تعمل نحو 90 في المئة من البنوك المركزية في العالم على وضع الأسس الواجبة لإصدار عملة رقمية خاصة بها. والتي تعد نسبة كبيرة وثّقها بنك التسويات الدولية، وإن كانت تتقاطع مع مخاوف واضحة عبّر عنها العديد من البنوك العالمية.

من بين أحدث البنوك الرقمية التي تدرس راهناً إصدار عملة رقمية، البنك المركزي المصري الذي أعلن بحث تطبيق هذا النوع من العملات، إضافة الى المركزي التركي الذي أعلن عن إجراءه أول عملية دفع عبر شبكته الرسمية لليرة التركية الرقمية.

ولكن ما هي العملات الرقمية الصادرة عن البنوك المركزية؟


باختصار، يمكن تصنيف العملات الرقمية الصادرة عن البنوك المركزية على أنها النسخة الرقمية للعملات التقليدية. ويتم تشبيه هذه الفئة من العملات الرقمية بالأموال التي نودعها في الحسابات البنكية وفي بطاقات الائتمان بهدف الشراء الالكتروني. لكن مصدر النوع الأول من هذه الأموال هي البنوك المركزية، بينما مصدر النوع الثاني هي البنوك التجارية، ما يعني أنه في حال إفلاس هذه المؤسسة المالية، قد يخسر العملاء أموالهم.

الرئيس التنفيذي لـ»بي دي سويس« ((BDSwiss في الشرق الأوسط، دانيال تقي الدين، قام شرح مفهوم العملات الرقمية، فقال لـ«CNN الاقتصادية»: »تعمل العملات الرقمية الصادرة عن البنوك المركزية كبديل أو مكمل للنقد وبديل للودائع المصرفية التقليدية«.

ويتم تشبيه العملات الرقمية الصادرة عن البنوك المركزية أيضاً بالعملات المشفرة(cryptocurrencies) ، وبالعملات المستقرة (stablecoins). وفيما تندرج جميع هذه الأنواع تحت خانة العملات الرقمية(digital currencies) ، الا ان العملات المشفرة -مثل البتكوين والإيثيريوم- تستخدم نظاماً لا مركزياً، على عكس العملات الرقمية الصادرة عن البنوك المركزية. والعملات المستقرة -مثل التيثر- وهي نوع يختلف عن العملات المشفرة، وتكون قيمتها مرتبطة بعملات أخرى مثل الدولار، أو بسلع مثل الذهب.

بعض هذه البنوك بدأ بالفعل في تطبيق عملاته الرقمية مثل بنك الشعب الصيني، فيما لا يزال البعض الآخر يقيّم هذه الخطوة عبر برامجه التجريبية. ومن بين البنوك التي تستكشف هذا الخيار، بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك الذي أطلق برنامجاً تجريبياً للدولار الرقمي مع مجموعة من البنوك الكبرى العالمية مثل «سيتي غروب« و»ويلز فارغو« لمدة استغرقت 12 أسبوعاً، إضافة الى بنك اليابان الذي يعمل على إطلاق معاملات تجريبية للين الرقمي بدءاً من ربيع عام 2023. ووفقاً لنتائج هذه التجربة، سيتخذ البنك المركزي الياباني قراراً حول ما إذا كان سيصدر عملة رقمية بحلول عام 2026 ام لا.

وبحسب تقي الدين، فإن «ما يقرب من 100 دولة -أي ما يمثل نحو 95 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي- تستخدم أو تبحث في إطلاق العملات الرقمية الصادرة عن البنوك المركزية، وحوالي 30 في المئة من الدول تقوم بإجراء تجارب تطبيقية. في رأيي، سيستمر اهتمام البنوك المركزية في العملات الرقمية التابعة لها في الزيادة، خصوصاً في البلدان ذات أنظمة الدفع الأقل الأماناً والأقل فعالية مقارنةً بغيرها نسبياً».

العملات الرقمية الصادرة عن البنوك المركزية العربية

على صعيد المنطقة العربية، من أصل البنوك الثمانية عشر التي أعلنت موقفها تجاه إصدار عملة رقمية تابعة لها، قال ستة عشر بنكاً مركزياً أنه ينظر أو يستكشف إصدار عملة رقمية. وتوقع تقي الدين أن يزداد عدد هذه البنوك.

