جيروم باول، وكريستين لاغارد، وكازو أويدا هم من أبرز صناع القرار الاقتصادي في العالم، حيث يشغلون مناصب قيادية في المؤسسات المالية الأكثر تأثيرًا على الاقتصاد العالمي.
ويقود باول مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، بينما تترأس لاغارد البنك المركزي الأوروبي، ويتولى أويدا رئاسة بنك اليابان. تتحكم سياساتهم النقدية، مثل تحديد أسعار الفائدة وبرامج التيسير الكمي، في اتجاه الاقتصادات الكبرى، ما يؤثر بشكل مباشر على التجارة العالمية، والاستثمارات، وأسعار العملات. من خلال قراراتهم، يتحكمون عمليًا في الاقتصاديات التي تمثل أكثر من نصف الناتج الإجمالي العالمي، مما يجعل تأثيرهم يمتد عبر قارات العالم
.
وقد تعدّل البنوك المركزية الكبرى السياسة النقدية بشكل أكبر عام 2025، مع إصرار البنك المركزي الأوروبي على أن «عملية انكماش التضخم تسير على المسار الصحيح»، لكن بنك الاحتياطي الفيدرالي قد يغيّر مساره بوتيرة أبطأ مع توقع رئيسه جيروم باول وشركته تخفيضات أقل في أسعار الفائدة للعام المقبل.
الاحتياطي الفيدرالي الأميركي
أقرت لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية بأن «موقفنا السياسي أصبح الآن أقل تقييداً بشكل كبير»، بعد خفض أسعار الفائدة الأميركية بمقدار 25 نقطة أساس أخرى في اجتماعها الأخير لعام 2024، وقال البنك المركزي «يمكننا بالتالي أن نكون أكثر حذراً بينما نفكر في المزيد من التعديلات على سعر الفائدة لدينا».
يبدو أن اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة ستقول إنها على المسار الصحيح لتخفيف سياستها التقييدية بشكل أكبر عام 2025، ولكن اللجنة قد تستمر في تعديل توجيهاتها المستقبلية، حيث يُظهِر التحديث لملخص التوقعات الاقتصادية أن «متوسط المشاركين يتوقعون أن يكون المستوى المناسب لسعر الفائدة على الأموال الفيدرالية 3.9% في نهاية العام المقبل» مقارنة بتوقعات 3.4% في اجتماع سبتمبر.
في المقابل، قد تستمر التكهنات المحيطة بسياسة بنك الاحتياطي الفيدرالي في التأثير على أسواق الصرف الأجنبي مع إصرار الرئيس باول وشركته على أن «السياسة النقدية سوف تتكيف من أجل تعزيز أهدافنا المتعلقة بالتشغيل واستقرار الأسعار على أفضل وجه»، وقد يتفوق الدولار الأميركي على نظرائه الرئيسيين عام 2025 إذا أظهرت اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة استعداداً أكبر لمكافحة التضخم بشكل أكبر.
بزوغ نجم جيروم باول.. رجل التحولات الكبرى
وفي عام 2024، برز جيروم باول كأحد أبرز الشخصيات الاقتصادية نتيجة لسياسته النقدية الحاسمة التي واجهت التحديات الاقتصادية المتزايدة في الولايات المتحدة والعالم، في ما يلي أبرز التفاصيل التي جعلت من عام 2024 عاماً فارقاً في مسيرته:
1. مواجهة التضخم المستمر
على الرغم من انخفاض معدلات التضخم مقارنة بالذروة التي شهدها العالم في 2022-2023، استمر الاقتصاد الأميركي في مواجهة ضغوط تضخمية بسبب ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء. اعتمد باول سياسة متوازنة:
رفع تدريجي لأسعار الفائدة مع مراقبة تأثيرها على سوق العمل.
استخدام أدوات الفيدرالي غير التقليدية لدعم استقرار الأسواق المالية.
2. استقرار القطاع المصرفي بعد الأزمة المصرفية المصغرة (2023)
بعد موجة من التحديات التي واجهتها البنوك الإقليمية في 2023، عمل باول على إعادة بناء الثقة في القطاع المصرفي من خلال:
تعزيز لوائح رأس المال للبنوك الصغيرة والمتوسطة.
