في نهاية ديسمبر كانون الأول 2022، روّج المعهد القومي للتغذية في مصر عبر فيسبوك، وتبعته وسائل إعلام حكومية، لتناول «أرجل الدجاج» كبديل «غني بالبروتين» وكوجبة «غير مكلفة»، وذلك لمساعدة المواطنين على التكيف مع الموجة الأخيرة من ارتفاع أسعار الموارد الغذائية. وهو الأمر الذي أثار غضباً شعبياً عارماً.
سبب هذه الحملة الترويجية هو اعتماد مصر الكبير على استيراد المواد الغذائية. ووفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة، تمثل الواردات الغذائية في مصر أكثر من 40 في المئة من السعرات الحرارية التي يستهلكها المصريون.
وشهدت أسعار الواردات الغذائية ارتفاعاً كبيراً بفعل الحرب الروسية – الأوكرانية، وما خلّفته من صدمات تجارية.
معلوم أن مصر هي أكبر مستورد للقمح في العالم، وكانت تستورد حوالي 85 في المئة من هذه السلعة من روسيا وأوكرانيا قبل الحرب، وفق بيانات المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية.
وقد أدت اضطرابات الإمدادات، وارتفاع أسعار السوق العالمية، وعوامل أخرى تسببت به الحرب، إلى ارتفاع حاد في تضخم أسعار الغذاء المحلية.
وقال الخبير والمستشار اقتصادي في السلع الاستراتيجية طارق إبراهيم، في تصريح لـ«CNN الاقتصادية»: «ستتضخم أسعار السلع الغذائية في الأشهر المقبلة، خصوصا ًخلال أشهر الشتاء لأنها متزامنة مع نهاية موسم المخزونات».
أضاف: «منذ بداية شهر يناير كانون الثاني، يرتفع الطلب حيث يزداد الاستهلاك السلع الأساسية مع ارتفاع درجات الحرارة، وأتوقع أن يظل تضخم أسعار الغذاء مرتفعاً حتى مارس آذار 2023».
وتشير أرقام النشرة الإحصائية للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن التضخم ارتفع 30.9 في المئة في نوفمبر تشرين الثاني الماضي.
ويعتبر التضخم الأساسي، الذي وصل إلى أعلى معدل في خمس سنوات (من 6.2 في المئة إلى 24.4 في المئة بين يناير كانون الثاني وديسمبر كانون الأول 2022 )، المحرك الرئيسي لتضخم أسعار الغذاء بناءً على البنك المركزي المصري.
وأجبرت الزيادة الحادة في أسعار السلع الاستهلاكية الأساسية العديد من الأسر على خفض استهلاكها لبعض الأطعمة المغذية غير المدعومة، فيما لم يتأثر استهلاك الأطعمة المدعومة، بحسب تقرير المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية.
والملاحظ أن معدلات التضخم السنوية لبعض المجموعات الغذائية أعلى من النسبة الإجمالية للتضخم.
وقد تضاعف معدل التضخم في بعض الأصناف، كالخبز والحبوب، أربع مرات تقريباً منذ بداية الحرب الروسية – الأوكرانية.
ومما لا شك فيه أن الأسر الفقيرة سوف تكون الأكثر تأثراً بتضخم أسعار المواد الغذائية، كونها تخصص النسبة الأعلى من دخلها لشراء المواد الأساسية.
ولذلك، تخصص الحكومة المصرية استثمارات في برامج الحماية الاجتماعية ودعم أسعار الغذاء مثل البرنامج الوطني «تموين».
وتظهر بيانات وزارة التموين والتجارة الداخلية، وهي الخيرة المتوافرة ونتعود إلى العام 2019، أن هذا البرنامج يغطي حوالي 73 في المئة من الأسر المصرية، في حين قد لا يكون كافياً المبلغ التي تحصل عليها الأسرة لتأمني حاجاتها الأساسية.
وقد حافظت الحكومة المصرية على سياسة دعم المواد الغذائية الرئيسية بلا تغيير طيلة فترة الحرب التي أدت من دون أدنى شك إلى تغيير أنماط استهلاك المواطنين واستغنائهم عن المنتجات الغذائية غير المدعومة.
وبناءً على أبحاث المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، فإن بعض الأسر زادت من استهلاك النشويات لتقليص إنفاقها، مثل البطاطس (21 في المئة) وأنواع المعكرونة غير المدعومة (14 في المئة)، بينما لم يتغير الاستهلاك للأغذية المدعومة الرئيسية مثل الخبز والسكر والزيت.
وأفاد البحث أن 24 في المئة من الأسر خففت من استهلاك أنواع الخبز غير المدعوم.
وكان ارتفاع الأسعار السبب الرئيسي لتغير عادات ثلثي الأسر التي شملتها الدراسة. وتراجع أيضا استهلاك أكثر من 70 في المئة من العائلات للدجاج والبيض، بينما 85 في المئة منهم حدّوا من استهلاك اللحوم.
ومع ذلك، الجدير ذكره أن ما تم تناوله أعلاه ليس الصورة الكاملة للمجتمع المصري، حيث أن الدراسات التي تعد في هذا الإطار، ومنها دراسة حديثة للمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، تشير الى أن التغييرات المتوقعة في أنماط الاستهلاك قد تكون أسوأ بكثير من المشهد الراهن.