يبحث حكام سوريا الجُدد حالياً كيفية التعامل مع الإمبراطوريات الاقتصادية المليارية التي يملكها حلفاء الرئيس السابق بشار الأسد، وأجروا بالفعل محادثات مع بعض هؤلاء الأثرياء، في ما يقولون إنه حملة لاستئصال الفساد.
بعد الوصول إلى السلطة في ديسمبر كانون الأول، تعهدت هيئة تحرير الشام التي تدير سوريا الآن بإعادة بناء البلاد بعد 13 عاماً من الحرب الأهلية الوحشية، وقررت القضاء على نظام اقتصادي شديد المركزية وفاسد ومُسيطر عليه من أصدقاء الأسد.
للقيام بذلك شكّلت السلطة التنفيذية بقيادة الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع، لجنة مكلفة بالتدقيق في المصالح التجارية مترامية الأطراف لكبار الأثرياء المرتبطين بالأسد بمن في ذلك سامر فوز ومحمد حمشو، وفقاً لثلاثة مصادر لرويترز.
بعد أيام من السيطرة على دمشق، أصدرت الإدارة الجديدة أوامر تهدف إلى تجميد الشركات والحسابات المصرفية للشركات والأفراد المرتبطين بالأسد، وشملت أولئك الموجودين على قوائم العقوبات الأميركية، وفقاً للمراسلات بين البنك المركزي السوري والبنوك التجارية.
عاد حمشو وفوز، المستهدفان بالعقوبات الأميركية، إلى سوريا من الخارج والتقيا بشخصيات بارزة في هيئة تحرير الشام في دمشق خلال يناير، وفقاً لمسؤول حكومي وسوريين اثنين على دراية مباشرة بالأمر، تحدثا مع رويترز، بشرط عدم الكشف عن هويتهما.
وقالت المصادر الثلاثة إن الرجلين، اللذين يرتبطان بعلاقات وثيقة بعائلة الأسد، تعهدا بالتعاون مع جهود تقصي الحقائق التي تبذلها القيادة الجديدة.
تتهم وزارة الخزانة الأميركية شركة أمان القابضة التابعة لفوز بالثراء من حرب سوريا، ولدى الشركة أذرع قوية في صناعة الأدوية وتكرير السكر والتجارة والنقل.
وتدير مجموعة حمشو الدولية شركات عدة في قطاعات البتروكيماويات والمنتجات المعدنية وصولاً إلى الإنتاج التلفزيوني.
ويقول محللون ورجال أعمال سوريون إن نهج الحكومة الجديدة تجاه الشركات القوية المرتبطة بالأسد سيكون مفتاحاً لفهم وتوقع مصير الاقتصاد، في انتظار نتيجة كفاح الحكومة السورية لإقناع واشنطن وحلفائها برفع العقوبات.
وأكد وزير التجارة السوري في الحكومة المؤقتة، ماهر خليل الحسن، ورئيس هيئة الاستثمار السورية، أيمن حموية، أن الحكومة كانت على اتصال ببعض رجال الأعمال المرتبطين بالأسد، لكنهما لم يحددا هوية رجال الأعمال أو يقدما أيَّ تفاصيل أخرى.
وأكد خلدون الزعبي، وهو شريك قديم لفوز، أن شريكه أجرى محادثات مع السلطات السورية.
وقال الزعبي، من بهو فندق فور سيزونز في وسط دمشق، الذي تملك مجموعة فوز أغلبية رأس ماله «أبلغهم فوز أنه مستعد للتعاون مع الإدارة الجديدة وتقديم الدعم كلّه للشعب السوري والدولة الجديدة، إنه مستعد لفعل أي شيء يُطلب منه».
فرضت الولايات المتحدة عقوبات على فوز وحمشو وآخرين لهم دور اقتصادي بارز، بمن في ذلك ياسر إبراهيم، المستشار المقرب للأسد.