تقديم دعم احترازي من خلال أدوات السيولة لضمان استقرار النظام المصرفي.
3. إعادة تقييم سياسات الفائدة
رغم الانتقادات الواسعة، دافع باول عن استمرارية سياسة رفع أسعار الفائدة بحجة:
الحاجة لكبح التضخم قبل أن يصبح جزءاً هيكلياً من الاقتصاد.
حماية الدولار الأميركي كعملة احتياطية عالمية.
4. دور قيادي في القضايا الدولية
على المستوى الدولي، شارك باول في مبادرات لتعزيز التعاون النقدي بين الاقتصادات الكبرى، مع التركيز على:
مواجهة التباطؤ الاقتصادي في الصين وتأثيره على الأسواق العالمية.
معالجة آثار الحروب الاقتصادية والتوترات الجيوسياسية على التدفقات المالية والاستثمارية.
5. التحديات البيئية وتأثيرها على الاقتصاد
برز باول كمؤيد لتقييم المخاطر المناخية في السياسات النقدية والاقتصادية، وأشرف على إدراج اعتبارات المخاطر البيئية ضمن تقييمات النظام المالي الأميركي.
6. تأثير قراراته على الأسواق
شهدت الأسواق العالمية تذبذباً حاداً بسبب تصريحاته وقراراته:
زيادة استثمارات الملاذ الآمن كالذهب والسندات الحكومية.
توجيه رؤوس الأموال نحو الأسهم المرتبطة بالتكنولوجيا والطاقة المتجددة، التي استفادت من التوجهات المستقبلية.
الخلاصة
تميز جيروم باول في 2024 بقدرته على مواجهة الضغوط السياسية والاقتصادية واتخاذ قرارات متوازنة للحفاظ على استقرار الاقتصاد الأميركي، ما عزز مكانته كأحد أبرز صانعي السياسة النقدية في العالم.
البنك المركزي الأوروبي
خفض البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة في منطقة اليورو بمقدار 25 نقطة أساس في ديسمبر كانون الأول، وربما يواصل مجلس الإدارة تغيير مساره في عام 2025، حيث «تشير معظم مقاييس التضخم الأساسي إلى أن التضخم سوف يستقر عند نحو هدفنا المتوسط الأجل البالغ 2% على أساس مستدام».
يبدو أن البنك المركزي الأوروبي سوف يلتزم بدورة خفض أسعار الفائدة، حيث يتوقع الموظفون الآن تعافياً اقتصادياً أبطأ مما كان في توقعات سبتمبر، وقد يخفف مجلس الإدارة سياسته التقييدية بوتيرة أسرع، حيث كشفت الرئيسة كريستين لاغارد عن «بعض المناقشات، مع بعض المقترحات للنظر ربما في 50 نقطة أساس».
ونتيجة لهذا، قد يبدو مجلس الإدارة أكثر تشاؤماً عام 2025 مع تطور التضخم الأساسي بشكل عام بما يتماشى مع العودة المستدامة للتضخم إلى المستوى المستهدف، ويبقى أن نرى ما إذا كان البنك المركزي الأوروبي سيصل إلى سعر الفائدة المحايد قبل نظيره الأميركي وسط المراجعة الصعودية في مخطط أسعار الفائدة لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي.
كريستين لاغارد.. حسابات متوازنة وسط مخاطر الركود
كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي (ECB)، برزت بشكل ملحوظ في عام 2024 بفضل إدارتها الديناميكية للسياسة النقدية في منطقة اليورو خلال فترة مليئة بالتحديات الاقتصادية العالمية والمحلية، إليك التفاصيل التي جعلت من عام 2024 عاماً استثنائياً في مسيرتها المهنية:
1. إدارة التضخم بطريقة مبتكرة
بعد أزمة التضخم التي اجتاحت أوروبا في السنوات السابقة، قدمت لاغارد نهجاً غير تقليدي للتحكم في الأسعار مع مراعاة النمو الاقتصادي:
استراتيجية تدريجية لرفع الفائدة: بدلاً من الزيادات الحادة، اعتمدت لاغارد زيادات محسوبة في معدلات الفائدة لدعم القطاعات الإنتاجية.
استهداف التضخم الهيكلي: ركزت على معالجة أسباب التضخم الأساسية مثل ارتفاع تكاليف الطاقة والاضطرابات في سلاسل التوريد.
