ربما أصبحت « ميتا»، الشركة الأم لـ«فيسبوك»، الضحية الأكثر شهرة في نزاع الخصوصية الدائر بين أوروبا والولايات المتحدة، والذي لا تظهر له نهاية قريبة إلى الآن.
أقرَّ منظمو الاتحاد الأوروبي غرامة مالية قياسية على «ميتا» بمقدار 1.2 مليار يورو، ما يعادل 1.3 مليار دولار أميركي، بسبب انتهاكها قوانين الخصوصية في الاتحاد الأوروبي عن طريق نقل البيانات الشخصية لمستخدمي «فيسبوك» إلى خوادم في الولايات المتحدة، وقالت «ميتا»، يوم الاثنين، إنها ستستأنف الحكم بما في ذلك الغرامة.
تلك الغرامة الأخيرة ليست مجرد جزاء لمرة واحدة لاستهداف «ميتا» أو ممارساتها التجارية وحدها، بل يعكس توترات كُبرى معلقة بين أوروبا والولايات المتحدة بشأن خصوصية البيانات والمراقبة الحكومية وتنظيم منصات الإنترنت.
تلك التوترات التي احتدمت لسنوات، وصلت الآن إلى ذروتها، والتي من الممكن أن تطول آلاف الشركات التي تعتمد على معالجة بيانات الاتحاد الأوروبي في الولايات المتحدة، في ظل عدم ثقة أوروبا في سلطات المراقبة الأميركية، وفي الوقت الذي تحاول فيه الأخيرة أن تقف في مواجهة التطبيقات الأجنبية مثل «تيك توك» الصيني بسبب مخاوف المراقبة ذاتها.
القصة وراء الغرامة القياسية
بحكم صادر عام 2020، أبطلت محكمة العدل الأوروبية إطاراً قانونياً معقداً تعتمد عليه «ميتا» وغيرها من الشركات الأخرى حتى ذلك الحين في نقل بيانات المستخدمين في الاتحاد الأوروبي بشكل قانوني إلى خوادم أميركية كجزء طبيعي لإدارة أعمالها.
هذا الإطار معروف باسم «اتفاقية درع الخصوصية»، وهو نتاج لكثرة الشكاوى الأوروبية من عدم تقديم السلطات الأميركية ما يكفي لحماية بيانات مواطنيها، في الوقت ذاته الذي تابع العالم فيه شهادات إدوارد سنودن المتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي الأميركية، والذي فجّر فضيحة برنامج التجسس الحكومي عام 2013؛ والتي تضمنت تفاصيل تجسس على الاتصالات الإلكترونية لمواطنين أجانب في أثناء استخدامهم برامج محادثات طورتها «غوغل» و«مايكروسوفت» و«ياهو».
تُجرى معظم الاتصالات عبر الإنترنت في العالم خلال منصات مقرّها الولايات المتحدة، وترسل بياناتها عبر خوادم أميركية، ومع أقل إجراءات حماية قانونية من شأنها حفظ حقوق الأجانب أو الأميركيين من التتبع؛ ما دفع الاتحاد الأوروبي للشعور بالقلق.
اتفاق «درع الخصوصية»
أُبرمت اتفاقية «درع خصوصية البيانات» بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عام 2016 لمعالجة مخاوف بشأن الخطر الذي تشكّله برامج المراقبة الأميركية من خلال جعل الشركات الأميركية مسؤولة عن معالجتها بيانات المستخدمين الأجانب بشكل موثوق.
وبقدر ما كان يبدو حينها حلاً دائماً لنمو مجتمع عالمي متصل بالإنترنت، إلا أنه الآن يعرقل من التدفق الحر للبيانات.
عندما أبطلت محكمة العدل الأوروبية هذا الإطار في عام 2020، تكررت مخاوف المراقبة ذاتها، وتسبب القرار في نشر حالة عدم ثقة بين أكثر من 5300 شركة تعتمد على النقل السلس للبيانات عبر الحدود.
قالت الحكومة الأميركية إن تدفقات البيانات عبر الأطلسي تدعم أكثر من 7 تريليونات دولار سنوياً من النشاط الاقتصادي بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وقدرت غرفة التجارة الأميركية عمليات نقل البيانات عبر الأطلسي بأنها تمثل نحو نصف عمليات نقل البيانات في كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وتعمل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على تطبيق اتفاقية شبيهة كي تخلف «درع الخصوصية» تحتوي على بعض التغييرات بشأن ممارسات المراقبة الأميركية، إن نُفذت في الوقت المناسب، فقد تنقذ «ميتا» وغيرها من تعليق عمليات نقل البيانات عبر الدول أو بعض عملياتها الأوروبية.
لكن من غير الواضح بعدُ ما إذا كان إطار الخصوصية الجديد كافياً لقبول الاتحاد الأوروبي به.
تجسس الاستخبارات الأميركية تحت المجهر
يتجه التركيز الآن إلى القوانين التي بموجبها تعمل الاستخبارات الأميركية، في ظل مخاوف من احتمالية توقف عمليات نقل البيانات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وفي الوقت نفسه ترسل الحكومة الأميركية إنذاراتها الخاصة بشأن مخاوفها من مراقبة وتجسس الحكومة الصينية عليها.
وحذّر مسؤولون أميركيون من أن الصين قد تسعى لاستخدام بيانات تجمعها من التطبيق الصيني «تيك يوك» لصالح حملات الاستخبارات الصينية أو الدعاية باستخدام المعلومات الشخصية للأجانب، لتحديد أهداف التجسس أو للتلاعب بالرأي العام من خلال المعلومات المضللة المستهدفة.
لكن السلطات الأميركية تواجه معضلات أخلاقية، إذ تسببت انتقادات الاتحاد الأوروبي لها في أزمة قد تتفاقم بسبب زلاتها.
ففي الأسبوع الماضي، اضطرت محكمة فيدرالية لتوضيح كيفية تمكن مكتب التحقيقات الفيدرالي من الوصول بشكل «غير قانوني» إلى قاعدة بيانات استخباراتية ضخمة مخصصة لمراقبة الرعايا الأجانب، في محاولة لجمع معلومات عن مثيري الشغب في مبنى الكابيتول في الولايات المتحدة، وأولئك الذين احتجوا على مقتل جورج فلويد عام 2020.
إن الوصول «غير القانوني» لاسترداد معلومات استخباراتية أجنبية أو لاستخدامها كأدلة على جريمة، وفقاً لتقييم وزارة العدل الموضح في رأي المحكمة، قد أثار غضب النقاد المحليين فقط لقانون المراقبة الأميركي، ويمكن أن يدعم موقف نقاد الاتحاد الأوروبي.
واعتمدت قاعدة البيانات الاستخباراتية المعنية بموجب المادة 702 من قانون مراقبة الاستخبارات الأجنبية، وهو القانون نفسه المستخدم لتبرير برنامج المراقبة التابع لوكالة الأمن القومي، والذي أشار إليه الاتحاد الأوروبي مراراً وتكراراً على أنه خطر على مواطنيه وسبب للاشتباه في مشاركة البيانات عبر الحدود.
وبينما تُميز الولايات المتحدة نفسها عن الصين بناءً على التزاماتها بالحكم المنفتح والديمقراطية، فإن مخاوف الاتحاد الأوروبي بشأن الولايات المتحدة لا تختلف كثيراً، وتنمُّ على انعدام الثقة العميق في سلطة المراقبة الواسعة والشكوك حول إساءة الاستخدام المحتملة لبيانات المستخدمين.
(بريان فونغ – CNN)