تثير الدعاوى القضائية المتتالية ضد اثنتين من كبرى شركات التشفير الإلكتروني في العالم حالة من الذعر حول النظام الهش لسوق الأصول الرقمية في الولايات المتحدة.

ففي غضون 24 ساعة فقط، رفعت هيئة الأوراق المالية والبورصات شكويين ضد « باينانس» و« كوينباس»، بزعم أنهما تديران عمليات تداول غير قانونية في الولايات المتحدة، ما يمثل تصعيداً كبيراً للحملة التي تشنها الهيئة لضبط هذا القطاع المتنامي الذي ظل يعمل لسنوات دون ضوابط محددة.

وتعرّض سهم «كوينباس» لضربة قوية يوم الثلاثاء، حيث انخفض بأكثر من 12 في المئة، وسحب المستثمرون ما يقرب من 800 مليون دولار من «باينانس» في غضون 24 ساعة، إذ من المتوقع أن يستغرق النظر في تلك الدعاوى القضائية شهوراً أو حتى سنوات.

وتسببت تلك التطورات في تضييق الخيارات المتاحة أمام مستثمري العملات المشفرة في الولايات المتحدة، وبات السؤال الذي يشغل بالهم الآن: هل هناك مكان آمن لتداول العملات المشفرة؟ والإجابة عن هذا السؤال هي «على الأرجح: لا»، خاصةً في الوقت الراهن.

من جهتها، ترى الهيئة الأميركية للأوراق المالية والبورصات (أكبر الجهات المنظِّمة لبورصة وول ستريت) أن أي منصة لتداول العملات الرقمية هي قناة استثمار غير قانونية، إذ إن الهيئة تعتبر العملات المشفرة بمثابة سندات، باستثناء البيتكوين، ولا يمكن أن تعمل أي منصة في تداول السندات من دون ترخيص.

وفي محاولة للدفاع عن نفسها، أوضحت شركة «كوينباس» أن الهيئة كانت قد وافقت بالفعل على نموذج أعمالها وطرحه للاكتتاب العام في عام 2021، وأن الشركة حاولت العمل مع المنظمين لضمان امتثالها للقانون لكنها لم تفلح، إذ غرّد الرئيس التنفيذي للشركة «كوينباس برين آرمسترونغ» على موقع «تويتر» يوم الثلاثاء بقوله: «لا يوجد طريق واضح للتسجيل، فقد حاولنا ذلك مراراً»، وأضاف أن الهيئة فضلت اللجوء للقضاء بدلاً من أن تقوم بواجبها في توفير قواعد ولوائح واضحة لتنظيم عمل منصات العملات الرقمية.

لوائح غامضة

الافتقار إلى الوضوح التنظيمي هو شكوى شائعة بين شركات العملات المشفرة التي ترى أن تهاون الحكومة الأمريكية في وضع قواعد منظِّمة لقطاع العملات المشفرة يدفع القطاع للارتماء في أحضان الأسواق الأجنبية التي تضع ضوابط توجيهية أكثر وضوحاً.

قد يكون هذا صحيحاً إلى حد كبير، لكنه لا يعني الكثير بالنسبة لمسؤولي هيئة الأوراق المالية، إذ قال غاري جينسلير، أحد كبار المسؤولين بالهيئة والمناهض الصريح للعملات المشفرة: «لا نحتاج إلى المزيد من العملات الرقمية، فلدينا بالفعل العديد من العملات الرقمية وهي الدولار والين اليورو، فكل تلك العملات أصبحت رقمية الآن، ولدينا بالفعل استثمارات رقمية متميزة».

ويرى جينسلير أن المستثمرين يستفيدون بالفعل من قوانين الهيئة، وأن سوق العملات المشفرة لا يجب أن يكون مختلفاً.

إن لجوء الهيئة للقضاء يعني أن القضاء قد يجبر الكونغرس على وضع قواعد مُنَظِّمة لسوق العملات المشفرة.

في هذا السياق، كتب المحللون في«تي دي كووين»: «ما زلنا نرى أن الكونغرس هو الوحيد القادر على إنهاء الفوضى التي أحاطت بالعملات المشفرة خلال العام الماضي»، وأضافوا: «قد لا يكون التقاضي أمراً إيجابياً بالنسبة لـ(كوينباس)، لكنه سيؤدي لنتائج إيجابية بشأن ضوابط التشفير».

في الوقت نفسه، نصحت رينا أغروال، مديرة مركز «ساروس» للأسواق المالية والسياسات بجامعة «جورج تاون» المستثمرين الأمريكيين بتوخي الحذر بشأن أماكن تداولهم في العملات المشفرة.

البيتكوين والإيثر لهما وضع خاص

وقالت أغروال إن عملتي «البيتكوين» و«الإيثر» المتداولتين في بورصة شيكاغو التجارية هما خياران أكثر أماناً لأن منصات تداولهما منظمة، إذ إن هيئة الأوراق المالية والبورصات تعتبرهما سلعة تحت إشراف هيئة تداول السلع الآجلة.

وارتفعت عملة البيتكوين، وهي العملة المشفرة الأولى والأكثر شهرة في العالم، يوم الثلاثاء، على الرغم من الإجراءات التنظيمية الصارمة، وتم تداولها فوق 27000 دولار في فترة ما بعد الظهر، بعدما كانت انخفضت بنسبة 6 في المئة يوم الاثنين.