2. دعم الاقتصاد الأخضر
كانت لاغارد في طليعة القادة الذين دمجوا الاعتبارات المناخية في السياسة النقدية:
إطلاق السندات الخضراء: وسّعت برامج شراء الأصول لدعم الاستثمارات المستدامة والطاقة المتجددة.
تقييم مخاطر المناخ: أدرجت المخاطر البيئية ضمن سياسات البنك المركزي لضمان استقرار النظام المالي في مواجهة تغير المناخ.
3. تعزيز الوحدة الاقتصادية في منطقة اليورو
لعبت لاغارد دوراً بارزاً في تعزيز التعاون بين دول منطقة اليورو، مع التركيز على:
سياسات مالية متناسقة: العمل مع الحكومات الأوروبية لتبني سياسات مالية تدعم السياسات النقدية.
صندوق التعافي الأوروبي: التأكيد على تنفيذ خطط التعافي الاقتصادي من خلال توجيه التمويل إلى الدول الأكثر تضرراً.
4. مواجهة التحديات الجيوسياسية
في ظل التوترات الجيوسياسية التي أثرت على أوروبا، مثل الحرب في أوكرانيا والتوتر مع روسيا، قادت لاغارد جهوداً لدعم استقرار الأسواق من خلال:
ضمان توفر السيولة: توفير خطوط ائتمان للمصارف الأوروبية لمواجهة أي نقص في السيولة.
دعم سلاسل الإمداد: تنسيق الجهود مع المؤسسات المالية لضمان تدفق السلع الأساسية مثل الطاقة والغذاء.
5. إطلاق اليورو الرقمي
كان عام 2024 عاماً حاسماً في مشروع اليورو الرقمي:
أكملت لاغارد المرحلة التجريبية لليورو الرقمي وأطلقت الخطط لتطبيقه في المستقبل القريب.
أكدت أن العملة الرقمية ستعزز الشمول المالي وتزيد من كفاءة النظام المصرفي.
6. تعزيز دور البنك المركزي الأوروبي عالمياً
ركزت لاغارد على تعزيز مكانة البنك المركزي الأوروبي كقوة عالمية في مجال السياسة النقدية:
التنسيق مع الاحتياطي الفيدرالي وبنك إنجلترا: لضمان استقرار الأسواق المالية العالمية.
تعزيز اليورو كعملة احتياطية دولية: من خلال تقوية الاقتصاد الأوروبي وجذب المستثمرين.
7. تأثير قراراتها على الأسواق
قرارات لاغارد في 2024 حققت توازناً بين السيطرة على التضخم ودعم النمو، ما انعكس إيجاباً على:
استقرار اليورو مقابل الدولار.
تحسن أداء الأسهم الأوروبية، لا سيما في القطاعات الخضراء.
زيادة الثقة في الاقتصاد الأوروبي من قبل المستثمرين العالميين.
فبفضل رؤية لاغارد الاستراتيجية وقدرتها على التعامل مع التحديات المتشابكة، برزت كريستين لاغارد في عام 2024 كواحدة من أبرز القادة الاقتصاديين في العالم، ما عزز دورها كرائدة في المجال المالي العالمي.
بنك اليابان المركزي
وفي الوقت نفسه، صوّت بنك اليابان بأغلبية 8 مقابل 1 على إبقاء سعر الفائدة القياسي حول 0.25% في ديسمبر كانون الأول، وربما يحتفظ البنك المركزي بالسياسة الحالية خلال الأشهر المقبلة، حيث من المتوقع أن يرتفع التضخم الأساسي لأسعار المستهلك تدريجياً.
ونتيجة لهذا، قد يستمر الين الياباني في العمل كعملة تمويلية مع بقاء بنك اليابان متردداً في متابعة دورة رفع أسعار الفائدة، ولكن قد يتعرض المحافظ كازو أويدا وشركاه لضغوط لتطبيق أسعار فائدة أعلى، حيث من المرجح أن يستمر اقتصاد اليابان في النمو بوتيرة أعلى من معدل نموه المحتمل.
