تمتلك القارة الإفريقية موارد طبيعية هائلة من المعادن التي تُعدّ جوهرية لصناعة التكنولوجيا المتقدمة، خاصة صناعة أشباه الموصلات (الرقائق)، ورغم ذلك، فإن مشاركة إفريقيا في هذه الصناعة العالمية لا تزال ضئيلة جداً.
وفي ما يلي نستعرض الاحتياطيات الإفريقية الهائلة من السيليكون والمعادن الأرضية النادرة، بالإضافة إلى استكشاف الدول التي تتنافس على هذه الثروات.
احتياطيات إفريقيا من السيليكون والمعادن الأرضية النادرة
تمتلك القارة الإفريقية موارد هائلة من السيليكون والمعادن الأرضية النادرة، وهي مواد أساسية في تصنيع أشباه الموصلات والرقائق الإلكترونية، وتعتبر جنوب إفريقيا من بين أكبر منتجي السيليكون في العالم، إذ تحتوي على كميات ضخمة من الكوارتز، الخام الأساسي لإنتاج السيليكون المستخدم في الصناعات الإلكترونية والخلايا الشمسية.
أما بالنسبة للمعادن الأرضية النادرة، فإن جمهورية الكونغو الديمقراطية تحتوي على بعض أكبر الاحتياطيات العالمية، خاصة من الكولتان الذي يُستخرج منه التنتالوم، وهو معدن ضروري في تصنيع المكثفات المستخدمة في الأجهزة الإلكترونية.
بالإضافة إلى ذلك، تعتبر مدغشقر وبوروندي وتنزانيا من الدول التي تمتلك احتياطيات كبيرة من المعادن النادرة الأخرى مثل النيوديميوم والديسبروسيوم، والتي تُستخدم في تصنيع المغناطيسات الدائمة في المحركات الكهربائية والبطاريات، وذلك وفقاً لتقرير هيئة المسح الجيولوجي الأميركية (USGS) حول المعادن الأرضية النادرة والسيليكون.
ومن الناحية الاستراتيجية، تعتبر هذه الموارد جوهرية ليس فقط لتصنيع الرقائق الإلكترونية، لكن أيضاً في تطوير التقنيات الخضراء مثل السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة.
ومع ذلك، تواجه الدول الإفريقية تحديات كبيرة في استغلال هذه الثروات بشكل فعّال بسبب نقص التكنولوجيا المتقدمة والبنية التحتية اللازمة لعمليات التعدين والمعالجة، ما يجعل هذه الدول تعتمد بشكل كبير على الشركات الأجنبية لتطوير هذه الصناعات.
وعلى سبيل المثال، تشهد مناطق مثل حوض الكاتانغا في الكونغو نشاطاً مكثفاً لشركات التعدين الصينية التي تسيطر على نسبة كبيرة من عمليات استخراج الكوبالت، وهو معدن آخر ذو أهمية كبيرة لصناعة البطاريات، هذا التوجه يعكس التنافس الدولي المتزايد على السيطرة على الموارد الإفريقية، ما قد يؤدي إلى تحديات اقتصادية وسياسية لدول القارة التي تسعى للاستفادة من هذه الثروات في تعزيز اقتصاداتها.
تمثيل إفريقيا في السوق العالمية
رغم أن إفريقيا تمتلك احتياطيات ضخمة من المواد الخام الحيوية لصناعة أشباه الموصلات، مثل السيليكون والمعادن الأرضية النادرة، فإن مساهمتها في السوق العالمية لا تزال هامشية، حيث تمثل أقل من 1% من الإنتاج العالمي لأشباه الموصلات والمعادن النادرة المستخدمة في هذه الصناعة.
هذا الواقع يعكس عدة تحديات جوهرية تواجهها القارة في تحويل هذه الموارد الطبيعية إلى منتجات ذات قيمة مضافة، وذلك بسبب نقص البنية التحتية الصناعية، حيث تفتقر معظم الدول الإفريقية إلى البنية التحتية اللازمة لتطوير صناعة أشباه الموصلات، بما في ذلك المصانع المتخصصة والتكنولوجيا المتقدمة، والصناعات التحويلية التي يمكن أن تضيف قيمة إلى المواد الخام عبر تصنيع الرقائق والمنتجات الإلكترونية لا تزال ضعيفة للغاية، ما يؤدي إلى تصدير المواد الخام إلى الخارج دون استفادة محلية كبيرة.
