شهد سوق الائتمان الخاص العالمي نمواً قوياً، بعدما توسَّع بمعدل 18% على مدى السنوات الخمس الماضية لتصل قيمة الأصول المدارة إلى 1.6 تريليون دولار أميركي تقريباً في عام 2023، ومن المتوقع أن يسجل هذا السوق نمواً بنسبة 11% تقريباً بحلول عام 2028، لتصل قيمة الأصول المدارة إلى 2.8 تريليون دولار أميركي، وفقاً لبيانات شركة «Preqin».

وتتضمن منتجات الائتمان الخاص حلولاً متعددة مثل الإقراض المباشر للشركات/ المنشآت الصغيرة والمتوسطة، والإقراض في ظروف العسر المالي وغيرها مثل الديون المضمونة بأصول. ويتركز الجزء الأكبر من نشاط الائتمان الخاص في دول أمريكا الشمالية وأوروبا، إذ تستأثر هذه الدول بحصة سوقية تناهز 90%.

وتجدر الإشارة إلى أنه يُلاحظ توجُّه بارز في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي للحاق بهذا الركب، مدفوعاً بعوامل مماثلة لتلك السائدة في المشهدية العالمية.

الفجوة التمويلية

يعد الائتمان الخاص هاماً للمنشآت التي لديها وصول محدود إلى التمويل المصرفي أو الأسواق العامة، أو تلك التي لا ترغب في بيع حصص الملكية. وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، تراجع الحجم الحالي للإقراض المصرفي للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، مقارنةً بمستوياته قبل 5 سنوات. وفي دراسة أجريت مؤخراً، شملت المنشآت الصغيرة والمتوسطة في دول مجلس التعاون الخليجي، تمت ملاحظة أن 30% فقط من هذه المنشآت تجد سهولة في الحصول على قرض مصرفي يدعم أعمالها.

كما يلاحَظ ارتفاع في معدلات رفض القروض البنكية للمنشآت الصغيرة والمتوسطة في المنطقة، حيث بلغت هذه النسبة 57% في الإمارات العربية المتحدة و32% في المملكة العربية السعودية، مقارنةً بـ 15% في المملكة المتحدة و23% في هولندا. وتؤدي هذه الديناميكيات، مصحوبةً بالنمو الاقتصادي والتركيز على مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة في دول مجلس التعاون الخليجي، إلى بروز فجوات ائتمانية كبيرة، سيعمل المقرضون من القطاع الخاص على رأبها.

فرص تحقيق عائدات أعلى لمديري الصناديق

أدى انخفاض أسعار الفائدة على مدى عقد من الزمن، إلى زيادة طلب المستثمرين على الاستثمارات الائتمانية ذات العوائد الأعلى، والتي يقوم مديرو الصناديق بتلبيتها من خلال منتجات جديدة تقدم «علاوة السيولة» (liquidity premium). وتتّسم صناديق الائتمان برغبة أكبر في قبول مخاطر الائتمان، نظراً للأفق الاستثماري طويل الأمد.

وتنعكس الأهمية المتنامية لهذا المجال، في توجُّه رواد الاستثمار المحليين، بوتيرة متزايدة نحو الائتمان الخاص، غير أن تركيزهم ينصب في الوقت الحالي خارج دول المنطقة. وتبرز في هذا الإطار الجهود الملحوظة لشركة «مبادلة» للاستثمار، التي تقيم العديد من الشراكات في مجال الائتمان الخاص بما في ذلك الاتفاق مؤخراً مع جولدمان ساكس للاستثمار في فرص الائتمان الخاص في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، إلى جانب الجهود الملحوظة التي تبذلها جهات فاعلة أخرى من بينها شركة Invest AD، وجهاز أبوظبي للاستثمار، وجهاز قطر للاستثمار.

كما تشهد دول مجلس التعاون الخليجي نمواً في حجم الائتمان الخاص، حيث تستفيد المنشآت الصغيرة والمتوسطة من منتجات الإقراض الائتماني الخاص التي يقدمها لاعبون مثل شركة NBK Capital، وشركة رؤيا بارتنرز أبوظبي، والواحة كابيتال، وشعاع كابيتال.

الفرص الناشئة في مجال الائتمان الخاص

من المتوقع أن تواصل حكومات دول مجلس التعاون الخليجي – من خلال خططها التحولية وأجنداتها الهادفة إلى التنويع الاقتصادي وتركيزها على مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة في النمو الاقتصادي – استقطاب المقرضين في مجال الائتمان الخاص. وقد أخذت أسواق أخرى هذا المنحى مثل سنغافورة، حيث خصصت هيئة النقد في سنغافورة مليار دولار لمديري الصناديق الائتمانية العالمية، لتطوير مركز محلي لسوق الائتمان الخاص.

