؤسسات المالية غير المصرفية شهرة، التي كانت في قلب الأزمة المالية عام 2008.

وشهدت بنوك الظل نمواً سريعاً منذ الأزمة المالية العالمية، ويعادل حجمها الآن حجم البنوك في العديد من البلدان، وفي عام 2022 استحوذت على ما يقرب من نصف إجمالي الأصول المالية العالمية، وفقاً لدراسة أجراها مركز أبحاث السياسات الاقتصادية (سي إي بي آر).

وتكشف الدراسة أنه بين عامي 2012 و2022، نمت أصول بنوك الظل بنحو سبع نقاط مئوية في المملكة المتحدة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل ثلاث نقاط مئوية في إيطاليا، ونقطتين مئويتين في اليابان، ونقطة مئوية واحدة في الولايات المتحدة، في حين تضاعفت تقريباً في البرازيل وجنوب إفريقيا.

ورغم صعوبة تحديد سبب هذا النمو المشهود حتى عام 2022، رجحت الدراسة أن تكون الدوافع الرئيسية هي بيئة أسعار الفائدة المنخفضة، بجانب انخفاض تقلب أسعار الأصول بشكل عام، فضلاً عن التقدم التكنولوجي والإصلاحات المالية.

وتستخدم المؤسسات المالية غير المصرفية بشكل عام الأدوات التي تنطوي على قدر أقل من المخاطر، الأمر الذي يمكن أن يفيد المقترضين، كذلك نظراً لأن هذه المؤسسات لا تتمتع بميزانيات عمومية عالية الاستدانة وليست أساسية لنظام الدفع مثل البنوك، فإن فشل المؤسسات المالية غير المصرفية الفردية يميل إلى أن تكون له عواقب أقل نظامية على الاقتصاد.

ومع ذلك، تأتي بنوك الظل مصحوبة بمخاطر خاصة بها تتعلق بالترابط والتفاعلات بين السيولة والروافع المالية، وأعرب المنظمون في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في الشهور الأخيرة عن مخاوف متزايدة بشأن المخاطر النظامية التي قد تكون مرتبطة ببنوك الظل، خاصة في مجالات مثل الائتمان الخاص والإقراض للصناديق الخاصة، التي تتأثر سلباً مع استمرار ارتفاع أسعار الفائدة لفترة أطول مما تتوقعه السوق.

أسعار الفائدة وأزمة بنوك الظل

إن فترات الضغط المرتبطة بالمؤسسات المالية غير المصرفية نادرة ويمكن أن تنجم عن العديد من الصدمات، لكن يبدو أنها زادت في تواترها في السنوات القليلة الماضية بداية من أزمة جائحة كورونا، والتوترات التجارية، ومؤخراً بداية الحرب في أوكرانيا وتسارع معدلات التضخم العالمية التي دفعت البنوك المركزية لرفع أسعار الفائدة إلى مستويات تاريخية.

وهنا تظهر أزمة تواجه بنوك الظل تتعلق بارتفاع أسعار الفائدة، إذ إنه لا تستطيع هذه المؤسسات الوصول إلى الودائع الرخيصة، وبالتالي يجب عليها تمويل نفسها بمعدلات أعلى من منافسيها من البنوك.

وبما أن الفارق بين أسعار السوق وأسعار الفائدة على الودائع يتزايد عند أسعار الفائدة المرتفعة، فإن ضغوط المنافسة التي تواجه بنوك الظل تكون أكثر حدة في بيئة أسعار الفائدة المرتفعة، وهو ما يظهر في الآونة الأخيرة في قطاع الائتمان الخاص، على سبيل المثال تجري شركة الأسهم الخاصة فيزيتا إيكوتي محادثات للتنازل عن شركتها بلورال سايت المتخصصة في الائتمان الخاص، في أول عملية إعادة هيكلة كبرى لديون شركة اقترضت من بنوك الظل.

تعزيز الرقابة على بنوك الظل

قال بنك الاحتياطي الفيدرالي في اقتراح الأسبوع الماضي إن نمو بنوك الظل يشكل مخاطر على النظام المصرفي العالمي بسبب عجزه عن مواكبة أسعار الفائدة المرتفعة، لكن نقص البيانات يعوق قدرته على قياس ومراقبة ونمذجة المخاطر الناجمة عن هذه التعرضات تحت الضغط المستمر.

ويسعى الاقتراح إلى إصلاح ذلك من خلال البحث عن المزيد من «المعلومات الدقيقة» حول إقراض بنوك الظل في شكل يجمع بيانات مفصلة على مستوى القروض لإجراء اختبارات الضغط على هذه البنوك، ومن المحتمل أن يبدأ جمع هذه البيانات في نهاية العام أو الربع الأول من عام 2025.

وبالمثل، اقترحت المفوضية الأوروبية إنشاء محاكاة للصدمات التي يتعرض لها النظام المصرفي العالمي على بنوك الظل، بهدف فهم المخاطر التي تواجه المقرضين بشكل أفضل.

وقالت ميريد ماكجينيس، مفوضة الاتحاد الأوروبي للخدمات المالية والأسواق، في خطاب ألقته الأسبوع الماضي في بروكسل، إن هذه الخطوة من شأنها زيادة قدرة المشرفين على اكتشاف المخاطر ونقاط الضعف في نظام الظل المصرفي.