وكان صندوق النقد العربي أطلق في شھر أغسطس آب من عام 2021، استطلاعاً أظهر أن ثلاثة عشر بنكاً ينظر أو يستكشف إصدار عملة رقمية من أصل البنوك السبعة عشر التي أعلنت عن موقفها.

ومن أبرز مستجدات هذا النوع من المشاريع في المنطقة، أعلن محافظ البنك المركزي التونسي، مروان العباسي، في سبتمبر أيلول من عام 2022، أن البنوك المركزية العربية تعمل على اعتماد عملات رقمية لاستخدامها في التجارة البينية مثل مشروع عملة »عابر« الرقمية المقامة بين السعودية والإمارات.

وعلى صعيد العملات الرقمية الصادرة عن البنوك المركزية في مجال مدفوعات التجزئة، أظهرت العديد من المصارف المركزية في المنطقة اهتماماً في هذا المجال. ومن أبرز تلك البنوك، البنك المركزي في الجزائر الذي أعلن عزمه اعتماد عملة رقمية وطنية تحت مسمى »الدينار الرقمي الجزائري«، ومصرف الإمارات المركزي الذي أعلن عزمه إصدار عملة رقمية خاصة به.

قال تقي الدين: «تُعتبر المدفوعات عبر الحدود واحدة من أكثر أنواع الدفع تعقيداً. إذ تعتمد هذه الوسيلة على نظام المراسلة المصرفي، وهو ترتيب يقوم بموجبه بنك في بلد ما بوضع ودائع في بنك آخر في بلد آخر والعكس صحيح. ولكن في حال لجوء هذه الدول إلى العملات الرقمية الصادرة عن البنوك المركزية لإتمام هذه العملية، ستزيد هذه الوسيلة من الكفاءة والوصول، والحفاظ على السيادة النقدية».

تحديات ومزايا العملات الرقمية الصادرة عن البنوك المركزية

تحظى العملات الرقمية الصادرة عن البنوك المركزية بالعديد من التحديات والمزايا التي لخصنا أبرزها في النقاط أدناه:

المزابا

  • تزيد من مستويات الشمول المالي بسبب رفع إمكانية الوصول لنظم الدفع عبر الهواتف المحمولة حتى للفئة من الأشخاص التي ليس لديها حسابات مصرفية
  • تدعم رقمنة الاقتصادات وتشجع الابتكار في نظام المدفوعات
  • ترفع كفاءة أنظمة البنوك المركزية بسبب كلفة إصدارها المتدنية نسبياً مقارنة بالنقد المادي
  • كما تساعد البنوك المركزية في الحفاظ على دورها كمقرض الملاذ الأخير

التحديات

  • تزعزع استقرار البنوك جراء إتاحة هذا النوع من العملات إمكانية سحب عدد كبير من المواطنين لودائعهم من البنوك في اَنٍ واحد وتحويلها إلى عملات رقمية، وهو ما يحدث بكثرة خلال الأزمات، وخاصةً في البلاد الناشئة نظرًا لعدم استقرار عملاتها المحلية
  • كما ترفع من إمكانية نقل الصدمات عبر الحدود، ما ينعكس سلباً على استقلالية السياسة النقدية والاستقرار المالي
  • تهدد البنوك المركزية -خاصة تلك الواقعة في البلدان الناشئة والتي تعتمد بشكل كثيف على الاستيراد- بفقدان سيادتها النقدية بسبب توجه مواطني بلادها لاعتماد العملات الرقمية الصادرة عن بنوك مركزية تابعة لدول أخرى
  • وتحدّ من فعالية بعض أدوات البنوك المركزية المختصة بسياساتها النقدية مثل أسعار الفائدة
  • تزيد من مخاطر الأمن السيبراني
  • واخيراً، تزيد من مراقبة وتحكّم الحكومات بنقود مواطنيها، إذ تتيح العملات الرقمية الصادرة عن البنوك المركزية للحكومات مراقبة كل عملية شراء أو بيع يقوم بها المستهلكون، بالإضافة إلى إمكانية مصادرة أو تجميد بعض أو جميع النقود الرقمية التابعة للمستهلكين.

رغم أن قائمة المخاطر التي تحيط بالعملات الرقمية الصادرة عن البنوك المركزية متشعبة، يعتبر البعض أن اعتمادها من قبل البنوك المركزية مسألة وقت فقط.