تعتبر العلاقات الإماراتية المصرية نموذجاً يحتذى في العلاقات الثنائية بين الدول العربية، فهي علاقات تاريخية بُنِيت على مدار التاريخ على التكامل والتعاضد قيادةً وشعباً، وتميزت بروح أخوية راسخة.
يقول المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «الإمارات كأنها هي مصر أرضاً وشعباً»، وكما عبّر الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان عن هذه الرؤية في قوله «إن دولة الإمارات في طليعة الداعمين لاستقرار الشقيقة مصر.. أساس استقرار العالم العربي هو استقرار مصر، لا يمكن لنا إلَّا أن نكون فعّالين في تحقيق الاستقرار والتنمية».
في يوم الجمعة 23 فبراير 2024، وقَّعت الإمارات ومصر واحدة من أكبر صفقات الاستثمارات المباشرة في تاريخ البلدين لتنمية مدينة رأس الحكمة بقيمة 35 مليار دولار، والتي قد تنتج عنها استثمارات إضافية بقيمة 150 مليار دولار من الجانب الإماراتي على مدى عمر المشروع.
في تقرير الدبلوماسية الاقتصادية لدولة الإمارات الذي نشرته أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية، قدّمت فيه إطاراً نظرياً يعرّف ست ركائز أساسية للدبلوماسية الاقتصادية الإماراتية، ومن ضمنها ركيزة الصناديق السيادية ودور الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
وتمكّنت دولة الإمارات من دخول قائمة أكبر المستثمرين الخارجيين في العالم، إذ تعتبر واحدة من أهم 20 دولة في العالم في التدفقات الخارجية من الاستثمار الأجنبي المباشر حسب تقرير الاستثمار العالمي لأونكتاد، باستثمارات تبلغ 25 مليار دولار في عام 2022 (شكل 1) في إطار حرصها على التنويع الاقتصادي في ظل التغيّرات المناخية.
أمّا مصر فقد تأثر اقتصادها بشدة بالأزمات المتلاحقة من جائحة كورونا والاضطراب في سلاسل الإمداد والنزاعات العسكرية المختلفة التي سببت أزمة تضخم عالمية، وهو الأمر الذي دفع البنوك المركزية حول العالم إلى واحدة من أشد دورات التشديد النقدي برفع معدلات الفائدة لمعدلات تاريخية للسيطرة على معدلات التضخم، وهو الأمر الذي أدّى من ناحية أخرى إلى رفع تكلفة الاستدانة وصعوبة الحصول على تمويل خارجي في ظل خروج رؤوس الأموال من الدول النامية إلى الدول المتقدمة للبحث عن ملاذات آمنة في ظل ارتفاع أسعار العوائد في الدول المتقدمة، وهو الأمر الذي تسبب في فجوة تمويلية لتغطية الحساب الجاري لميزان المدفوعات في مصر وتخفيض قيمة الجنيه المصري لامتصاص جزء من الصدمات الخارجية.
في ظل ضعف معدل الادخار الوطني، كان الحل الأمثل للاقتصاد المصري هو جذب استثمارات أجنبية مباشرة لسد تلك الفجوة والبُعد عن الاقتراض في ظل الظروف العالمية الصعبة.
هناك عدة منافع للاستثمار الأجنبي المباشر؛ الأمر الذي يدفع العديد من الدول للتنافس بشكل كبير على جذب الاستثمارات، أولاً تعمل الاستثمارات المباشرة على سد فجوة بين معدلات الادخار ومعدلات الاستثمار في حالة صعوبة تمويل الاستثمار الضروري لتحقيق معدلات نمو اقتصادي مرتفعة وتوفير الوظائف، بالإضافة إلى تمويل الاحتياج من العملة الأجنبية وأيضاً تحصيل ضرائب من المشروعات الأجنبية الجديدة، وبالتالي تحسين موارد المالية العامة، وأيضاً توطين التكنولوجيا المتقدمة ونقل المعرفة في حالات المشاريع عالية التقنية.
كانت معدلات الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر في حدود ثمانية مليارات دولار في السنوات الماضية، وكانت توقعات «صندوق النقد» الدولي قبل إعلان الصفقة أن تصل إلى 16 مليار دولار بحلول عام 2028، لكن بعد هذه الصفقة وحصول مصر على برنامج جديد من صندوق النقد الدولي بقيمة قد تزيد على 10 مليارات دولار، فإنه يمكن القول إن هذه الأزمة قد شارفت على الانتهاء، وإن العمل على زيادة صلابة الاقتصاد المصري أمام الصدمات الخارجية هو المتوقع في الفترة القادمة.
في النهاية، يمكن القول إن هذا التعاون الاقتصادي الكبير، يمثّل التكامل بين الموارد الاقتصادية المختلفة وعناصر القوى للبلدين في ظل مصير واحد ومستقبل واحد.
*الدكتور محمد إبراهيم الظاهري، نائب المدير العام لأكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية، والدكتور أحمد رشاد، أستاذ الاقتصاد المساعد بأكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية، يمتلك الدكتور محمد إبراهيم الظاهري سجلاً متميزاً بالعمل في السلك الدبلوماسي، حيث تدرج في العديد من المناصب والمسؤوليات في وزارة الخارجية منذ انضمامه إليها في 2018.
*شغل دكتور أحمد رشاد العمل خبيراً اقتصادياً أول في دائرة الاقتصاد والسياحة- حكومة دبي، ومستشاراً اقتصادياً في لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا- تقرير إعادة التفكير في اللامساواة في البلدان العربية، وخبيراً اقتصادياً للبوابة العربية للتنمية في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
** الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبر عن وجهة نظر «CNN الاقتصادية»