يثير النمو السريع لمنصات وسائل التواصل الاجتماعي وتأثيرها على المجتمع قلقاً حول كيفية تنظيم هذه الفضاءات الرقمية، إذ اختارت بعض الحكومات، مثل الولايات المتحدة، حظر بعض المنصات، وهو ما يقترحه مشروع قانون (RESTRICT)، كما يستعد الأردن لتقديم خطته لتنظيم منصات وسائل التواصل الاجتماعي والتعامل مع الشركات الإعلامية الدولية في اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي سيعُقد في الرباط في يونيو حزيران المقبل، وهو مشروع لا يخلو من إيجابيات وسلبيات.

لكن ثمة مقاربات أكثر فاعلية وتوازناً يجب أخذها بعين الاعتبار على الصعيد المقابل، حيث يقدّم الاتحاد الأوروبي، الذي بادر إلى إقرار قوانين تنظيم الخصوصية الرقمية وحماية معلومات الأفراد، مثالاً يوضح إمكانية حماية الأمن القومي والحريات الفردية دون اللجوء إلى الرقابة المباشرة، إلى جانب محو الأمية التكنولوجية وإدخالها في مناهج التعليم.

نقطة حاسمة تجب مراعاتها قبل التعمق في النقاش، هي أن حظر منصات وسائل التواصل الاجتماعي يمكن تجاوزه بسهولة باستخدام أدوات مثل الشبكات الخاصة الافتراضية (VPN)، وتجربة الشباب في إيران نموذج حي؛ فباستخدام هذه التقنيات يمكن للمستخدمين تجاوز القيود الجغرافية والاستمرار في الوصول إلى المنصات المحظورة، وهو ما يجعل الحظر غير فعال في التعامل مع القضايا الأساسية، بل قد يكون مضراً، حيث يمكن أن يشجع المستخدمين على البحث عن بدائل أقل أماناً وأقل تنظيماً.

علاوةً على ذلك، أصبحت منصات مثل « تيك توك» قنوات مهمة للمواطنين لمشاركة آرائهم والمشاركة في النقاش العام. وتقييد الوصول إلى هذه المنصات لأسباب الأمن القومي يؤسس لسابقة تحدد الحريات الشخصية والعامة ويمكن أن يسبب ضرراً أكثر من أي فائدة. كما أن الحد من قدرة المواطنين على التعبير عن آرائهم بحرية يؤدي إلى كبت الحوار المفتوح وعرقلة نمو الديمقراطية الصحية والحيوية، واللجوء إلى العنف بدلاً من العمل السياسي.

تدعو الخطة الاستراتيجية التي يطرحها الأردن إلى التعاون والتنسيق لضمان «عرض عادل» للمحتوى المتعلق بالعرب على هذه المنصات من خلال برمجة الخوارزميات لعرضه أو إخفائه، وهذا أمر يدعو للقلق، إذ تُمكّن الخطة المطروحة الحكومات من تعديل خوارزميات الشبكات الاجتماعية لرقابة المحتوى على نطاق واسع. ويمكن أن تقوض مثل هذه الإجراءات مبادئ حرية التعبير، ما يؤكد ضرورة مقاربة أكثر توازناً للتنظيم الرقمي.

حلول بديلة

بدلاً من الحظر الشامل، ينبغي للمنظمين التركيز على معالجة الانتهاكات من قبل شبكات التواصل الاجتماعي مثل «تيك توك».

يمكن أن يكون ضمان التزام المنصات بقوانين الخصوصية الرقمية الصارمة ومعاقبتها على عدم الامتثال وسيلةً أكثر فاعلية لحماية خصوصية المستخدمين والأمن القومي.

وتوفر اللائحة العامة لحماية البيانات في الاتحاد الأوروبي «GDPR» إطاراً شاملاً لحماية خصوصية المستخدمين والبيانات. ومن خلال تنفيذ تشريعات مماثلة يمكن للحكومات أن تضمن تصرف منصات وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مسؤول وشفاف عند جمع واستخدام بيانات المستخدمين.

ستطلب هذه القوانين من المنصات الحصول على موافقة صريحة من المستخدمين قبل معالجة بياناتهم، وتوفير تفسيرات واضحة حول كيفية استخدام البيانات، وتنفيذ تدابير أمنية صارمة لحماية البيانات من الانتهاكات.

وبالإضافة إلى اعتماد قوانين الخصوصية الرقمية الصارمة، ينبغي للحكومات التركيز على زيادة الثقافة الإعلامية بين مواطنيها.

ومع تنامي استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح انتشار الأخبار المضللة والمزيفة مبعث قلق كبير.

وعن طريق تعليم المواطنين كيفية تقييم المعلومات التي يصادفونها عبر الإنترنت بشكل ناقد، يمكن للحكومات المساعدة في خلق جمهور أكثر تمييزاً وإدراكاً.

يجب دمج تعليم الثقافة الإعلامية في مناهج المدارس، مع ضمان نمو الأجيال القادمة بالمهارات التي يحتاجون إليها للإبحار في العالم الرقمي بمسؤولية.

وبالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام حملات التوعية العامة وبرامج التعليم للكبار لتعزيز الثقافة الإعلامية بين السكان عموماً.

يشكل هذا فرصة للأردن، ولدول أخرى في المنطقة، للنظر في مقاربة أكثر توازناً للتنظيم الرقمي، تعطي الأولوية لخصوصية البيانات والثقافة الإعلامية على الحظر الشامل أو التحكم بالخوارِزْميّات. فمن خلال تمكين المواطنين من اتخاذ قرارات واعية حول المحتوى الذي يستهلكونه يمكن الحد من الحاجة إلى تدخل الحكومات. وعلاوة على ذلك، يشجع هذا النهج ثقافة التفكير النقدي، الأمر الذي يعد أساسياً لتطور الديمقراطية الصحية والنابضة بالحياة.

إن الحظر أو التحكم بمنصات وسائل التواصل الاجتماعي حلٌ قصير النظر، ويمكن أن يكون ضاراً للغاية في التعامل مع المسائل المعقدة المتعلقة بتنظيم العالم الرقمي.

فمن خلال الاعتراف بقيود الحظر وتركيز الجهود بدلاً من ذلك على معالجة انتهاكات المنصات واعتماد قوانين خصوصية البيانات على غرار الاتحاد الأوروبي والاستثمار في الثقافة الإعلامية، يمكن للحكومات تحفيز منصات رقمية أكثر أماناً وشفافية وإدراكاً يستفيد منها الجميع.

عن طريق تعزيز ثقافة الثقة والمسؤولية، يمكن للحكومات حماية الأمن القومي والحريات الفردية وتعزيز الابتكار والمنافسة في قطاع التكنولوجيا.

* جينو الرعيدي مدون وناشط في مجال حرية التعبير ومدير عام الاستراتيجية الرقمية بائتلاف «إنترآكشن» في واشنطن.

** الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر «CNN الاقتصادية».