شهد الليثيوم، المعدن المُلقب بـ«الذهب الأبيض»، ازدهاراً اقتصادياً غير مسبوق في السنوات الأخيرة بعد الطلب الكبير عليه، حيث أصبح العنصر الأساسي في البطاريات التي تدعم ثورة الطاقة النظيفة، لا سيما في مجال السيارات الكهربائية وتخزين الطاقة المتجددة.
ومع تزايد الطلب العالمي على هذه المادة الحيوية، أصبحت بعض الدول مثل تشيلي وأستراليا من أكبر المستفيدين اقتصادياً من هذا الازدهار، لكن على الرغم من الفوائد الاقتصادية الكبيرة، تواجه هذه الدول تحديات وصراعات متزايدة بسبب هذا الطلب المتسارع، إضافة إلى التحديات البيئية التي تصاحب عملية تعدين الليثيوم.
توقعات سوق بطاريات الليثيوم
بلغت قيمة سوق بطاريات الليثيوم العالمية في 2023 نحو 64.84 مليار ويتوقع أن تصل إلى 446.85 مليار دولار بحلول عام 2032.
وتزداد أهمية سوق الليثيوم وفقاً لاستخداماته في العديد من الصناعت المختلفة، خاصة صناعة البطاريات التي تستحوذ على نحو 80 في المئة من المعدن وتشكل الطلب الأساسي على المعدن، بجانب استخدامه في بعض الصناعات الأخرى، حيث يستخدم حوالي 9 في المئة منه في صناعة الزجاج والسيراميك، و4 في المئة في مواد التشحيم، ونسبة 7 في المئة في صناعات أخرى.
وزاد الطلب العالمي على معدن الليثيوم بشكل كبير في السنوات الأخيرة، بسبب استخدامه المتزايد في صناعة البطاريات القابلة لإعادة الشحن التي تستخدم في السيارات الكهربائية، والأجهزة المحمولة، وكذلك تخزين الطاقة على مستوى الشبكة، وهذا النوع من التخزين مهم في دعم استقرار الشبكة الكهربائية، خاصة مع تزايد استخدام مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح، التي قد تكون غير مستقرة وتعتمد على الظروف الجوية.
وموارد الليثيوم العالمية هي عبارة عن كميات الليثيوم الموجودة في الطبيعة التي يمكن استخراجها واستخدامها في الصناعات المختلفة، مثل صناعة البطاريات والإلكترونيات. وتم تقدير الموارد المؤكدة عالمياً بنحو 105 ملايين طن.
إجمالي احتياطات الليثيوم بالعالم
من خلال دراسة الاحتياطيات العالمية، نجد أن إجمالي احتياطات الليثيوم في العالم يبلغ نحو 28 مليون طن متري في 2023، حيث تهيمن تشيلي على الحصة الأكبر بـ9.3 مليون طن.
ووفقاً لـ«ستاتيستا»، فإن سوق الليثيوم العالمية ستصل إلى 19 مليار دولار بحلول 2030، مع توقعات بزيادة الطلب إلى أربعة ملايين طن متري في العام نفسه، وهي كمية كافية لدعم الصناعات الحديثة وخطط البيئة العالمية.
لكن هذا الازدهار لا يقتصر فقط على الشركات الكبرى مثل «إس كيو إم» في تشيلي و«ألبيمارل» الأميركية، بل إن دولاً أخرى مثل الصين تستفيد أيضاً من الطلب على الليثيوم من خلال تسيّدها سوق السيارات الكهربائية.
وعلى الرغم من هيمنة أميركا الجنوبية، فإن الصين تمثّل قوة محورية في إنتاج البطاريات الكهربائية، وهو ما يُثير تساؤلات حول الهيمنة المستقبلية في هذا القطاع.
دول تملك أكبر احتياطي من الليثيوم
تعتبر تشيلي من أكبر اللاعبين في هذا القطاع، رغم التحديات السياسية والاجتماعية المتعلقة بالتعدين، مع 9.3 مليون طن من احتياطي الليثيوم، تليها أستراليا وتحتل المرتبة الثانية بـ6.2 مليون طن، وهي تعد من أهم موردي الليثيوم إلى الأسواق العالمية.
وتأتي بعدهم الأرجنتين وتمتلك 3.6 مليون طن، ولديها أيضاً فرص كبيرة للاستفادة من الطلب المتزايد، تليها الصين بنحو 3 ملايين طن، وتمثل القوة الكبرى في صناعة البطاريات.
وفي المركز الخامس تأتي الولايات المتحدة بـ1.1 مليون طن، لكن احتياطياتها المحدودة مقارنة بالدول الأخرى تضعها في موقع أقل تنافساً في هذا القطاع.
التحديات البيئية في تعدين الليثيوم
على الرغم من القيمة الاقتصادية الكبيرة التي يوفرها الليثيوم، فإن عملية تعدينه تُثير العديد من القضايا البيئية.
في تشيلي، على سبيل المثال، تواجه صناعة الليثيوم صراعات حول تأثير التعدين على الموارد المائية في مناطق مثل «صحراء أتاكاما»، والتي تعتبر من أكثر البيئات هشاشة في العالم.
