لطالما كانت الهند واحدة من أكبر الأسواق العالمية للذهب، حيث يشكل المعدن الثمين جزءاً لا يتجزأ من ثقافة البلاد وتقاليدها، فالذهب في الهند ليس مجرد معدن ثمين، بل هو رمز للثروة والازدهار، ومكون أساسي في الاحتفالات الدينية وحفلات الزفاف، ومع ذلك، في الآونة الأخيرة، شهدت السوق الهندية للذهب تغيرات جذرية، مع تراجع شغف العديد من المستهلكين بالمعدن النفيس.
يعود السبب الرئيسي لهذا التراجع إلى الارتفاع القياسي في أسعار الذهب؛ ما دفع بعض العرائس للبحث عن بدائل أقل تكلفة مثل المجوهرات الصناعية. في هذا التقرير، نستعرض تأثير هذه الزيادات على سوق الذهب الهندية وكيف تأقلمت العائلات الهندية مع هذه التحديات.
وفي تغطيتها للموضوع جابت «فايننشال تايمز» الهند لتستطلع أحوال المواطنين مع هذه التغيرات، ففي ظهيرة هادئة في متجر جولد بالاس للمجوهرات بوسط مدينة بنغالورو، يعبر صاحب المتجر شايك أمين عن قلقه من تراجع المبيعات، حيث بدأت الأسر الهندية تقلل من مشترياتها الذهبية قبل حفلات الزفاف بسبب الارتفاع الهائل في أسعار الذهب.
يقول أمين، البالغ من العمر 29 عاماً والذي يساعد والده في إدارة المتجر، إن نحو نصف العملاء الذين كانوا يزورون المتجر يومياً قبل ارتفاع الأسعار أصبحوا الآن يشكلون ربع العدد فقط، وأضاف «لقد توقف الناس عن الشراء، فالذي كان يستطيع شراء 100 أو 200 غرام، أصبح يشتري 50 إلى 60 غراماً فقط».
الذهب في الهند رمز الثروة
يشتهر الهنود بحبهم للذهب الذي يعتبر رمزاً للثروة والازدهار، ويرتبط بشكل كبير بالإلهة الهندوسية لاكشمي، ومع ذلك، ارتفعت أسعار الذهب بنسبة 24% بالروبية خلال العام الماضي بسبب الصراعات في الشرق الأوسط وأوكرانيا، بالإضافة إلى المضاربات الضخمة في الصين التي أصبحت أكبر مستورد للذهب في العالم.
رغم الأهمية الثقافية الكبيرة للذهب في المهرجانات وحفلات الزفاف الهندوسية، انخفض الطلب على المجوهرات الذهبية في الهند بنسبة 6% العام الماضي، مقارنة بزيادة بنسبة 10% في الصين، ومن المتوقع أن تظل المبيعات مستقرة حتى مارس 2025 وفقاً لشركة كريسيل، وهي شركة تحليلات هندية.
تراجع أرباح تيتان
أعلنت شركة تيتان، وهي جزء من مجموعة تاتا سونز الهندية، عن تحقيق أرباح أقل من المتوقع في الربع الرابع بسبب تأثير أسعار السبائك المرتفعة على الطلب، وأوضح سوريندرا ميهتا، السكرتير الوطني لجمعية السبائك والمجوهرات الهندية، أن ارتفاع التكاليف سيؤثر على الأسر قبل حفلات الزفاف، قائلاً «أمامهم خياران: إما شراء كميات أقل أو شراء ذهب بنقاء أقل، ولا أرى أن الأسعار ستنخفض قريباً».
في بعض الحالات، يفضل الهنود شراء الذهب لحفلات الزفاف قبل سنوات من موعدها، ولكن عمليات الشراء اللحظية تظل ضرورية، كيشيتا جوبتا، المديرة التنفيذية للتسويق في منصة التخطيط «ويد مي جود» اختارت مجوهرات صناعية أرخص لحفل زفافها بسبب ارتفاع التكاليف.
على الرغم من التحديات، فلا يزال الأثرياء في الهند ينفقون ببذخ على حفلات الزفاف، فقد شهد حفل زفاف أنانت أمباني، ابن أغنى رجل في آسيا، احتفالات فخمة حضرها مشاهير مثل ريهانا ومارك زوكربيرج.
وفي متجر سي كريشنا شيتي للمجوهرات ببنغالورو، يشير مساعد المبيعات أنيل كارومبايا إلى أن العملاء الأثرياء لم يتأثروا بارتفاع الأسعار، فالطبقة العليا والمتوسطة لا تزال تشتري الذهب بغزارة؛ ما يعكس واقع أن العديد من سكان المدينة أكثر ثراءً مما يبدو للوهلة الأولى.