ومن المتوقع أن تستفيد المنشآت الصغيرة والمتوسطة (SMEs) والشركات المتوسطة (mid-caps) في دول مجلس التعاون الخليجي، من فرص الائتمان الخاص، نظراً لمحدودية المرونة التي تقدمها المصارف. وتُعتبر القطاعات التي تتطلب رأس مال ضخم وتسجل نمواً كبيراً وتسهم في تدفقات نقدية متكررة مثل قطاعي التعليم والتقنية، من أبرز المستفيدين.

كما من المتوقع أن يعود هذا التوجه بالفائدة على قطاع العقارات أيضاً، لا سيما من حيث نمو القطاع، وارتفاع الاحتياجات الائتمانية، والطلب على حلول الإقراض المتطورة، في ظل القيود المتوقعة من البنوك على حجم الودائع المخصصة لهذا القطاع.

وانطلاقاً مما تقدَّم، ستحتاج الشركات ومنشآت الأعمال إلى التأقلم مع أساليب وطرق التمويل المرنة المطلوبة من صناديق الائتمان الخاصة، مثل خطط تقاسم النتائج، وتنويع الضمانات (على سبيل المثال، ضمان الأصول من شركات عائلية أخرى)، والتشدد في مراقبة النقد، وفرض ضوابط على الحسابات، وضمّ ممثلين عن صناديق الائتمان الخاصة إلى مجالس إدارتها.

الإطار التنظيمي ومخاطر التخلف عن السداد

أظهرت الجهات التنظيمية في دول مجلس التعاون الخليجي مرونة وجدية في استحداث / تعديل اللوائح لدعم تبني حلول الخدمات والمنظومات المالية، على سبيل المثال الخدمات المصرفية المفتوحة، وتقنية سلسلة الكتل «البلوك تشين» والعملات الرقمية، وعمليات التقنية المالية. وبالمثل، فيما يتعلق بالائتمان الخاص، أطلقت بعض الجهات التنظيمية في دول مجلس التعاون الخليجي أطر عمل تشمل إنشاء أنظمة الائتمان الخاص وتنفيذ أنظمة الاعسار.

وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، اعتمدت سلطة دبي للخدمات المالية، نظام صناديق الائتمان الخاصة، والذي يستهدف في المقام الأول الصناديق التي تمارس نشاطها في أو من مركز دبي المالي العالمي.

وبالمثل، قامت سلطة تنظيم الخدمات المالية في سوق أبوظبي العالمي بسن تعديلات على الإطار التنظيمي لتمكين صناديق الاستثمار الجماعي القائمة في سوق أبوظبي العالمي من الاستثمار في الائتمان من خلال إنشاء التسهيلات الائتمانية والمشاركة فيها. ويساهم كلا الإطارين، في توسيع نطاق سوق صناديق الائتمان الخاصة، ما يوفر مجموعة واسعة من خيارات التمويل البديل للمنشآت الصغيرة والمتوسطة.

بالإضافة إلى ما تقدَّم، فإن إنشاء محاكم متخصصة بمسائل الإفلاس في دولة الإمارات العربية المتحدة، يؤكد على أهمية الوسائل الودية لحل النزاعات، ويوسع المجال أمام المقرضين للتوصل إلى حلول مع المقترضين. كما يتيح المجال أمام المقرضين المكفولة أموالهم بضمانات، لإنفاذ المطالبات بالأصول مباشرةً بواسطة محاكم الإفلاس، التي تضطلع بدور تبسيط الإنفاذ.

ولكن، سيتوقف الأمر إلى حد كبير على كيفية استخدام قانون الإفلاس في الممارسة العملية، وعلى مدى استعداد وقدرة منشآت الأعمال والعاملين في هذا المجال على حدٍ سواء، على التأقلم للاستفادة من التغييرات التشريعية.

وإذ نتطلع إلى المستقبل، وبناءً على الدروس المستخلصة من الولايات المتحدة وأوروبا، نتوقع أن تشهد منطقة دول مجلس التعاون الخليجي لوائح تنظيمية إضافية واحترازية، مع التركيز على مجالات مثل شفافية البيانات، والرقابة المتزايدة، وحدود القروض وتركُّز السوق. ويأتي ذلك استجابةً للمخاوف العالمية المتزايدة حيال المخاطر المحتملة المرتبطة بالائتمان الخاص وتأثيرها على استقرار الأسواق المالية.

* توم دي وايلي، الشريك الإداري لشركة بين آند كومباني الشرق الأوسط

يشغل توم دي ويلي حالياً منصب الشريك الإداري لشركة بين آند كومباني إنك.، الشرق الأوسط. منذ انضمامه إلى مكتب شركة «بين» في بروكسل في عام 2003، عمل في عدة مكاتب للشركة في أوروبا قبل أن ينتقل إلى منطقة الشرق الأوسط. ويشرف توم منذ عام 2019 على نمو الشركة في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

** الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر «CNN الاقتصادية»