وبناءً على ذلك، قد تتراجع تجارة الفائدة بشكل أكبر عام 2025، إذا تبنى بنك اليابان توجيهات متشددة، وقد يواجه الين الياباني زيادة في التقلبات خلال الأشهر المقبلة مع استمرار البنوك المركزية الكبرى في تغيير سياساتها.
كازو أويدا.. عين على اليابان وأعين على أميركا
رئيس البنك المركزي الياباني (Bank of Japan-BOJ) في عام 2024، كازو أويدا، أصبح نجماً لامعاً في الساحة الاقتصادية العالمية بفضل سياسته النقدية الجريئة وقدرته على إدارة التحديات الفريدة التي تواجه الاقتصاد الياباني، إليك التفاصيل التي جعلت من عام 2024 عاماً استثنائياً بالنسبة له:
1. إعادة صياغة سياسة التحكم في منحنى العائد (YCC)
بعد سنوات من السياسة النقدية فائقة التيسير، أعلن أويدا عن تعديلات جريئة في سياسة التحكم في منحنى العائد.
رفع سقف العوائد على السندات الحكومية طويلة الأجل لتوفير مرونة أكبر للمستثمرين.
الهدف كان جذب المستثمرين الأجانب وزيادة كفاءة السوق اليابانية دون الإضرار بالنمو الاقتصادي.
2. كسر حلقة الانكماش المزمنة
بعد عقود من الانكماش، بدأ الاقتصاد الياباني يُظهِر بوادر تضخم مستدام بفضل سياسات أويدا.
استهداف تضخم بنسبة 2% تحقق بشكل أكثر استقراراً في عام 2024، ما عزز ثقة الشركات والمستهلكين.
دعم الأجور عبر الضغط على الشركات الكبرى لزيادة الأجور بما يتماشى مع الإنتاجية والتضخم.
3. تحقيق الاستقرار في سعر الين الياباني
بعد سنوات من ضعف الين، اتخذ أويدا خطوات فعالة لتحقيق استقرار العملة عبر تعديل الفوائد على المدى القصير والطويل.
ساعد استقرار الين الشركات اليابانية التي تعتمد على الصادرات، كما جذب رؤوس الأموال الأجنبية.
4. السيطرة على الدين الحكومي
بفضل السياسات الذكية، تمكن أويدا من الحد من الزيادة في تكاليف خدمة الدين الحكومي.
استخدام استراتيجيات إعادة تمويل مبتكرة لخفض العبء على الميزانية اليابانية.
5. تعزيز الاستدامة الاقتصادية
أطلق أويدا مبادرات لدمج الاعتبارات البيئية والاجتماعية في السياسات النقدية.
دعم المشاريع الخضراء والطاقة المتجددة من خلال قروض ميسرة ومبادرات تمويل مبتكرة.
شدد على أهمية تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري في اليابان.
6. تعزيز الابتكار والتكنولوجيا
دعم الشركات الناشئة والمشاريع التكنولوجية ضمن رؤية لجعل اليابان مركزاً عالمياً للتكنولوجيا المتقدمة.
تعزيز تمويل البحث والتطوير في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والروبوتات.
7. تعزيز العلاقات الدولية
نسّق مع البنوك المركزية الكبرى لضمان استقرار النظام المالي العالمي.
شارك في مبادرات لتعزيز التعاون الآسيوي في مجال العملات الرقمية والتمويل المستدام.
8. إطلاق الين الرقمي
تحت قيادة أويدا، حقق البنك المركزي تقدماً كبيراً في مشروع الين الرقمي.
أكمل المرحلة التجريبية بنجاح في 2024، ما جعل اليابان واحدة من أوائل الدول الكبرى في تبني العملة الرقمية.
9. إدارة تحديات السكان
دعم سياسات حكومية لمعالجة تحديات السكان المتقدمين في السن، مثل تمويل الرعاية الصحية ودعم الأسر الشابة.
توفير أدوات تمويل مبتكرة تدعم الشركات التي تسهم في تحسين جودة الحياة.
قاد كازو أويدا البنك المركزي الياباني في عام 2024 برؤية استراتيجية وقرارات جريئة، ما ساعد على إعادة إحياء الاقتصاد الياباني واستعادة مكانته كقوة اقتصادية عالمية. بفضل توازنه بين المرونة النقدية والاستدامة الاقتصادية، أصبح أويدا رمزاً للقيادة الاقتصادية المتميزة.