يقول المحللون السوريون إن نحو 12 رجلاً يشكّلون الدائرة الضيقة من أباطرة الأعمال المرتبطين بالنظام السابق، ويعتبر المسؤولون الحكوميون المعينون من قِبل هيئة تحرير الشام جميع الأباطرة «أشخاصاً جديرين بالتتبع والدراسة».
أمرت السلطات السورية الشركات والمصانع التابعة أو المرتبطة بأباطرة الأعمال هؤلاء بمواصلة العمل، تحت إشراف سلطات هيئة تحرير الشام، بينما تحقق اللجنة في أعمالهم المختلفة.
وقال وزير التجارة السوري في الحكومة المؤقتة، في أوائل يناير كانون الثاني، «إن سياستنا هي السماح لموظفيهم بمواصلة العمل وتوريد السلع إلى السوق مع تجميد تحركات أموالهم الآن».
أضاف: «حلفاء الأسد من رجال الأعمال يمتلكون اقتصاد الدولة في أيديهم، ولا يمكنك أن تتركهم يغادرون ببساطة»، موضحاً أن الحكومة الجديدة لا تستطيع تجنب التعامل مع أباطرة الأعمال.
يقول بعض خبراء الاقتصاد إن الوضع المزري في البلاد يتطلب من الشركات المحلية الكبرى الاستمرار في العمل بغض النظر عن مالكيها.
وتقول الأمم المتحدة إن 90 في المئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر.
أنهت الحكومة المؤقتة الضوابط التجارية الصارمة التي تم تطبيقها في عهد الأسد، وتوفرت بالفعل الكثير من السلع، لكن لا يزال العديد من السوريين يكافحون من أجل تحمل تكاليف هذه السلع.
قال كرم شعار، مدير شركة استشارات اقتصادية تركز على سوريا وتحمل اسمه، إن السلطات السورية بحاجة إلى توخي الحذر من شن حملة صارمة على أتباع النظام السابق لأن هذا قد يؤدي إلى نقص كبير في السلع.
تسبب سقوط الأسد السريع في فشل العديد من الأوليغارشيين السوريين في التخلص من أصولهم المحلية التي تم تجميدها منذ ذلك الحين، ما أعطى حكام سوريا الجدد نفوذاً قوياً في التعامل مع الأباطرة، لكن الافتقار إلى الشفافية من جانب سلطات هيئة تحرير الشام في التعامل مع الأباطرة وأعمالهم التجارية يهدد بردود فعل عكسية.
وقال شعار، الذي يدعو إلى اتباع مسار قانوني صارم «إن النهج العام تجاه أتباع نظام الأسد هؤلاء ليس واضحاً، وقد يعتمد على رد فعل كل رجل أعمال على حدة، وعلى مقدار الدعم الذي يتمتّع به».
وقد حاول أيمن حموية، رئيس هيئة الاستثمار السورية، طمأنة مجتمع الأعمال في ما يخص مستقبل الشركات المرتبطة بالنظام السابق، والتي تتفاوت في الحجم والأهمية، وأكد أن الحكومة الجديدة لا تستهدف رجال الأعمال العاديين الذين أُجبروا على دفع الرشاوى أو العمل مع النظام حتى يتمكنوا من الاستمرار، ولكن الدولة تضع تحت المجهر القلة التي تعاونت مع الأسد من أجل تحقيق ثروات على حساب الدولة.
يقول حموية: «إذا هزمت أحد أباطرة الأعمال أو ألقيته في السجن، فمَن سيستفيد؟ عليك أن تعمل ببطء عن طريق اللجان والمعلومات والتحقيقات، حتى تحصل على أكبر قدر ممكن من العدالة».
يقول الزعبي، رجل الأعمال الذي حافظ على علاقاته مع بعض جماعات المعارضة السورية إلى جانب شراكته مع فوز، إنه فهم من تعاملاته مع الحكام الجدد أنهم يسعون إلى نهج «تصالحي»، وقال «الإدارة الجديدة لا تشخصن الأمور».