لطالما عُرف إيلون ماسك بروحه التنافسية وشخصيته المثيرة للجدل، إذ لم يتردد في تحدي مارك زوكربيرغ في «قتال القفص»، أو وصف جيف بيزوس بأنه «مُقلد»، وحتى رفع دعاوى ضد سام ألتمان مؤسس «أوبن إيه. آي»، لكن مع صعود نفوذ ماسك في إدارة دونالد ترامب القادمة، تزداد المخاوف من أن يستخدم قوته السياسية لتعزيز مصالحه التجارية والإضرار بمنافسيه.. فهل يتحول التنافس التجاري إلى صراع سياسي يغيّر معالم الاقتصاد والتكنولوجيا؟
حتى الآن كانت هذه تنافسات تجارية وشخصية بين بعض أغنى وأنجح الناس في العالم، ولكن مع نفوذ ماسك الجديد في إدارة ترامب القادمة ومكانته كـ«الصديق الأول» لترامب، يخشى البعض أنه قد يستخدم سلطة الحكومة لصالح شركاته الخاصة وإلحاق الضرر بمنافسيه، وقد يأتي ذلك في شكل بدء أو إسقاط التحقيقات الحكومية، وإنشاء أو إضعاف اللوائح، ومنح العقود الحكومية لصالح شركات ماسك.
«تمتلك الحكومة الفيدرالية مجموعة من الأدوات والسؤال هو: هل سيتم التحكم في استخدام هذه الأدوات بمعايير موضوعية، من خلال التنظيم والقوانين والإجراءات الطبيعية للتدخل الحكومي في الاقتصاد، أم أنها ستكون خاضعة للدوافع الشخصية للرئيس أو إيلون ماسك؟»، قال أحد الخبراء في القانون والتكنولوجيا الذي طلب التحدث دون الكشف عن هويته لتجنب غضب ماسك.
وأضاف «إذا كان كل ما يتطلبه الأمر هو أن يقول (ماسك مرحباً، يجب على وزارة العدل التحقيق معهم)، فسيؤدي ذلك إلى الكثير من الاضطراب».
جيف بيزوس
غالباً ما يتنافس بيزوس وماسك ضد بعضهما بعضاً في تصنيفات « أغنى شخص في العالم»، لكنهما أيضاً متنافسان في صناعة الفضاء.
تتنافس كل من سبيس إكس التابعة لماسك وبلو أوريغين التابعة لبيزوس على عقود الحكومة الفيدرالية، والآن مع ارتباط ماسك بقوة بإدارة دونالد ترامب، يتساءل البعض عما إذا كان سيستخدم نفوذه لتعزيز موقف سبيس إكس المهيمن بالفعل كمتعاقد حكومي.
ولا يتعلق الأمر فقط بعقود الحكومة مع وكالة ناسا، حيث يتنافس مشروع كويبر التابع لشركة أمازون أيضاً مع ستارلينك التابعة لسبيس إكس في صناعة أنظمة الأقمار الصناعية ذات المدار المنخفض، وتتطلب هذه الأنظمة قدراً لا بأس به من الموافقات التنظيمية، وتعمل أمازون على إطلاق نحو 3200 قمر صناعي في مدار أرضي منخفض.
قال جيم كانتريل، أحد المسؤولين التنفيذيين الأوائل في سبيس إكس والذي يدير الآن شركة فانتوم سبيس كوربوريشن، إنه يعتقد أن التغييرات التي سيدافع ماسك عنها ستفيد منافسيه كما تفيد شركاته الخاصة، «إن المد الشديد يرفع كل القوارب».
وقال كانتريل «أعتقد أن بلو أوريغين يجب أن تكون مرعوبة بشأن أدائها، وليست مرعوبة من استخدام قوة ماسك نفوذه في إدارة ترامب ضدها».
من جانبه، قال بيزوس الأربعاء الماضي خلال قمة ديلبوك إنه ليس قلقاً بشأن وجود ماسك في واشنطن «أقبل ما قيل، وهو أنه لن يستخدم سلطته السياسية لصالح شركاته أو ضد منافسيه».
سام ألتمان
كان الخلاف بين ماسك و«أوبن إيه. أي» التابعة لألتمان طويل الأمد.
قام ماسك، الذي ساعد على تأسيس «أوبن إيه. أي» عام 2015، برفع دعوى قضائية ضد الشركة لأول مرة في فبراير، متهماً المؤسسة التي أطلقت «تشات جي. بي. تي.» بالتخلي عن مهمتها الأصلية غير الربحية من خلال حجز بعض أكثر تقنيات الذكاء الاصطناعي تقدماً لعملاء محددين، بينما يدافع ماسك عن أنظمة الذكاء الاصطناعي «مفتوحة المصدر» وأصدر علناً الكود وراء مساعد المحادثة «غروك» الذي صنعته شركته الخاصة «إكس إيه. أي».
