تنتظر سوق العملات أحداثاً مهمة قد تؤدي إلى تقلبات قوية هذا الأسبوع، إذ ستعلن عدة بنوك مركزية عن قرارات السياسة النقدية الخاصة بها.

ويترقب المتداولون عن كثب، وسط حالة قلق بشأن تحركات السياسة النقدية، وعلى رأسها قرار الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، والبنك المركزي الأوروبي هذا الأسبوع.

نظرة على الأوضاع الاقتصادية

يواجه البنك المركزي الأوروبي والاحتياطي الفيدرالي بعض المشكلات المشتركة، مثل ارتفاع التضخم وتباطؤ النمو الاقتصادي.

في ضوء ذلك، أبلى الاحتياطي الفيدرالي بلاءً حسناً بشكلٍ أفضل بكثير، إذ استطاع خفض التضخم الرئيسي بما يكفي من مستهدف البنك المركزي.

وتُظهر القراءات الأخيرة لمؤشر أسعار المستهلكين الأميركي، أن التضخم في الولايات المتحدة تراجع إلى ثلاثة في المئة، وكان هذا انخفاضاً كبيراً مقارنة بتوقعات السوق التي بلغت 3.1 في المئة حينذاك، ومقابل القراءة السابقة المسجلة عند أربعة في المئة.

ويستهدف الاحتياطي الفيدرالي استقرار التضخم عند اثنين في المئة، ورفض حتى الآن تعديل هذا الهدف، ويبدو أن المركزي الأميركي لن يتخلى عن هدف التضخم الخاص به، لأنه واثق جداً بأن السياسة النقدية بالغة التشديد قد حققت أهدافه.

بعبارة أخرى، أدّت عملية رفع سعر الفائدة إلى خفض التضخم بما يتماشى مع توقعات الفيدرالي، لكن هذا بالطبع جاء على حساب تباطؤ كبير في النشاط الاقتصادي وتهديدات بحدوث ركود خطير.

أمّا بالنسبة للبنك المركزي الأوروبي، فلا يزال لديه الكثير من الأمور التي عليه التعامل معها، إذ لا يزال التضخم مرتفعاً بمقدار المثلين عن الهدف، والآمال ضعيفة في أن تهدأ هذه الأرقام وتصل إلى مستوى يشعر فيه صانعو السياسات الأوروبيون بالثقة.

ومع ذلك، أعتقد أن التضخم يتحرك في الاتجاه الصحيح، وسنرى تحسناً كبيراً في هذه الأرقام في الشهر المقبل، إذ يُصنف معدل التضخم ضمن المؤشرات المتأخرة وليست الرائدة.

يوصف التضخم بأنه مؤشر متأخر؛ لأنه يمكن قياس وملاحظة تغيره بعد وقت من تغير أسعار الفائدة التي يرتبط بها.

على سبيل المثال، شهدنا الأسبوع الماضي انخفاضاً كبيراً في معدل التضخم في بريطانيا، الذي هبط من 8.7 في المئة إلى 7.9 في المئة، بينما بلغ معدل التضخم السنوي في منطقة اليورو 5.5 في المئة الشهر الماضي، وهو تحسن كبير عن الرقم السابق البالغ 6.1 في المئة في مايو أيار.

كيف تتأثر سوق العملات باجتماعات الفائدة؟

من الناحية النظرية، ترتفع قيمة العملة عندما يتبنى البنك المركزي سياسة نقدية متشددة، وذلك عندما يبدأ زيادة سعر الفائدة وتقليل دعم السياسة النقدية من حيث التيسير الكمي.

على الجانب الآخر، عندما يتبنى البنك المركزي موقفاً معاكساً، ويوقف عملية رفع أسعار الفائدة، ويتجه إلى خفض الفائدة بدلاً من ذلك، تبدأ عملة البلد بفقدان الزخم.

ورفع البنك المركزي الأوروبي سعر الفائدة بواقع أربع نقاط مئوية منذ بداية دورة التشديد النقدية في يوليو تموز 2022، ومن المتوقع على نطاق واسع أن يقر البنك زيادة إضافية قدرها 50 نقطة أساس أخرى عندما يجتمع في السابع والعشرين من يوليو تموز 2023.

