يعد تغير المناخ أكبر تهديد للصحة العالمية في القرن الحادي والعشرين، كما ورد في تقرير حديث نُشر في مجلة لانسيت، وهذا أبعد ما يكون عن الصواب حيث تستعد دبي لاستقبال ممثلي تغير المناخ من 200 دولة في مؤتمر الأطراف ( كوب 28) الثامن والعشرين.

سيشهد المؤتمر السنوي (كوب 28)، الذي يعقد تحت رعاية هيئة الأمم المتحدة لتغير المناخ، إظهار الجميع التزامهم بعدم الضرر بالمناخ على الإطلاق، وتم الأخذ بهذا التعهد في عام 2015 خلال اجتماع باريس للحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية، حيث تتراوح درجة الحرارة العالمية حالياً بين 1.1 و1.2 درجة مئوية، وكانت هذه الحرارة تتزايد بسرعة أكبر خلال الخمسين عاماً الماضية، ومن المتوقع أن يرتفع متوسط درجة حرارة الأرض بمقدار 1.8 إلى 4 درجات مئوية بحلول عام 2100 إذا لم يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة.

إذا استمر الوضع على المنوال نفسه، فسوف يؤدي لأسوأ أنواع الفيضانات والتسونامي والأعاصير والجفاف والأمواج الباردة والساخنة والزلازل والأوبئة التي سيكون لها تأثير ضار وكبير على الصحة العامة العالمية بشكل حتمي، إذ إن تغير المناخ يهدد الغذاء والماء والأمن الصحي، ويشكل تهديداً لبقاء البشرية نفسها.

التحدي الذي يواجه الرعاية الصحية

كيف نقيس جاهزية قطاع الرعاية الصحية؟ تعلن منظمة الصحة العالمية عن اختبار حاسم للاستدامة والمرونة مع تغير المناخ بعبارات غير قابلة للتأويل، حيث يتم تعريفه على أنه قدرة القطاع الصحي في أي بلد على توقع الصدمات والضغوط المرتبطة بالمناخ والاستجابة لها والتعامل معها والتعافي منها والتكيف معها، بالإضافة إلى تقليل الآثار السلبية على البيئة والاستفادة من الفرص لاستعادتها وتحسينها، وذلك لتوفير رعاية صحية مستمرة ومستدامة للسكان المستهدفين وحماية صحة وسلامة الأجيال القادمة، لقد أنشأت منظمة الصحة العالمية مؤشر سلامة المستشفيات (HSI) الذي يتضمن عدة عوامل لتقييم مدى سهولة الوصول إلى البنية التحتية للمستشفيات وفاعليتها مباشرة بعد وقوع كارثة طبيعية.

لقد واجهنا هذا خلال جائحة «كوفيد-19»، وقد كان درساً قاسياً، حيث شهدنا انهيار عدد كبير جداً من أنظمة الرعاية الصحية في العالم.

تصميمنا على المِحَكّ

إن الطريقة التي يتعين علينا أن نواجه بها هذا التحدي هي التركيز على التفاعل المشترك بين عوامل تغير المناخ ومختلف جوانب الرعاية الصحية، فمن ناحية لدينا عوامل تغير المناخ مثل الفيضانات والجفاف وارتفاع مستوى سطح البحر ودرجات الحرارة العالية وتفشي أمراض الحساسية الموسمية، ومن ناحية أخرى، هناك أربعة أقسام فرعية مهمة لقطاع الرعاية الصحية وهي العمالة الصحية والموارد الطبيعية التي تسهم في تشغيل مرافق الرعاية الصحية كالمياه والصرف الصحي والنظافة ونفايات الرعاية الصحية، وهي عوامل تؤثر بشكل مباشر على جميع لوائح الصحة والسلامة، يضاف إلى ذلك استهلاك الطاقة في هذا القطاع كالوقود الأحفوري والكهرباء والنفايات المشعة والموجات المنبعثة من الأقطاب المشعة وأجهزة التشخيص وما إلى ذلك، لأن تغير المناخ والممارسات غير المستدامة في مجال الرعاية الصحية تتناسب بشكل مباشر مع بعضها البعض.

وإذا أراد قطاع الرعاية الصحية إعطاء الأولوية للصحة العامة، فعليه أن يعمل على تحقيق أهداف مستدامة من شأنها أن تبقي كوادره قوية وصحية، وأن يعمل على أن تجنب الانبعاثات الكربونية من خلال الاستثمار في الغاز الحيوي والطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرها من موارد الطاقة المتجددة، والحد من تلوث الهواء والمياه، والعمل على تحقيق الاكتفاء الغذائي في المستشفيات عن طريق تقليص استهلاك اللحوم والوجبات السريعة، بالإضافة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في زراعة الفواكه والخضراوات والحبوب الغذائية باستخدام طرق التسميد لإنتاج الوقود الحيوي والأسمدة العضوية، كل هذا باختصار يعد المخطط الأساسي لنظام بيئي يعتمد على اقتصاد دوري، يخفض انبعاثات الكربون إلى الصفر.

لقد بدأ السباق نحو المرونة والاستدامة، وبما أن هناك العديد من الجهات الفاعلة غير الحكومية وأصحاب المصلحة في هذا السباق، فإن عبء خلق عالم مستدام وصديق للبيئة ويتمتع بصحة عامة قوية، يقع -إلى حد كبير- على عاتق أولئك الذين يمسكون بزمام قطاع الصحة العالمية.

* د. آزاد موبين مؤسس ورئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة أستر دي إم للرعاية الصحية (Aster DM Healthcare).

**الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر «CNN الاقتصادية».