ووصفت شركة «أوبن إيه. أي» ادعاءات ماسك بأنها «غير متماسكة» و«تافهة»، وأسقط ماسك الدعوى بعد أن نشرت «أوبن إيه. أي» العديد من رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بماسك من الأيام الأولى لـ«أوبن إيه. أي»، ويبدو أن رسائل البريد الإلكتروني تُظهر اعتراف ماسك بالحاجة إلى أن تجني الشركة مبالغ كبيرة من المال لتمويل موارد الحوسبة اللازمة لتشغيل طموحاتها في مجال الذكاء الاصطناعي، وهو ما يتناقض مع ادعاءاته.
وبغض النظر عن كيفية تطور هذه القضية في النهاية، يمكن أن يستخدم ماسك ارتباطه بترامب لإلحاق الضرر بـ«أوبن إيه. أي».
وقال جيل لوريا، رئيس أبحاث التكنولوجيا في مجموعة الاستثمار (دي. إيه. ديفيدسون)، إن ماسك قد يدفع الحكومة، على سبيل المثال، للعمل مع شركات الذكاء الاصطناعي «مفتوحة المصدر» مثل شركته ومنحها عقوداً مربحة بدلاً من التعامل مع «أوبن إيه. أي» ومايكروسوفت.
وقد تفيد مثل هذه الخطوة شركة ميتا، التي جعلت نموذج «Llama» مفتوح المصدر، ويسعى الرئيس التنفيذي لميتا، زوكربيرغ، إلى تحسين علاقته مع ترامب وقال إنه يريد أن يكون له “دوراً نشطاً” في مناقشات السياسة التكنولوجية مع الرئيس المنتخب.
ولكن لوريا رجح «أن ماسك لن يستخدم نفوذه السياسي لإلحاق الضرر بالمنافسين».
وقال ألتمان، الأربعاء الماضي، إنه ليس قلقاً بشأن إلحاق الضرر بشركته بسبب نفوذ ماسك السياسي، «لا أعتقد أن الأمريكيين سيتسامحون مع استغلال النفوذ لمصالح خاصة، سيكون ذلك مخالفاً تماماً للقيم الأميركية والقيم التي أعتقد أن ماسك نفسه يعتنقها».
ورداً على حديث ألتمان وبيزوس، قال ماسك على منصة «إكس» التابعة له «إنهم على حق».
مارك زوكربيرغ
تطور الخلاف بين المليارديرين ماسك وزوكربيرغ ليتحول إلى إهانات وسخرية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وصولاً إلى نقاش حول قتال حقيقي داخل قفص.
وفي حديثه في بودكاست أُذيع عبر هيئة الإذاعة البريطانية، قال نيك كليج، رئيس الشؤون العالمية في شركة ميتا، إن ماسك يلعب الآن دوراً كبيراً في الانتخابات وتشكيل الإدارة الأميركية الجديدة، مضيفاً أن لديه خياراً، إمّا أن يكون مؤيداً متحمساً أو يمكنه أن يحاول أن يصبح محركاً للدمى السياسية، ويتجاوز ترامب فيقرر من ينبغي أن يكون المرشح الجمهوري التالي والمرشح الذي يليه، وهكذا.
منافسو تسلا
ارتفعت أسهم تسلا بعد فوز ترامب ولا تزال مرتفعة، وتهيمن تسلا بالفعل على سوق السيارات الكهربائية، إلّا أنها قد تشهد فوائد أكبر مع تواصل ماسك المباشر مع الحكومة، أولاً قد تختفي التحقيقات الحكومية في سلامة تقنية القيادة الذاتية لتسلا، كما قالت ميسي كومينجز، مستشارة السلامة السابقة في الإدارة الوطنية لسلامة المرور على الطرق السريعة.
ثم ماذا عن دعم منافسي تسلا؟
في الأسبوع الماضي، انتقد فيفيك راماسوامي، الرئيس المشارك لماسك في قيادة وزارة كفاءة الحكومة التي ابتكرها ترامب، بشدة التزام وزارة الطاقة بقرض بقيمة 6.6 مليار دولار لشركة ريفيان، شركة السيارات الكهربائية الناشئة، وسيساعد القرض في تمويل مصنع جديد للشركة في جورجيا.
في عام 2010 تلقت تسلا قرضاً مماثلاً بقيمة 465 مليون دولار من وزارة الطاقة أثبت أنه محوري لبقائها ونجاحها.
لكن راماسوامي قال إن هذا القرض وغيره من القروض المماثلة «على رأس قائمة العناصر» التي تسعى وزارة الطاقة إلى إيقافها.