يُثير الإعلان عن شراكة «بلا حدود» بين الصين وروسيا مخاوف الكونغرس الأميركي، الذي قال إن هذه الشراكة قد تدعم الشكوك الدائرة بأن غزو أوكرانيا ربما يجري بدعم ضمني من الصين.
ففي يناير كانون الثاني، قال مسؤولون أميركيون إن إدارة الرئيس جو بايدن فاتحت الصين بشأن أدلة على بيع شركات صينية معدات غير مميتة لروسيا لاستخدامها في أوكرانيا، مضيفين أن الإدارة تحاول التأكد من مدى معرفة بيجين بالمعاملات.
تتضمن هذه المبيعات تجهيزات مثل السترات الواقية من الرصاص والخوذات، حسبما أفادت مصادر مطلعة على معلومات المخابرات الأميركية والأوروبية لشبكة (CNN)، لكنها لا تصل إلى مستوى المساعدة العسكرية الأكثر فعالية التي طلبتها روسيا.
وقال مسؤول أميركي إن الولايات المتحدة تعتقد أن الصين كانت تعتزم بيع أسلحة فتاكة لروسيا لاستخدامها في أوكرانيا، لكنها تراجعت عن تلك الخطط، وهو ما تعتبره إدارة بايدن انتصاراً لها.
ويقول الكونغرس في تقاريره إنه طلب من الصين المساعدة لوضع حد للغزو الروسي لأوكرانيا، ورغم أن الرئيس الصيني عبّر عن معارضة بلاده للتهديد أو الاستخدام الفعلي للأسلحة النووية في أوكرانيا، فقد أبدى أيضاً تضامنه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وطلب الكونغرس في قانون تفويض الدفاع الوطني للسنة المالية 2023 عدة تقارير عن العلاقات الروسية الصينية التي تُثير القلق الأميركي، على أن يتسلمها في مارس آذار ويونيو حزيران، حيث طلبت اللجنة المعنية من وزير الدفاع، وبالتنسيق مع مدير المخابرات الوطنية، تقريراً عن مدى التنسيق الدائر بين روسيا والصين في السياسات الخارجية والدفاعية.
كما طلبت تقريراً آخر، تتسلمه في يونيو حزيران، حول ما إذا كانت الصين قد قدمت الدعم لروسيا وكيفية ذلك فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا.
وقال مسؤول أميركي، في تصريحات لـ(CNN)، إن عمليات نقل المعدات «مثيرة للقلق»، لكن من غير الواضح لواشنطن حتى الآن ما إذا كانت الحكومة على علم بذلك. وعلى الرغم من أن الشركات المملوكة للدولة تهيمن على الاقتصاد الصيني، فإنها لا تخضع جميعها للرقابة اليومية.
وقال مسؤول ثانٍ إن بعض المسؤولين الأميركيين يعتقدون أن الحكومة الصينية على دراية بنقل المعدات ويجب أن تتخذ خطوات لوقفه.
تجارة روسية صينية متنامية
يشهد التعاون العسكري والتجاري تنامياً بين الصين وروسيا، ففي نوفمبر تشرين الثاني 2021، وقّع الجانبان خارطة طريق للتعاون العسكري حتى عام 2025.
وبعد اندلاع الحرب الأوكرانية، زاد التبادل التجاري بين البلدين إلى معدلات غير مسبوقة منذ عشر سنوات، حتى وصل ذروته في أغسطس آب 2022، بقيمة بلغت 19.2 مليار دولار. وروسيا تاسع أكبر مستورد من الصين، بينما تحتل الصين المرتبة الثانية بين أكبر المستوردين من روسيا.
فقد سجلت تجارة الصين مع روسيا رقماً قياسياً قدره 190 مليار دولار في 2022، حيث ارتفعت صادرات الصين إلى روسيا 12.8في المئة إلى 76.12 مليار دولار، وزادت الواردات من روسيا 43.4 في المئة إلى 114.15 مليار دولار، وفقاً لموقع هيئة الجمارك الصينية.
وتوفر روسيا في المقام الأول موارد الطاقة للصين، إلى جانب تصدير مواد مثل الأخشاب والمنتجات الزراعية والمأكولات البحرية، بينما تصدر الصين الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية والحفارات والسيارات ووحدات المعالجات الدقيقة والملابس والأحذية والمواد الاستهلاكية إلى روسيا، وفقاً لوكالة تاس الرسمية الروسية.
وحدد الرئيس الروسي بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ هدفاً لزيادة حجم التجارة الثنائية بين البلدين إلى 200 مليار دولار بحلول عام 2024.
