من المفترض أن يؤدي الركود الاقتصادي إلى دفع الإنفاق على الكماليات الرخيصة مثل الذهاب إلى السينما، لكن ثاني أكبر اقتصاد في العالم، الذي يعاني حالياً من الركود، يتحدى هذه النظرية الراسخة.
في العام الماضي انخفضت إيرادات شباك التذاكر في الصين بنسبة 23 في المئة، مقارنةً بعام 2023، إلى 42.5 مليار يوان فقط (5.8 مليار دولار)، وفقاً لصحيفة تشاينا فيلم نيوز، وهي صحيفة رسمية تابعة لإدارة الأفلام الصينية، نقلاً عن أرقام رسمية أصدرتها الإدارة أمس الأربعاء.
بهذا تكون الإيرادات أقل بنسبة 34 في المئة عن عام 2019، وهو عام قياسي لصناعة السينما قبل انفجار سلسلة من التحديات الوبائية والاقتصادية.
كان فيلم «يولو» هو الأكثر جذباً في شباك التذاكر العام الماضي، وهو فيلم كوميدي نسوي من بطولة وإخراج جيا لينغ، التي تلعب دور امرأة في الثلاثينيات من عمرها تفقد وزنها وتكتسب الثقة من خلال ممارسة الملاكمة، بحسب ما ذكره موقع ماويان، أكبر موقع لبيع تذاكر الأفلام عبر الإنترنت في الصين.
وقد باع فيلم «يولو»، الذي خسرت فيه جيا لينغ 100 رطل (45.3 كيلوجرام) من وزنها أثناء التصوير، تذاكر بقيمة 3.5 مليار يوان (474 مليون دولار).
ونقلت صحيفة إيكونوميك إنفورميشن ديلي الرسمية، اليوم الخميس، عن ليو تشن في، محلل البيانات في معهد لايت هاوس للأبحاث، قوله «لا تزال الكوميديا هي النوع المفضل من الأفلام لدى الجماهير وتسهم بنسبة 36 في المئة من إيرادات شباك التذاكر السنوية».
لكن بالطبع كان شباك التذاكر الإجمالي ضعيفاً، ويرجع الانخفاض السنوي جزئياً إلى إنتاج عدد أقل من الأفلام، ووفقاً للبيانات الرسمية تم إنتاج 612 فيلماً فقط في عام 2024، مقارنةً بـ792 فيلماً في العام السابق.
الصين ليست الدولة الوحيدة التي تشهد انخفاضاً في عدد الأفلام المصنوعة، وبحسب شركة برود برو التي تتعقب بيانات الإنتاج، انخفض عدد المشاريع التي يجري تصويرها بنسبة 17 في المئة على مستوى العالم في الفترة من يوليو تموز إلى سبتمبر أيلول 2024، مقارنةً بالفترة نفسها في عام 2022، حيث لا تزال الصناعة تعاني من تأثير الإضرابات الهوليودية المُدمرة في عام 2023.
ويُعتقد أن هذا الاتجاه أسهم في انخفاض إيرادات شباك التذاكر في أميركا بنسبة 3 في المئة في 2024 مقارنةً بعام 2023، إلى 8.72 مليار دولار.
كان انحدار الصناعة في الصين مفاجأة للخبراء، حيث حققت دور السينما أداءً جيداً في عام 2023، وكانت بمثابة نقطة مضيئة نادرة في اقتصاد الصين، الذي فقد زخمه بعد انتعاش أولي عندما خرج المستهلكون من ثلاث سنوات من القيود الصارمة بسبب كوفيد- 19.
أفادت رويترز، أمس الأربعاء، نقلاً عن بيانات من ماويان، بأن إيرادات شباك التذاكر في عشية عيد الميلاد، وهي ليست عطلة عامة في الصين، انخفضت إلى أدنى مستوياتها منذ 13 عاماً على الأقل، حيث بلغت العائدات 38 مليون يوان (5.2 مليون دولار)، أي أقل من ربع إيرادات العام الماضي، وأدنى مستوى منذ بدأ موقع ماويان في الاحتفاظ بالسجلات في عام 2011.
إنفاق ضعيف
يقول الخبراء إن التاريخ يُظهر أن دور السينما تميل إلى الازدهار خلال الأوقات الاقتصادية الصعبة، حيث تقدم السينما فرصة للهروب من الواقع بسعر متواضع نسبياً، في ظاهرة يشار إليها باسم «تأثير أحمر الشفاه»، حيث يزيد إنفاق المستهلكين على أشياء صغيرة مُبهجة، مثل أحمر الشفاه، خلال أوقات عدم اليقين.
بينما تحسنت المشاعر الاقتصادية في الأشهر التي تلت قرار الزعيم شي جين بينغ بالمضي قدماً في حزمة التحفيز التي تشتد الحاجة إليها في سبتمبر، ولا يزال الاستهلاك ضعيفاً.
كتب محللو غولدمان ساكس في مذكرة بحثية نُشرت هذا الأسبوع “بسبب الركود العقاري المطول وضعف ثقة المستهلك، تباطأ استهلاك الأسر الصينية في عام 2024، وشهدت المدن الكبرى مثل بكين وشنغهاي وقوانغتشو وشنتشن خسائر واضحة في ثروة الأفراد نتيجة انخفاض أسعار العقارات”.
وبالإضافة إلى ضعف الإنفاق والأزمة العقارية، يعاني الاقتصاد الصيني من تزايد الديون وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، وحتى الآن لم يقدم المسؤولون تدابير تحفيزية كبرى تتضمن ضخ الأموال مباشرةً في أيدي المستهلكين، باستثناء برامج «النقد مقابل الخردة»، التي عززت مبيعات سيارات الركاب والأجهزة المنزلية.
في الشهر الماضي، قدمت إدارة الأفلام الصينية برنامج دعم لمساعدة شباك التذاكر المتعثر، ووفقاً لوكالة أنباء شينخوا الرسمية، فإن عدداً من البنوك ومنصات حجز التذاكر عبر الإنترنت ستنفق بشكل مشترك 600 مليون يوان (82 مليون دولار) على تقديم تذاكر مُخفضة ومسابقات بجوائز قيمة لتعزيز تدفق رواد السينما في العام الجديد.