سيكون عام 2023 أشد وطأة بالنسبة للإقتصاد العالمي. فمن المتوقع أن يعاني الاقتصاد الأميركي المزيد من التباطؤ، وأن يستمر تأثر أوروبا بالحرب في أوكرانيا وبارتفاع أسعار الطاقة.
وسط هذا المشهد، لا تزال أسواق العمل تُظهر علامات ضعف بفعل التحوّلات الديموغرافية الكبيرة، وارتفاع نسبة كِبار السن ضمن القوى العاملة، إضافة إلى العدد الكبير تاريخياً من الوظائف الشّاغرة في العديد من البلدان.
حتى الآن، يُثبِت الاقتصاد الأميركي على أنه الأكثر مرونة مع صمود سوق العمل بشكل جيد. وهذا يعني أن الاحتياطي الفيدرالي قد يضّطر إلى الاستمرار في تشديد سياسته النقدية لفترة أطول لخفض التّضخم. ومن هذا المنطلق، نتوقع أن يتباطأ الاقتصاد الأميركي أكثر، مما قد يؤدي إلى ركود معتدل في منتصف عام 2023، ولكنه لن يشبه ما رأيناه في عامي 2020 أو 2009.
ومن جهة أخرى، خيّم الغموض على توقعات الاقتصاد الأوروبي، فيما تسبّبت الحرب في أوكرانيا في خسائر متزايدة ضربت اقتصادات أوروبا لا سيما من خلال أزمة الطاقة المتفاقمة. وقد أدى ذلك إلى ارتفاع التّضخم بشكل أكبر مما أثّر على الدخل الحقيقي وثقة المستهلك.
وعلى خلفية تباطؤ التجارة العالمية وتشديد الأوضاع النقدية، من المتوقع أن يضعف النمو في عام 2023 في معظم الاقتصادات المتقدمة والأسواق الصاعدة الأخرى، قبل أن يتعافى بعض الشيء في عام 2024. لا يُتوقع عموماً أن ينعكس التباطؤ في نمو الناتج في عام 2023 في ارتفاعات كبيرة في البطالة.
ففي الولايات المتحدة، انخفض التوظيف نتيجة بدء الشركات باتباع خطط شد الأحزمة واتخاذ نهج أكثر حكمة من حيث التوظيف. ومع ذلك، فإن مؤشرات سوق العمل ليست مقاساً واحداً يناسب جميع القطاعات. بالنسبة لبعض الشركات، لا تزال الحاجة للموظفين قائمة بنفس الوتيرة. في حين يضطر قادة الأعمال في شركات أخرى لإعادة التفكير في احتياجاتهم من العاملين بعد عام تاريخي من التوظيف.
أما في جميع الاقتصادات الكبرى، فنشهد انعكاساً جماعياً للتوظيف المفرط في صناعة التكنولوجيا والمعلومات والإعلام – وهي علامة على إعادة ضبط معايير متوقعة لقطاع شهد مكاسب هائلة من حيث التوظيف طوال فترة الجائحة. كذلك، فإن التباطؤ في هذه الصناعة مقارنة بجنون التوظيف الذي شهدناه خلال السنوات السابقة (خاصة في عام 2021)، يشير إلى أن ميزان القوى يتحول بالفعل إلى مصلحة أصحاب العمل.
في حين أنه لا توجد وظيفة محصّنة تماماً من الانكماش الاقتصادي، إلا أن بعض الوظائف والمهارات لا تزال مطلوبة بصرف النظر عن كيفية أداء الأسواق. إحدى القطاعات التي تميل إلى الاستقرار عند ضعف أداء الأسواق هي الإدارة الحكومية. التعليم قطاع رئيسي آخر من غير المرجح أن يشهد تقليصاً في عدد العاملين، وهو قطاع ينعم بعباءة من الحماية المقاوِمة للركود نتيجة ارتباطه بالحكومة.
وبالتالي، من المتوقع أيضاً أن تظلّ الصناعات الاستهلاكية مستقرة وسط الانكماش، كما يُتوقع أيضاً أن يكون لها أقل تباين في التوظيف. وأخيراً، يميل الطلب على الضروريات الاستهلاكية مثل السّلع الشخصية والمنزلية إلى البقاء ثابتاً طوال فترات الانكماش، ما يجعلها شريحة أخرى من الاقتصاد من غير المرجح أن تشهد تقلص فرص العمل.
ولكن ماذا عن منطقة الشرق الأوسط؟
في ظل تباطؤ النشاط الاقتصادي العالمي، تعاني المنطقة مجموعة صدمات متزامنة: منها تباطؤ الاقتصاد العالمي، وارتفاع أسعار السلع والطاقة وتقلّبها، إضافة إلى سوء الأوضاع المالية بأسرع وأقوى من المتوقع.
كما يواجه عدد كبير من اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات متوسطة الدخل قيوداً على النفاد إلى أسواق التمويل، بينما تتمتع البلدان المصدّرة للنفط بهوامش مالية وقائية بفضل استمرار ارتفاع أسعار الطاقة.
وبات التحدي الأكثر إلحاحاً على صعيد السياسات في جميع البلدان مُتمثلاً في التّصدي لأزمة تكلفة المعيشة عن طريق استعادة استقرار الأسعار، وحماية الفئات الضعيفة من خلال الدّعم المُوجّه للمستحقين.
أما في ما يتعلق بالبلدان المُصدّرة للنفط، فإن ارتفاع أسعار النفط وقوة نمو إجمالي الناتج المحلي غير النّفطي يعوضان تأثير ارتفاع أسعار الغذاء. وأمام هذه البلدان فرصة لتعظيم المنافع المحققة من عائدات النفط الاستثنائية عبر بناء هوامش مالية وقائية والمضيّ قدماً نحو تنفيذ خطط التنويع الاقتصادي.