تقول الأسطورة إنه عندما قُدمت قطعة من جبن الكاممبير للإمبراطور نابليون بونابرت للمرة الأولى، بلغت به السعادة حداً جعله يُقبل النادلة التي قدمتها له، وبغض النظر عن مدى ملاءمة هذه البادرة، فالخلاصة هي أن نابليون وجد في الكاممبير كنزاً حافلاً بالإمكانات.
ويتم إنتاج هذا الجبن في منطقة نورماندي بشمال غرب فرنسا بأشكال مختلفة منذ القرن الثامن عشر على الأقل، ويعتبر الآن واحداً من الأجبان المفضلة في فرنسا بفضل قوامه الطري ومذاقه الفريد.
بيد أن دراسة حديثة أجراها المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي ألقت بظلال مثيرة للقلق على مستقبل الجبن الطري وخاصة جبن الكاممبير بسبب تضاؤل المعروض من عفن البنسليوم كاممبرتي المسؤول عن نكهته المميزة وقوامه الناعم.
وقال المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي في تقريره حول النتائج «قد تكون الأجبان الزرقاء مهددة، لكن الوضع أسوأ بكثير بالنسبة لجبن كاممبير، الذي بالفعل على وشك الانقراض».
وتعتمد صناعة الجبن على هذه السلالة الموحدة من العفن، ما تسبب في نقص في التنوع الجيني وعرَّض جبن البري والكاممبير للخطر.
ويشير علماء جامعة باريس ساكلاي إلى أن السلالة الحالية ربما تفقد فعاليتها في التكاثر، ما قد يدفع هذه الأجبان نحو «الانقراض».
وتقول الدراسة «تثير نتائجنا تساؤلات حول استخدام عدد محدود من السلالة الاستنساخية (للعفن) لصنع الجبن، ما يؤدي إلى التدهور، ويحد من إمكانات المزيد من التحسين».
من الحرفي إلى المعياري
كان تعتيق جبن الكاممبير والأجبان المشابهة مثل البري، يتم في الكهوف أو غرف التجفيف، ويمنحها العفن الذي ينمو بشكل طبيعي قشوراً زرقاء أو في بعض الأحيان بنية صفراء.
وفي السابق، كان كل كهف جبن يتميز بنباتاته الدقيقة الفريدة، ما يؤدي إلى اختلافات طفيفة في النكهة والمظهر.
ومع ذلك، شهدت فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية تحولاً نحو التوحيد والكفاءة في الصناعة، وتم تقديم البنسيليوم كاممبرتي ليحل محل العفن الطبيعي ويخلق القشور البيضاء الموحدة التي باتت علامة مميزة لجبن الكاممبير اليوم.
ورغم أن هذا يضمن نكهة ومظهراً متسقاً، وهي ميزة للإنتاج على نطاق واسع، لكنه في الوقت نفسه يخنق التنوع الطبيعي داخل سلسلة العفن نفسه.
بيد أن هذا التحول لم يكن بدون فوائد، إذ جعلت سلالات البنسليوم الموحدة الإنتاج أكثر استقراراً، ومنحت الشركات قدرة أكبر على التحكم به، ولم يعد صانعو الجبن مضطرين إلى التعامل مع الاختلافات غير المتوقعة في النكهة أو الملمس.
وحذَّر المحللون من الانخفاض المحتمل في جبن البري والكاممبير وتأثيره كبير على سوق الجبن، وتحظى هذه الأجبان الطرية بشعبية كبيرة في جميع أنحاء العالم، حيث تنتج فرنسا وحدها أكثر من مليون طن من الجبن البري سنوياً.
وقد يؤدي نقص المعروض إلى ارتفاع الأسعار بالنسبة للمستهلكين، ما يؤثر على متاجر الجبن المتخصصة ومحلات السوبر ماركت.