في وقت سابق من هذا الشهر، أعلنت منظمة الصحة العالمية رسمياً أن جائحة كورونا لم تعد تمثّل حالة طوارئ صحية عالمية، ورغم ذلك، ليس الوقت بالمناسب للاستراحة، بل هو وقت جوهري لضمان استعدادنا لأي جائحة قد نتعرض لها في المستقبل.
إنه ليس الوقت المناسب للتخلي عن حذرنا وحرصنا، فمن الواضح أن مخاطر كوفيد-19 لا تزال قائمة، إذ أصبح الفيروس جزءاً من أمراض الجهاز التنفسي الشائعة التي يواجهها الناس، وسيظل فيروس كوفيد-19، ذو الحمض النووي الريبي (ر.ن.أ)، يتسبب في حدوث متحورات.
كان هذا الحال على مدى السنوات الثلاث الماضية، ويعني هذا أن أي تغيّر في الفيروس يحتاج إلى المراقبة عن كثب لأن تطوير اللقاحات والعلاجات المستقبلية سيعتمد على الخصائص الفريدة الجديدة التي يطوّرها الفيروس.
علاوة على ذلك، الاستمرار في مراقبة الحالات وشدتها سيلعب دوراً رئيسياً في تصنيف الفيروس على أنه إمّا مرض نزلات برد أو أنه سيستمر في التأثير بشكلٍ حاد على الأفراد المعرضين لمخاطر عالية.
كما نعتقد أن الاستفادة من المعرفة المكتسبة من الجائحة أمر أساسي بالنسبة لنا لإيجاد تدابير وقائية جديدة لتفشي الأمراض في المستقبل.
هذه المعرفة تدعمنا في إدارة الموارد المحدودة بشكلٍ أكثر كفاءة وتدفعنا إلى إجراء مزيد من البحوث والتجارب السريرية لمحاربة إمكانية ظهور متغيرات جديدة.
كان أحد الدروس الرئيسية المستفادة من كوفيد-19 هو الحاجة الملحة إلى البيانات العالمية ومشاركة الموارد ليكون لها تأثير أعمق على صحة الناس، لا سيما في سياق البلدان النامية. كما يمكن أن تساعد المراقبة المستمرة للحالات والتوجهات الجديدة على توفير استراتيجيات عالمية فعّالة لجهود التأهب للأوبئة والجائحات.
يسهم قطاع الرعاية الصحية في دولة الإمارات العربية المتحدة، الذي نشكل جزءاً منه، في التأهب لأي جائحة في المستقبل؛ فلدى الدولة تدابير قوية لتعزيز قدرتها على الصمود في مواجهة التهديدات المستقبلية، ويشمل ذلك تنفيذ المراقبة المطلوبة لفيروس كوفيد-19، على غرار كيفية مراقبة فيروس الإنفلونزا وفيروسات الجهاز التنفسي الأخرى، فضلاً عن توخي اليقظة في ملاحظتها عن كثب لارتفاع عدد حالات الإصابة بالفيروس، كما أنها من خلال مكانتها الدولية التعاونية، تتواصل الإمارات باستمرار مع الشركاء العالميين الرئيسيين، حيث يتم تبادل البيانات حول التوجهات الجديدة والتسلسلات الجينية.
كان لجائحة كوفيد-19 تأثير قوي لا يمكن إنكاره على قطاع الرعاية الصحية، إذ قدمت لكل من يعمل في مجال التكنولوجيا الحيوية والمستحضرات الصيدلانية تحديات ملحة ساعدت على إيقاد إمكاناتنا ووضع عقلياتنا المبتكرة موضع التنفيذ؛ أبرزها أن إلحاح الأزمة الصحية العالمية امتحن قدراتنا على مكافحة الجائحة العالمية وإبطاء انتشار الفيروس في غضون فترة زمنية قصيرة.
كما زودتنا التجربة برؤى لا تُقدّر بثمن وساعدتنا على بناء طرق جديدة للعمل ومهارات الاستجابة حول كيفية الاستعداد لتفشي الأمراض في المستقبل، وقبل كل شيء، سلّطت الضوء على الحاجة إلى تضافر الجهود العالمية للتأهب للأوبئة والجائحات في المستقبل.
وإذا أردنا التخطيط للمستقبل، فإن دمج الممارسات التكنولوجية في طريقة تفكيرنا الموجهة نحو الحلول أمر بالغ الأهمية. وفي ظل الحضور المتزايد للذكاء الاصطناعي، يمكن للشركات الرئيسية في قطاع الرعاية الصحية الاستفادة من إمكاناته وزيادة الفعالية من خلال المعالجة الأسرع لتطوير الأدوية والتجارب السريرية اللامركزية.
وفي الختام، فإن المرونة والاستجابة الاستراتيجية من خلال الرؤى المدعومة بالبيانات يمكن أن تطور من الطريقة التي يتم بها التعامل مع الأوبئة والجوائح الصحية؛ من خلال مشاركة البيانات العالمية ونهج مفتوح وتعاوني، نحن قادرون على التنبؤ بشكلٍ أفضل ومنع تفشي الأمراض المستقبلية التي لها التأثير نفسه، إذ يساعدنا ذلك على العمل معاً في اتخاذ تدابير استباقية وفعّالة للتخفيف من المخاطر التي من المحتمل أن نواجهها حتى تتمكن مجتمعاتنا من الازدهار وتكون بصحة أفضل للأجيال القادمة.
* الدكتورة نوال الكعبي كبيرة المستشارين الطبيين في حياة بايوتك، وهي شركة رائدة في مجال التكنولوجيا الحيوية وعلوم الحياة مقرها الإمارات العربية المتحدة.
** الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر «CNN الاقتصادية».