أمّا بالنسبة لبنك الاحتياطي الفيدرالي، فقد رفع سعر الفائدة من المستويات الصفرية في مارس آذار 2022 إلى 5.25 في المئة، ومن المتوقع أن يقوم البنك المركزي بزيادة قدرها 25 نقطة أساس أخرى في اجتماع السياسة النقدية التالي الذي ينتهي في السادس والعشرين من يوليو تموز.

رد الفعل المتوقع من اليورو والدولار

أعتقد أن هذه ستكون آخر مرة يقوم فيها بنك الاحتياطي الفيدرالي برفع سعر الفائدة هذا العام، مع اقتراب انتهاء دورة التشديد النقدي من الفيدرالي الأميركي.

وتشير الاحتمالات إلى أن الاحتياطي الفيدرالي سيواصل إيلاء اهتمام وثيق للبيانات الاقتصادية خلال أشهر الصيف وبقية العام، مع التركيز على زاويتين رئيسيتين هما سلامة سوق العمل ومعدل التضخم.

وستعتمد حركة الدولار المستقبلية إلى حدٍ كبير على تعليقات بنك الاحتياطي الفيدرالي خلال اجتماعه هذا الأسبوع، إذ من المحتمل جداً أن يحتفظ البنك بنبرة متشددة، ويرسل رسالة مفادها أن اللجنة ستراقب البيانات الاقتصادية عن كثب، وستتفاعل عند الحاجة، ومن غير المرجح أن يجلب هذا أي قوة لمؤشر الدولار.

ومع ذلك، إذا حاد الفيدرالي عن النص، وأظهر ثقة أقل في بيانات التضخم، فقد تتعرض السوق لصدمة، وقد يرتفع مؤشر الدولار بقوة كبيرة.

في المقابل، نجد المتداولين أقل قلقاً بشأن إطلاق المركزي الأوروبي لأي مفاجأة، وهم واثقون بأن المسار الأكثر ترجيحاً يميلُ إلى اتجاه اليورو إلى الصعود.

وفي ظل وجود الكثير أمام المركزي الأوروبي، وبقاء التضخم أعلى بكثير من مستهدفه البالغ اثنين في المئة، فسيعني ذلك أن رفع سعر الفائدة نصف نقطة مئوية أمر غير قابل للنقاش.

فضلاً عن ذلك، لن يكون أمام رئيسة المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، خيار آخر سوى الاستمرار في زيادة أسعار الفائدة لمرتين أو ثلاث مرات على الأقل.

وستعتمد الزيادة الإجمالية المتوقعة في سعر الفائدة، والبالغة نقطة مئوية، على البيانات الاقتصادية، ولكن في نهاية المطاف قد لا يختلف سعر الفائدة بشكلٍ كبير عن المستوى الذي يتوقف عنده بنك الاحتياطي الفيدرالي.

لذلك، أتوقع أن يستمر اليورو في الارتفاع على خلفية اجتماع البنك المركزي الأوروبي القادم، بينما من المرجح أن يواجه مؤشر الدولار مزيداً من الضعف، إذ سيصل الاحتياطي الفيدرالي إلى ذروة دورة رفع أسعار الفائدة هذا الأسبوع.

* نعيم إسلام متداول سابق في صناديق التحوط ولديه أكثر من 15 عاماً من الخبرة في مجال الخدمات المصرفية الاستثمارية. عمل إسلام مع «بنك أوف أميركا» في تداول الأسهم، ومع «بنك نيويورك» في تداول صناديق التحوط، وهو متخصص في تقنيات البلوكتشين والأصول التقليدية، ومؤسس ورئيس قسم المعلومات في (Zaye Capital Markets) المتخصصة في تقديم الأبحاث حول الأصول التقليدية والرقمية، كما شارك في تأسيس (Compare Broker).

**الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر «CNN الاقتصادية».