لطالما نُظر إلى إفريقيا من خلال عدسة المخاطر، لكن الواقع يعكس فرصة استثمارية هائلة ونمواً اقتصادياً واعداً. وبفضل سوق تضم 1.5 مليار نسمة، وموارد طبيعية غنية، وقوة عاملة شابة، أصبحت القارة مؤهّلة لتكون لاعباً رئيسياً في الاقتصاد العالمي.
ولتحقيق إمكاناتها الكاملة، يجب أن تتحول إفريقيا من مجرد مُصدّر للمواد الخام إلى مركز للتصنيع الصناعي والابتكار والنمو المستدام.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
هذه خلاصة جلسة عُقِدت خلال القمة العالمية للحكومات في دبي بشأن «الثورة الاقتصادية القادمة برؤية إفريقية».
المخاطر: أسطورة أم واقع
كشف د. أكينوومي أديسينا، رئيس مجموعة البنك الإفريقي للتنمية، عن دراسة أجرتها Moody’s Analytics على مدى 14 عاماً أظهرت نتائجها أن «معدل الخسارة في الاستثمارات بإفريقيا بلغ 1.7 في المئة فقط، مقارنة بـ13 في المئة في أميركا اللاتينية، و10 في المئة في أوروبا الشرقية، و4.5 في المئة في غرب آسيا، ما يعني أن إفريقيا أقل خطورة مما يعتقده كثيرون».
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
وتعمل مبادرات يقوم فيها البنك مثل وكالة ضمان الاستثمار الإفريقية، التي ستطلق قريباً، على تقليل المخاطر من خلال تقديم ضمانات على الأسهم، وضمانات للاستثمارات المتعلقة بالمناخ وحتى تأمين ضد المخاطر السياسية كما صرّح خلال مداخلته.
التصنيع: مفتاح الازدهار
على الرغم من الثروات المعدنية الضخمة في إفريقيا، إلى جانب النفط والغاز والمنتجات الزراعية، فإن نموذج تصدير المواد الخام لم يؤدِ إلّا إلى استمرار الفقر، كما قال أديسينا مشدداً على أن الفرصة الحقيقية تكمن في التصنيع القائم على القيمة المضافة، أي تحويل الموارد الإفريقية إلى منتجات نهائية يمكن إدراجها في سلاسل التوريد العالمية.
من شأن هذا التحول أن يعزّز حصة إفريقيا في التصنيع العالمي، ويوفّر فرص عمل، ويشجّع الابتكار، ويزيد القدرة التنافسية التجارية للقارة.
ومن أهم الخطوات لتحقيق ذلك، تعزيز التجارة البينية الإفريقية، إذ تمثّل اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA) التي أُنشئت عام 2021 سوقاً بقيمة 3.4 تريليون دولار، ما يمنح القارة فرصة غير مسبوقة لتقليل الاعتماد على الأسواق الخارجية وتشجيع الاستثمارات عبر الحدود، كما أن تكامل الأسواق المالية والبورصات والبنية التحتية سيسرّع عملية التصنيع ويعزّز الاستقلال الاقتصادي.
ثورة الطاقة والبنية التحتية في إفريقيا
وكشف توني إلوميلو رئيس مجلس الإدارة بنك المتحد لإفريقيا ومؤسس مؤسسة توني إلوميلو التي تعنى بالشركات الناشئة وتمكين الشباب، أن الوصول إلى الطاقة لا يُعدّ من أكبر التحديات، بل من أضخم الفرص للاستثمار. وقال في حديث خاص لـCNN الاقتصادية، إن الوصول إلى الطاقة هو السبيل أمام إطلاق العنان لقوة التصنيع في إفريقيا.
ويفتقر في إفريقيا اليوم أكثر من 600 مليون شخص إلى الكهرباء، وفجوة التمويل المقدرة بنحو 500 مليار دولار هي فرصة استثمارية واعدة برأيه.
وكان البنك الإفريقي للتنمية بالتعاون مع البنك الدولي أطلقا مبادرة «مهمة 300»، التي تهدف إلى توفير الكهرباء لـ300 مليون شخص، ما يخلق فرصاً ضخمة للاستثمار في توليد الطاقة ونقلها وتوزيعها.
ولفت توني إلوميلو إلى الميزة الديموغرافية التي تنفرد بها القارة السمراء «كون أكثر من 65 في المئة من سكان إفريقيا تحت سن 35 عاماً، ووجود 600 مليون شخص تتراوح أعمارهم بين 15 و35 عاماً، تُعدّ إفريقيا مستقبل القوى العاملة العالمية». هذه الميزة الديموغرافية ستكون حاسمة في قطاعات مثل التكنولوجيا، والتصنيع، والزراعة، وإذا استُغلت بشكلٍ صحيح، فإنها ستُطلق العنان لموجة جديدة من ريادة الأعمال والابتكار.
كما تُعتبر البنية التحتية ركيزة أساسية أخرى للنمو. فعلى سبيل المثال، استثمرت الإمارات العربية المتحدة، من خلال موانئ دبي العالمية (DP World)، 400 مليون دولار لتطوير ميناء بربرة في أرض الصومال، وهو مشروع يعزّز الاتصال التجاري، ويُسهّل حركة التجارة، ويجذب المزيد من الاستثمارات إلى المنطقة.
تسير إفريقيا بخطى متسارعة نحو التحول الرقمي؛ فقد أحدثت حلول الأموال الرقمية ثورة في الشمول المالي، ما جعل القارة رائدة في مجال التكنولوجيا المالية. وأسهم الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء في تحسين الإنتاجية الزراعية، وتوفير الطاقة، وتعزيز البنية التحتية.. ومن المتوقع أن تلعب الاستثمارات في شبكات الجيل الخامس (5G)، والحوسبة السحابية، والبنية التحتية الذكية دوراً رئيسياً في دفع عجلة التنمية الاقتصادية.
دعوة للمستثمرين خاصة الخليجيين
وكشف رئيس وزراء سيراليون، د. ديفيد موينينا سنجه لـCNN الاقتصادية، أن هناك محادثات مع الإمارات بشأن الاستثمار في القطاع الزراعي، وقال «نحن ننظر إلى الاستثمارات في التكنولوجيا والرقمنة والتعدين وإضافة القيمة.. وهذا أمر مثير للغاية بالنسبة لنا، لأن رأس المال البشري والزراعة والتعليم والتعدين، كلّها مجالات ستخلق علاقات بين بلداننا ليست قائمة على الاستغلال، بل على إضافة القيمة في جميع المراحل».
وكانت قيمة إجمالي الاستثمارات الخليجية على مدى العقد الماضي نحو 100 مليون دولار (الإمارات 59.4 مليار دولار، والسعودية 25.6 مليار وقطر نحو 7.2 مليار دولار).
وشدد أديسينا على أن إفريقيا لم تعد تنتظر المساعدات، بل تطالب بالاستثمارات والشراكات الحقيقية توفر عوائد استثمارية تنافسية، مشيراً إلى أن الرأسمالية الإفريقية لا يمكن تحقيقها إلّا بتحرير طاقات وإمكانات القطاع الخاص.