ونظراً لضعف الاستثمار المحلي، تعتمد الدول الإفريقية بشكل كبير على الشركات الأجنبية لتطوير واستغلال مواردها المعدنية، وغالباً ما تقوم هذه الشركات بتصدير المواد الخام إلى مصانعها خارج القارة لمعالجتها، ما يحرم الاقتصادات المحلية من فرص التصنيع والتوظيف.
كما تؤثر الأوضاع السياسية غير المستقرة في بعض الدول الإفريقية على القدرة على جذب الاستثمارات طويلة الأمد في قطاع أشباه الموصلات، فالصراعات والنزاعات الداخلية، إلى جانب الفساد وعدم الشفافية، تجعل العديد من المستثمرين يترددون في ضخ أموالهم في مشاريع ذات عائد طويل الأجل.
أضف إلى ذلك التحديات البيئية والتنظيمية، فالصناعات المتعلقة بتعدين ومعالجة المعادن الأرضية النادرة تتطلب معايير بيئية صارمة؛ نظراً للتأثيرات البيئية السلبية التي قد تترتب عليها، والعديد من الدول الإفريقية لا تملك الأُطر القانونية والتنظيمية الكافية لضمان استدامة هذه الصناعات؛ ما يعقّد إمكانية تنمية هذا القطاع بشكل مستدام.
وذلك بجانب نقص المهارات المتخصصة، فهناك نقص حاد في المهارات التقنية المتخصصة في مجالات الهندسة الإلكترونية وعلوم المواد في معظم الدول الإفريقية، هذا النقص يعوق تطوير صناعات التكنولوجيا المتقدمة مثل أشباه الموصلات داخل القارة؛ ما يجعلها تعتمد بشكل كبير على الخبرات الأجنبية.
الدول التي تتنافس على ثروات إفريقيا
الطلب العالمي المتزايد على أشباه الموصلات والمعادن الأرضية النادرة في السوق العالمية، خاصة من دول مثل الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، يعزز التنافس الدولي على الموارد الإفريقية، وهذا التنافس لا يترجم دائماً إلى فوائد اقتصادية ملموسة للدول الإفريقية، إذ تظل القيمة المضافة الأكبر تُحقق في أماكن أخرى.
ونظراً لأهمية المعادن الأرضية النادرة والسيليكون في الاقتصاد العالمي، تتنافس العديد من الدول الكبرى على الوصول إلى هذه الموارد في إفريقيا، على سبيل المثال، الصين التي تعد من أبرز اللاعبين في هذا المجال، حيث تسعى للحصول على حقوق استغلال المناجم الإفريقية لضمان إمدادات مستدامة من المعادن النادرة التي تحتاج إليها صناعاتها التكنولوجية.
وأيضاً، الولايات المتحدة التي تدرك أهمية تأمين مواردها من المعادن النادرة، خاصة في ظل التوترات التجارية مع الصين، ولذلك تسعى إلى تعزيز وجودها في القارة الإفريقية من خلال شراكات استراتيجية واستثمارات في مجال التعدين.
يأتي بعدهما، الاتحاد الأوروبي الذي يسعى جاهداً إلى تنويع مصادره من المعادن الأرضية النادرة وتقليل اعتماده على الواردات من الصين؛ ما يدفعه للبحث عن فرص استثمارية في إفريقيا.
بالمجمل، وعلى الرغم من الإمكانات الهائلة التي تمتلكها قارة إفريقيا في مجال المعادن المستخدمة في صناعة أشباه الموصلات، فإن القارة لا تزال في مرحلة مبكرة جداً من تطوير قدراتها الصناعية في هذا المجال، فمستقبل صناعة أشباه الموصلات في إفريقيا يعتمد على قدرتها على تجاوز هذه التحديات واستثمار ثرواتها الطبيعية بشكل أفضل.
ويمكن لهذه الإمكانيات الهائلة أن تجعل إفريقيا لاعباً رئيسياً في صناعة أشباه الموصلات والرقائق، إلا أن تحقيق هذا الأمر يتطلب استثمارات ضخمة وتطوير البنية التحتية الصناعية.
وبينما تواصل الدول الكبرى منافستها على الثروات الطبيعية في القارة، يبقى على إفريقيا إيجاد استراتيجيات تمكنها من استغلال هذه الثروات بشكل يعود بالنفع على اقتصاداتها المحلية.