وكانت الزيادة في صادرات الصين إلى روسيا في 2022 مدفوعة بارتفاع صادرات أجهزة الكمبيوتر التي قفزت 108 في المئة إلى 226 مليون دولار، والهواتف 220 مليون دولار بزيادة 50.3 في المئة، والسيارات 134 مليون دولار بنسبة زيادة 142 في المئة، بينما جاءت الزيادة في واردات الصين من روسيا بقيادة واردات النفط الخام التي زادت 67.6 في المئة إلى 1.69 مليار دولار، وقوالب الفحم 439 مليون دولار بزيادة 191 في المئة، والنحاس 279 مليون دولار مرتفعاً 191 في المئة.
مصدّرون صينيون محتملون
حتى الآن، لم تعلن إدارة بايدن أسماء الشركات التي باعت المعدات لروسيا.
ووفقاً لقاعدة بيانات معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام، والتي تتضمن مبيعات أكبر 100 شركة سلاح، فإن خمس شركات أميركية وخمس شركات شركات صينية هي الأعلى مبيعاً للأسلحة حول العالم.
وهناك ثماني شركات صينية على القائمة، وفقا للتقرير الصادر في ديسمبر كانون الأول 2022، لكن قد تكون لدى الشركات الصينية الأخرى مبيعات أسلحة تكفي لترتيبها بين أكبر 100 شركة، غير أنه لا تتوافر بيانات كافية لإدراجها.
وبلغت قيمة مبيعات الثماني شركات مجتمعة 109 مليارات دولار في 2021، بزيادة 6.5 في المئة عن 2020.
تصدرت مجموعة (Norinco) الصينية المملوكة للدولة قائمة الشركات الصينية المصدّرة للسلاح بقيمة قدرها 21.6 مليار دولار وبزيادة 11 في المئة، تلتها شركة صناعة الطيران الصينية (AVIC) في المرتبة الثانية عند 20.1 مليار دولار.
وأسهمت الشركات الثماني مجتمعة بنحو 18 في المئة من إجمالي مبيعات الأسلحة لأكبر 100 شركة في 2021، لكنها كانت في المرتبة الثانية بفارق كبير عن الشركات الأميركية التي حصلت على 51 في المئة من المبيعات.
وفي مايو أيار الماضي، قالت رويترز إن (Unipec)، الذراع التجارية لشركة (Sinopec Corp)، أكبر شركة تكرير في آسيا، تقود جنباً إلى جنب مع شركة (Zhenhua Oil)، وهي وحدة تابعة لمجموعة شركات الدفاع الصينية (Norinco)، عمليات شراء النفط الروسي، وفقاً لبيانات وتقارير اطلعت عليها رويترز.
وفي نوفمبر تشرين الثاني 2021، وقّعت روسيا والصين اتفاقية تسمح للبلدين بالبدء في تطوير طائرة هليكوبتر ثقيلة جديدة.
قائمة أميركية سوداء
ليست هذه المرة الأولى التي تزعم الولايات المتحدة بأن شركات صينية تدعم الجيش الروسي، ففي يونيو حزيران 2022 أعلنت وزارة التجارة الأميركية، عن فرض قيود على 37 كياناً يساعد الجيش الروسي في الحرب الأوكرانية.
وأضافت الوزارة ست شركات مقراتها في الصين وليتوانيا وروسيا والولايات المتحدة إلى القائمة السوداء، كما اتُهمت مؤسستان بحثيتان صينيتان مدرجتان بالفعل على القائمة السوداء منذ 2018 بدعم الجيش الروسي، إذ وقّعتا عقوداً حديثة في انتهاك لضوابط التصدير التي تفرضها واشنطن وتهدف إلى منع وصول روسيا إلى المكونات والمعدات عالية التقنية.
إحدى هذه الشركات هي (CETC)، ومؤسسة (Micro Electronic Technology) التابعة لها، وهي رابع أكبر شركة صينية لبيع السلاح والعاشرة على مستوى العالم في 2021، بمبيعات وصلت إلى 14.9 مليار دولار.
الدعم الصيني المفترض لروسيا صار نقطة شائكة جديدة في العلاقات المضطربة أصلاً بين واشنطن وبيجينغ، ورغم تأكيد مسؤولي المخابرات الأميركية أنه لا يوجد دليل على تقديم الصين عتاداً مميتاً لروسيا، فإن موقف الصين غير الحاسم في انتقاد الحرب الروسية وتأكيد البلدين المتكرر على الشراكة بينهما، عسكرياً وتجارياً، يعني أن القائمة الأميركية السوداء ستظل قيد المراجعة المستمرة لكي تضم المزيد من الشركات الصينية التي ربما توفر متنفساً ما لموسكو في ظل الحصار الخانق الذي يفرضه الغرب عليها.