ربط الرئيس الأميركي دونالد ترامب للمساعدات الخارجية بسياسة "أميركا أولاً" سيكون له عواقب اقتصادية وخيمة، وسط تحذيرات من أنها قد تؤدي إلى اندلاع أزمة ديون في أفقر بلدان العالم.
ووصف خبراء أمر البيت الأبيض بتجميد الأموال التي تصرفها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، في انتظار مراجعة مدتها 90 يوماً بالمقامرة عالية المخاطر.
مثلت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية نحو 65 في المئة من إجمالي 72 مليار دولار من المساعدات الخارجية لواشنطن في عام 2023.
72 مليار دولار كافية لجعل الولايات المتحدة أكبر مانح للمساعدات في العالم، ولكن هذا الرقم الضخم يُمثل 1.2 في المئة فقط من الإنفاق الفيدرالي السنوي.
إن خفض الإنفاق من شأنه أن يعرض العائدات التي حققتها الولايات المتحدة على مدى العقود الستة منذ إنشاء الوكالة للخطر، فالمساعدات جزء أساسي من القوة الناعمة للولايات المتحدة، كما تسهم في تطوير أسواق التصدير الخارجية للشركات والمزارعين الأميركيين، وتدعم قدرة واشنطن على الاستجابة للأزمات العالمية.
إن إزالة هذا الدعم بشكل مفاجئ أمر خطير على العالم، وبالفعل منع توزيع الأدوية، ومنها علاج يمنع الأمهات من نقل فيروس نقص المناعة المكتسبة إلى أطفالهن.
وفقاً لدراسة أجرتها منظمة أوكسفام، فإن نحو 4 في المئة فقط من تمويل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية يذهب إلى الجهات الفاعلة المحلية في الخطوط الأمامية، والتي تشكل جزءاً أساسياً من تدخلات المساعدات بين عامي 2019 و2021.
في عام 2021 حددت الوكالة هدفاً أن تحصل المنظمات المحلية على 25 في المئة على الأقل من إجمالي التمويل بحلول عام 2025.
اعتماد كبير على المساعدات الأميركية
التحدي اليوم هو الاعتماد الشديد للدول ذات الدخل المنخفض على المساعدات الخارجية، بالنسبة لسوريا وجمهورية إفريقيا الوسطى وأفغانستان وبوروندي والصومال وجنوب السودان وموزمبيق والنيجر وليبيريا واليمن وملاوي، مثَّلت المساعدات التنموية الخارجية من 11 في المئة إلى 52 في المئة من الدخل القومي في عام 2023، وفقاً لبيانات من ForeignAssistance.gov.
هذه الدول ضمن أكثر 10 دول تتلقى مساعدات أميركية، ويعتقد صندوق النقد الدولي أن ستاً منها إما تعاني من أزمة ديون أو تواجه خطراً متوسطاً إلى مرتفع للوقوع في أزمة ديون.
وفي عام 2023 أنفقت البلدان النامية مبلغاً قياسياً قدره 1.4 تريليون دولار لخدمة ديونها بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، أو ما يقرب من 4 في المئة من دخلها الوطني الإجمالي، وفقاً لتقرير البنك الدولي.
ويُلاحظ أنه من بين 68 دولة منخفضة الدخل، تعاني نحو 16 في المئة منها من أزمة ديون خارجية، بينما 35 في المئة منها معرضة لخطر كبير لعدم السداد.
إثيوبيا نموذج واضح
تعتمد إثيوبيا على المساعدات بوضوح، إذ تستضيف أحد أكبر برامج اللاجئين في العالم، وتحصل على مساعدات أخرى لمعالجة الجفاف، والحد من الوفيات الناجمة عن الأمراض.
أنفقت الولايات المتحدة 1.8 مليار دولار في دعم الدولة الواقعة في شرق إفريقيا في عام 2023، معظمها يأتي من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية.
في العام نفسه أنفقت أثيوبيا 1.4 مليار دولار على خدمة الديون الخارجية، ولو نفذ ترامب تهديداته وأنهى عصر المساعدات الأميركية، سيحتاج صناع السياسات في أديس أبابا إلى اتخاذ قرارات صعبة، إذ يصعب على إثيوبيا تمويل كل المبادرات الإنسانية بنفسها، وعلى هذا فإن الاستقرار المالي والاجتماعي سوف يُصاب في مقتل في الدولة المتضررة بالفعل من الصراعات الداخلية، ولا ننسى أن إثيوبيا حالياً في المراحل النهائية لإعادة هيكلة بعض ديونها الخارجية البالغة 29 مليار دولار بعد التخلف عن سداد سندات اليورو في عام 2023، وفي يوليو تموز وقعت اتفاق مع صندوق النقد الدولي بشأن برنامج تمويل جديد بقيمة 3.4 مليار دولار.
في مثل هذه الأوقات في البلدان المنخفضة الدخل، من المفترض عادةً أن يحفز الاتفاق مع صندوق النقد الدولي الجهات المانحة الأخرى وشركاء التنمية مثل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية على تمويل إثيوبيا، وإذا لم يتدخل أحد فسوف يكون من الصعب على إثيوبيا مواصلة الإصلاحات التي يقرها صندوق النقد الدولي، ما يزيد من فرصة التخلف عن السداد مرة أخرى، وربما يؤدي إلى تفاقم أزمة اللاجئين العالمية.
رغم أن الصين دائن كبير لإثيوبيا، فمن غير المرجح أن تزيد جمهورية الصين الشعبية من مساعداتها بشكل كبير دون شروط، ومن المؤكد أن الدور المتنامي للصين في ملف إقراض الحكومات يساعد في تبرير نهج ترامب في التعامل مع المساعدات.
في العام الماضي، حذَّر رافائيل روميو، الشريك البارز في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، من أن المشكلة الآن هي أن وكالات الدول المانحة تفتقر إلى أي نفوذ في عمليات إعادة الهيكلة في الدول الممنوحة، ويدعو روميو إلى قدر أكبر من النفوذ للوكالات المانحة أثناء محادثات إعادة الهيكلة.
وهناك العديد من الطرق التي يمكن لواشنطن من خلالها إصلاح الوكالة الأميركية للتنمية الدولية لجعلها أكثر فاعلية ومواءمة مع أهداف السياسة الخارجية الأميركية، ولكن ترامب لا يسير في هذه الطرق، إنما يوقف الدعم المالي الحيوي عن بعض أفقر بلدان العالم، ما كلفنا بالفعل العديد من الأرواح ومن المرجح أن يكلفنا المزيد.