في الوقت نفسه، تسبب عمليات التعدين في أماكن أخرى، مثل بوليفيا، أضراراً كبيرة للبيئة المحلية بسبب استنزاف المياه والملوثات الناتجة عن العمليات الصناعية.
وتعد عملية تعدين الليثيوم واحدة من أكثر العمليات المثيرة للقلق من الناحية البيئية، حيث تؤثر على الأراضي والموارد المائية بشكل كبير.
أبرز المشكلات البيئية المرتبطة بتعدين الليثيوم
يتطلب استخراج الليثيوم، خاصة من المناجم في مناطق مثل صحراء أتاكاما في تشيلي والأرجنتين، كميات ضخمة من المياه.
هذا يشكّل ضغطاً على الموارد المائية في مناطق جافة بالفعل، ما يهدد الأنظمة البيئية المحلية والمجتمعات التي تعتمد على هذه المياه للشرب والزراعة.
ويؤدي التعدين المفتوح، الذي يعد الطريقة الأكثر شيوعاً لاستخراج الليثيوم، إلى إزالة مساحات واسعة من الأراضي وتدمير الموائل الطبيعية للنباتات والحيوانات.. هذا التأثير مدمر بشكلٍ خاص في البيئات الحساسة مثل الصحاري والمناطق الجبلية النائية.
كما أنه في أثناء عملية استخراج الليثيوم، يتم استخدام مواد كيميائية قد تكون ضارة إذا تم تسريبها إلى البيئة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي تلوث المياه من خلال المعادن الثقيلة مثل الزئبق والزرنيخ إلى تلوث الأنهار والبحيرات التي تعتمد عليها المجتمعات المحلية.
والتأثيرات على التنوع البيولوجي، إذ يعتمد العديد من النظم البيئية على الموارد الطبيعية التي يتم تدميرها بسبب التعدين. فعلى سبيل المثال، في تشيلي والأرجنتين، تعيش بعض الأنواع النادرة من الطيور والحيوانات في الأراضي التي يتم فيها تعدين الليثيوم، ما يهدد استمرار وجودها.
وأزمة إطلاق غازات الدفيئة، فمثل العديد من الصناعات التعدينية الأخرى، يمكن أن يؤدي تعدين الليثيوم إلى انبعاثات غازات الدفيئة التي تسهم في الاحتباس الحراري، وهذا يتعارض مع الهدف العالمي للتقليل من انبعاثات الكربون لتحقيق الاستدامة البيئية.
كما أن إعادة التدوير والتخلص من البطاريات تعد مشكلة كبرى، فبعد استخدام الليثيوم في البطاريات الإلكترونية والسيارات الكهربائية، هناك تحديات كبيرة تتعلق بإعادة تدوير البطاريات.
عملية التخلص غير السليم من البطاريات قد تتسبب في تلوث الأرض والمياه، ما يزيد من تعقيد الوضع البيئي.
بجانب التأثير على صحة العاملين، فالتعدين المكثف يتطلب العمل في بيئات صعبة وقد يكون له تأثيرات سلبية على صحة العمال؛ التعرض للمواد الكيميائية الضارة والتربة الملوثة يمكن أن يؤدي إلى أمراض الجهاز التنفسي ومشاكل صحية أخرى.
التقنيات البديلة لتقليل الاعتماد على الليثيوم
بسبب التحديات البيئية والاقتصادية المرتبطة بتعدين الليثيوم، بدأ البحث في تقنيات بديلة يمكن أن تقلل من اعتماد العالم على الليثيوم، ومن بين هذه التقنيات:
بطاريات أيون الصوديوم، وتعد بديلاً أقل تكلفة وأكثر وفرة من الليثيوم، حيث يمكن استخراج الصوديوم من مياه البحر، ما يعزز استدامة البطاريات.
وبطاريات الليثيوم والكبريت، وتقدم كثافة طاقة أعلى وتكلفة أقل، لكن تواجه تحديات تتعلق بعمر البطارية.
وبطاريات الحالة الصلبة، وتحتوي على إلكتروليت صلب يمكنه تحمل درجات حرارة عالية، وتوفر كثافة طاقة أكبر مقارنة ببطاريات الليثيوم العادية.
وخلايا وقود الهيدروجين، فعلى الرغم من تكاليف إنتاجها العالية، تعد خياراً واعداً في المستقبل لتوفير الطاقة النظيفة.
مستقبل الليثيوم
يرى المحللون والخبراء أن مستقبل الليثيوم يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتطور تقنيات الطاقة النظيفة.. ورغم التحديات البيئية والاجتماعية، فإن تزايد الطلب على المركبات الكهربائية وتخزين الطاقة المتجددة سيستمر في دفع الحاجة إلى الليثيوم.
ومع ذلك، فإن التقنيات البديلة مثل بطاريات الصوديوم والليثيوم والكبريت قد تكون الحلول المُثلى لمستقبل الطاقة، حيث توفر بدائل أكثر استدامة وتكلفة أقل.